الخميس، 28 فبراير 2013

التكون المعجز لعنصر الكربون


يعتبر الكربون أساس الحياة ويتكون هذا العنصر الهام في مراكز بعض النجوم بعد سلسلة من التفاعلات الكيمائية الخاصة والتي يعتبر حدوثها معجزة في حدّ ذاتها ولو لم تحدث هذه التفاعلات الإعجازية لما وجد عنصر اسمه كربون ولما وجدت الحياة أصلا ونقول عن هذه التفاعلات بأنها إعجازية لأنها لا تحدث إلا في شروط وظروف خاصة وغير اعتيادية وخارج المألوف وخارج الاحتمالات ويجب توفر كل تلك الشروط معا وفي آن واحد ودعونا نتفحص هذا الحدث الخارق

.

.

 التفاعلات النووية التي تشكل ذرة الكربون تحدث
في قلب النجوم الحمراء العملاقة

يتكون عنصر الكربون في نوى النجوم عبر مرحلتين من التفاعلات المختلفة فالمرحلة الأولى تتمثل في اتحاد ذرتي هليوم لينتج من هذا الاتحاد عنصر انتقالي تحمل نواة ذرته 4 بروتونات و 4 نيوتورونات ويدعى هذا العنصر بـ بريليوم

.

.


في المرحلة الأولى من أجل تكون ذرة الكربون تتحد ذرتان من الهليوم التي تمتلك كل منهما بروتونين حيث تتكون ذرة البريليوم ذات الأربعة بروتونات

فعندما تتحد ذرة هليوم ثالثة بذرة البريليوم ينتج عنصر الكربون الذي تحمل نواة ذرته  6 بروتونات و 6 نيوترونات

.

.

في المرحلة الثانية تتحد ذرة البريليوم مع ذرة أخرى من الهليوم
لكي تتكون ذرة كربون ذات الستة بروتونات

والبريليوم الناتج من المرحلة الأولى يختلف عن البريليوم الموجود كعنصر كيميائي في كوكبنا فلو فحصنا خواص البريليوم الموجود على الأرض في الجدول الدّوري لوجدنا أن ذرته تحمل نيوترونا زائدا أما البريليوم المتكون داخل النجوم الحمراء العملاقة فيختلف عن مثيله الأرضي ويدعى حسب المصطلح الكيمائي بـ (النّظير)أما النقطة المهمة التي حيرت علماء الفيزياء لسنوات طوال فهي عدم استقرار هذا النظير المتكون داخل النجوم الحمراء العملاقة وعدم الاستقرار هذا كبير لدرجة أنه ينحل خلال 0.000000000000001 (10-15) ثانية  فقط بعد تكونه ! 

.

.


المعجزة هنا هي كيف يتسنى لذرة البريليوم التي تنحل
بعد 0.000000000000001 ثانية
أن تتحد مع ذرة أخرى من الهليوم في وقت أقصر من هذا الوقت؟
العلماء يتفقون أن هذه الحادثة حادثة خارقة جدا

كيف يحدث تحول مثل هذا العنصر القلق جدا إلى عنصر الكربون ؟ إنّ العامل الرئيسي لتحويل هذا النظير إلى الكربون هو ذرة الهليوم وهل أن قدوم هذه الذرة محض مصادفة ؟ بالطبع من المستحيل وهل من الممكن أن تحدث عدة مصادفات مثل اصطدام حجري بناء ببعضهما البعض وقبل انفصالهما بفترة قصيرة  في غضون ثواني تقدر ب   0.000000000000001  يأتي حجر ثالث ليضاف إليهما و يتشكل بناء جديد ؟ بل إن الأمر أكثر استحالة من هذا التشبيه ويوضح بول ديفيس هذا الأمر المعجز كما يأتي

.

( إن عنصر الكربون الذي يعتبر الحجر الأساس للحياة على كوكبنا يوجد بكميات كبيرة في الكون وإن وجوده هذا يعتبر مصادفة محظوظة ويتكون الكربون في مراكز النجوم العملاقة نتيجة اتحاد متسلسل لثلاث ذرات من الهليوم في فترة قصيرة وحساسة جدا ولكون اصطدام نوى هذه الذرات المتماثلة أمرا نادرا للغاية ولأجل أن يكون التفاعل ذا منتوج وفير يجب توفر الظرف المناسب و الذي لا يتحقق إلا بمستويات معينة للطاقة تسمى بالمستوى الرنيني Resonance وعند هذا المستوى يكتسب التفاعل تعجيلا بسبب خواصه الكوانتومية  والمصادفة السعيدة تتمثل في كون ذرة الهليوم تتميز بهذا المستوى الرنيني المعين من الطاقة والملائم لهذا التفاعل ثم إنّ مستوى الطاقة لذرة الهليوم ملائم تماما لهذا التفاعل كأنما خلق لهذا الغرض ) 14

إنّ هذه الحقائق المذهلة التي لا يمكن تفسيرها بالمصادفات ابدا جعلت من عالم مثل بول ديفيس والذي يؤمن بالمادية إيمانا أعمى يقوم بتفسيرها باستخدام تعبير مثل الحظ الحسن أو المصادفة المحظوظة علما أن هذه الحقائق لا يمكن أن تكون مصادفة بأي حال من الأحوال وتبرز المعجزة بكافة أبعادها أمام هذا العالم ورآها بأم عينيه وشرحها للعالم ولكنه تمسك برأيه المادي مفسرا إياها بتعابير لا منطقية مثل الحظ أو المصادفات من أجل إنكار الخلق

فهذه ظاهرة تحدث في النجوم المسماة ب ( العمالقة الحمر) وهي معجزة بالطبع وتدعى كيميائيا بـ: (الرنين المزدوج ) وتتمثل في اتحاد ذرتي الهليوم باستخدام رنينهما ليتكون رنين مزدوج ويضاف إليه خلال 0.000000000000001 (10-15) ثانية  ذرة ثالثة من الهليوم ليتشكل رنين آخر ينتج عنه الكربون وهذه الظاهرة لا يمكن أن تحدث بتاتا تحت الظروف العادية

.

.


إنّ الكربون الذي يوجد بصورة نقية في كوكبنا وعلى شكل ألماس أو فحم هو في الحقيقة عنصر ينتج في قلب النجوم العملاقة وعند انفجار هذه النجوم تتشتت أجزاؤها في كافة أرجاء الكون الفسيح لتنال النجوم والكواكب المنتشرة فيه نصيبها من هذه الأجزاء وكوكبنا الأرض واحد منها

يشرح جورج كريتشتاين الطبيعة الفائقة التي يمتلكها الرنين المزدوج قائلا

( تحدث هذه العملية متضمنة ثلاث مواد مختلفة الهليوم و البريليوم والكربون ورنينين مختلفين عن بعضهما البعض اختلافا كبيرا ومن الصعوبة بمكان فهم كيفية اتساق عمل نوى هذه الذرات المختلفة ...وإن التفاعلات النووية الأخرى لا تحدث بنفس السهولة التي تحدث بها التفاعلات التي ذكرناها سابقا وبنفس السّلسلة من المصادفات الحسنة النادرة ...ويمكن لنا تشبيه العملية كلها باكتشاف عدة أنواع من الرنين المعقد بين كل من الدراجة والسيارة والشاحنة فكيف يمكن وجود أي تناغم بين هذه الأجسام المختلفة عن بعضها البعض كل هذا الإختلاف ؟ إن حياتنا ووجودنا ووجود كل نوع من أنواع الحياة في الكون مبني على وجود هذا التنسيق والانسجام والتناغم في العمل ذي الطابع الخارق والمدهش ) 15

ومثلما يتضح فإن التفسير الذي ساقه عالم مادّي مثل كرينشتاين والذي تضمن عبارة سلسلة من المصادفات المحظوظة وغير العادية بالرغم من تجلّي معجزة بكافة أبعادها أمامه يعتبر تفسيرا لا يمت إلى البحث العلمي بأية صلة فكما أن تكون الكربون داخل النجوم العملاقة يشبه وجود رنين مشترك عميق ومعقد جدا بين الدّراجة والسيارة والشاحنة فإن حصوله تلقائيا أو مصادفة وفق تصور كرينشتاين أمر مستحيل للغاية ولكن التزامه بالفكر المادي جعله يتجنب استعمال تعبير معجزة الخلق

.

.


يعتبر الكربون العنصر الأساسي في تركيب جميع الكائنات الحية فجزيئات المواد العضوية التي تكون أجسام الكائنات الحية كالبروتينات والدهون والكربوهيدرات ما هي إلا مركبات مختلفة لذرة الكربون. والمدهش أن ذرات الكربون الموجودة في أجسامنا حاليا في أثناء قراءتنا لهذه السطور ما هي إلا بقايا لذرات الكربون التي نشأت في قلب النجوم العملاقة وانتشرت في الكون نتيجة انفجار هذه النجوم قبل مليارات السنين

وفي السنوات اللاحقة تم اكتشاف تكون باقي العناصر مثل الأكسيجين نتيجة وجود أمثال هذه الرنينات الخارقة للعادة والعالم فريد هويل هو الذي اكتشف هذه الحقيقة وذكرها في كتابه المجرات والنويات والكوازارات Galaxies,Nuclei and Quasars مؤكّدا انعدام احتمال المصادفة في هذه العملية لكونها مخططة بدقة وعناية فائقتين وبالرغم من كونه مادي الفكر متزمتا في فكره إلاّ أنه أذعن في النهاية على أن الرنين المزدوج الذي اكتشفه هو عملية مخططة بعناية فائقة 16

ويذكر في مقال آخر له :

( لو أردتم إنتاج كربون أو أكسيجين بواسطة الاندماج النووي الحاصل في النجوم فعليكم تهيئة مستويين أو خطين إنتاجيين والمقاييس الواجب عملها هي المقاييس والمعايير نفسها الموجودة حاليا في النجوم وبعد تمحيص هذه الحقائق عقليا نتوصل إلى أن هنالك قوة عقلية خارقة متمكنة من الفيزياء والكيمياء وعلم الأحياء ولا مكان للحديث عن قوى غير عاقلة لتفسير ما يحدث في الطبيعة وأن الأرقام التي تم التوصل إليها نتيجة الأبحاث والقياسات أدت إلى مثول حقائق مذهلة للغاية ساقتني إلى قبول هذا التفسير دون نقاش ) 17

تأثر هويل بهذه المعجزة تأثرا ملحوظا جعله ينتقد عدم إقتناع العلماء الآخرين بهذه المعجزة قائلا :

( إنّ أيّ عالم يستقصي هذه الظواهر الطبيعية لا يمكن له أن يحيد عن النتيجة التالية فلو أخذت النتائج الحاصلة في مراكز النجوم بعين الاعتبار فلا يمكن إلا القول بأنّ قوانين الفيزياء النووية وضعت بشكل مقصود و هي ترمي إلى هدف معين ) 18


14. Paul Davies, The Mind of God (New York: Simon and Schuster, 1992), p. 199.
15. George Greenstein, The Symbiotic Universe, pp. 43-44.
16. Paul Davies, The Final Three Minutes, New York: BasicBooks, 1994, pp. 49-50 (Quoted from Hoyle).
17. Fred Hoyle, "The Universe: Past and Present Reflections," Engineering and Science, November 1981, pp. 8-12.
18. Fred Hoyle, Religion and the Scientists, London: SCM, 1959; M. A. Corey, The Natural History of Creation, Maryland: University Press of America, 1995, p. 341, emphasis added.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق