الأربعاء، 12 ديسمبر 2012

محمد رسُول الله وخاتم الأنبياء والرُسلّ الجزء الثالث



محمد رسُول الله وخاتم الأنبياء والرُسلّ

 

المبحث الثالث: طبيعة الإسلام والرسالة المحمدية الخاتمة...وحتمية ومنطقية قبولها والدخول فيها وإتباعها والعمل بها.

 

 

السؤال المطروح:

١)  ما هی طبيعة الرسالة المحمدية الخاتمة العالمية الشاملة؟

٢)  وهل لا بد لكل إنسان أن يؤمن بها ويقبلها ويدرسها ويدخل فيها ويتبعها ويعمل بها؟

٣)  وما هی منطقية حتمية ذلك وضروريته عقلياً وفكرياً؟

         

                                               

البحث المنطقي للإجابة:      

 

١)  أما عن طبيعة الرسالة الإسلامية المحمدية الخاتمة العالمية...فهي لا تختلف في أساسياتها عن غيرها من الرسالات الإلهية التي سبقتها إلا أنها تميزت بمميزات وخصائص إضافية في الفروع وطريقة التناول والتقنين بما يتناسب مع عالميتها وشموليتها لكل البشر في أي زمان ومكان...ويمكننا بشكل عام تلخيص هذه المميزات والخصائص فيما يلي:

 

أولا ً:  الإنذار النهائي لكافة البشر بترك عبادة غير الله الواحد الخالق العظيم والإلتزام بالطاعة المطلقة له وحده وتنزيهه عن أن يكون له شبيه أو مثل أو ضد أو ولد أو أي صفة من صفات المخلوقات أو أي صفة لا تتناسب مع صفاته الإلهية المطلقة.

 

ثانياً:  الإنذار النهائي لكافة البشر بترك الشرور والإيذاء والإفساد والأثام  حتی يستقيم الكون في صورة منتظمة متكاملة خيرة كما أرادها الخالق العظيم وألا يشذ الإنسان عن هذه الصورة لأنه مخيراً...ولا يفسدها بتوجهاته المنحرفة وأنه إن فعل هذا فهو يقف بوجه الأرادة العليا للخالق الواحد العظيم القهار الذي لا يستطيع أن يقف أمامه أحد أو يعارض إرادته أحد.

 

ثالثاً:  كل من يستجيب للإنذارين الأولين ويعبد الله وحده ويطيعه وينزهه ولا يفسد ويقلع عن الشر والإسائة فإن الله يبشره بالمغفرة والرحمة وجنة عالية عرضها كعرض السموات والأرض يتمتع فيها بكل ما يتصوره وما لا يتصوره وهو خالداً فيها أبداً.  وكل من لا يستجيب ولا يطيع ويُصر علی الشرك والمعصية والشر والإفساد والإسائة فإن الله يحذره ويهدده بالعذاب والخزي والهلاك في الدنيا وفي الأخرة بغضب الله وجهنم والنار خالداً فيها أبداً إلا من يرحمه الله.  فالله إذن جنة ونار ، ونعيم وعذاب في الأخرة الأول للمؤمنين المطيعين الأخيار ، والثاني للكافرين المشركين العصاة الأشرار.

 

رابعاً:  الله غفور رحيم...فمن يتوب ويقلع ويندم ويرجع إليه...يغفر له ويرحمه ويعفو عنه ويتوب عليه...مهما بلغت ذنوبه...لأن الله رحمته وعفوه وسع كل شئ لكل صادق مخلص في توبته وندمه ورجوعه إلی الله.

 

خامساً:  إن الله إرتضی هذه الرسالة الخاتمة وهذا الدين الإسلامي لكل عباده من البشر...أما من أصر علی إتباع دين أخر فلن يقبله الله منه يوم القيامة وسيحاسبه علی ذلك يوم الحساب حتی ولو كان ديناً من الأديان السابقة التي أنزلها الله قبل الإسلام.

 

سادساً:  إن يوم القيامة والبعث أتی لا ريب فيه ولا يعلم موعده إلا الله وبعده تبدأ الحياة الأخرة نعيماً كانت أم عذاباً...وفي هذا اليوم سيبعث الله البشر جميعاً بعد موتهم ويعودوا كما كانوا بقدرته التي خلقتهم أول مرة...ثم سيحاسبهم علی ما فعلوه في حياتهم وهم مخيرون بين الخير والشر وسيحاسبهم علی أتباعهم لأنبيائه ورسله ورسالته ومدی إلتزامهم بها وعلی إتباعهم للرسالة الخاتمة الإسلامية وتقيدهم بأحكامها ثم سيحكم عليهم إما بالنعيم والجنة أو العذاب والنار بما يراه وهو العدل المطلق بعد أن يأتي عليهم بالشهداء ويسمح لهم بالدفاع عن أنفسهم...ولا أحد يملك تغيير حكمه أو الشفاعة عنده إلا من يرتضي هو فقط.

 

سابعاً:  وقد حملت الرسالة الخاتمة تفاصيل كثيرة  عن قصة بدء الخلق بأدم عليه السلام وحواء وغواية الشيطان لهما ثم نزولهم الی الأرض مبتلين مختبرين مخيرين وعن قصص الأنبياء والرسل بالتفصيل وبيان الحقيقة من التزييف الذي أدخله البشر بخيالتهم علی هذه القصص...وكذلك تفاصيل قصص أخری كثيرة كلها عظة وعبرة وفوائد لكي يستفيد الإنسان منها في حياته لأخرته.

 

ثامناً:  وضعت الرسالة القوانين الثابتة في كافة المجالات الحياتية إجتماعية وسياسية ومالية وعقائدية إلخ... التي يجب ألا يتعدوها...هذه القوانين وتلك الحدود حددها الله بذاته ورسمها قننها بمشيئته هو فقط وفرض علی عباده والمؤمنين به الإلتزام بها...أما من يعصاها فأمامه فرصة للتوبة والندم والعودة أما إن أصر حتی موته فيكون قد كفر بعبادة الله وعصی وتحدی وسيحاسبه الله علی ذلك حساباً عادلا ًويحكم عليه بما يشاء في يوم القيامة والحساب وسيكون له عذاب ً شديداً.

 

تاسعاً: حملت الرسالة منهاجاً واضحاً شاملا ً للتربية والسلوك والأخلاقيات والتعملات يجب علی الإنسان أن يتحلی به ويأخذ منه إن كان يريد مخرجاً أمناً من هذه الحياة الدنيا وإن كان يريد أن يرضی الله عليه ويزيد له في حسناته وإن كان يريد أن يحيا حياة إنسانية طيبة متوازنة.

 

عاشراً:  حملت الرسالة علی الكفر والنفاق حملة كبيرة شعواء وهاجمت بشدة لم يسبق لها مثيل الكفار والمعاندين والمشركين والمنافقين والمفسدين والأشرار وكشفت أساليبهم وحذرتهم وحذرت منهم ووجهت إليهم إنذاراً شديداً وتهديداً من الله عز وجل الخالق العظيم بالعذاب في الدنيا وفي الأخرة جزاء لهم علی معادتهم لله ولأحكامه والتصدي لعبادة والمؤمنون به والمطيعين له الذي يريدون أن يصلحوا ما يفسده الأشرار...وقد أوضحت الرسالة وتعاملت بصورة أكبر وأشمل مع أنماط الكفار والمشركين والمنافقين والأشرار التي ربما لم تكن واضحة أو محددة من قبل أو لم تكن مصنفة لما تميزت به من خداع وتزييف وتغيير وتشويه لخداع الإنسان...فجاءت الرسالة الخاتمة فوضعت النقاط فوق الحروف وصنفت وحددت وأوضحت الأنماط والأشكال المختلفة ثم بعد ذلك وضعت المقاييس الواضحة التي يمكن القياس بها وعليها للحكم علی الشخص وعمله إن كان مفسداً أو منافقاً أو مشركاً أو كافراً وبالتالي لم تدع مجالا ً للبشر ليضع بنفسه هذه المقاييس فيكفر كيفما يشاء ويحكم بالفساد والزندقة والنفاق والشرك كيفما يشأ وحسب الأهواء...وفي هذه كل الحماية للمجتمع البشري وتصنيفاً واضحاً له لا يحتمل الشك أو التأويل أو التجريم بغير بينة أو التبرئة بغير دليل من الرسالة الخاتمة الواضحة.

 

أحد عشر:  أوضحت الرسالة بجلاء أن العلاقة التي يجب أن تحكم الإنسان بخالقه هی علاقة تقوم علی وأساسها هو الإسلام الكامل لله والإستسلام له ولذلك سُميت الرسالة الخاتمة كلها "الإسلام"...إشارة إلی أهمية هذا الأساس في علاقة الإنسان بربه والمعنی الواضح المقصود هنا هو تسليم الإنسان كل أموره لله ليحكم فيها طبقاً للقوانين التي أنزلها والحدود التي رسمها في الرسالة الخاتمة والإستسلام لهذا الحكم الإلهي وعدم معارضته والإنصياع له والرضی به.  ثم إسلام الإنسان كل نفسه وروحه وحياته كعبد طائع ذليل لخالقه...فتكون حياته كلها خدمة متواصلة لربه...مثلما هی حياة أي عبد خدمة متواصلة لسيده ثم الإستسلام لأقدار الله في الحياة بعد حدوثها وعدم الإعتراض عليها لأنها أقدار إلهية والتعامل معها برضی وقبول...هذا هو المعنی الحقيقي لكلمة الإسلام كما أراده الله مسمی لدينه ورسالته الخاتمة الأخيرة.

 

إثنی عشر:  التركيز علی إفهام الإنسان بأن الله يعلم ما بداخله ويعلم سرائره ويعلم كل ما يعمل ويفعل ويضمر حتی ولو لم يعلمه الأخرين ولذا فهو مضطلع عليه في كل وقت مباشرة ولا يمكن الفرار أو الإختباء منه أو إخفاء شئ عنه ثم أن هناك ملكين مع كل إنسان مكلفين بإحصاء أعماله كلها في كتاب أحد الملكين يسجل حسنات الإنسان والأخر يحصي سيئاته وهما ملازمين له في كل مكان ، لذا فكافة أعمال الإنسان تحصی وتسجل عليه بالصوت والصورة لتشهد عليه في يوم الحساب وأن الله سيحاسب الإنسان علی ما يكتمه وما يفعله أما الملكين فيحصيا علی الإنسان فقط ما يعمله وينفذه من خير أو شر...ثم دعت الرسالة طبقاً وبناء علی هذه الحقيقة الثابتة الإنسان إلی تقوی الله وخشيته والإستحياء منه لأنه مضطلع عليه ويعلم ما بداخله ومحاسبه عليه...فالدعوة للتقوی من أساسيات الرسالة الخاتمة التي تحاول منع الخطأ قبل حدوثه ومعالجة الداء قبل ظهوره وقبل إستفحاله حتی يتداركه الإنسان وهو مجرد فكرة سيئة أو شريرة تمر عليه لأنه يعلم إن الله يعلم ما بداخله وما يفعله...فإن هوه خاف الله واتقاه وطرد هذه الفكرة في أولها...لتجنبنا الكثير من الشرور التي تحدث في الحياة ثم حتی إن هو عملها عرف أن الله رأه فخافة واتقاه وعمد إلی الخطأ والشر الذي عمله يصلحه وتاب إلی الله وندم فغفر له.

 

ثالث عشرة:  أوضحت الرسالة بأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها ولا يحملها ما لا طاقة لها به...ورفع عن البشر كثير من القيود التي فرضت عليهم في رسالات سابقة أخری...وأوضحت أن الله لن يحاسب علی الخطأ ولا النسيان ولا الإستكراه ولن يعذب أو يحساب أحد إلا بعد أن تبلغه رسالة الله...فاليهودي الذي لم يُبلغ إلا برسالة موسی سيحاسب علی ما بُلغ به...وهاكذا مع كافة البشر وأعطی الله العذر في العبادات والفرائض للمريض والمعوق والمجنون والمسافر وذو الفاقة وذو الحاجة...وأعطی الفرصة للمتهم ليثبت برائته وأثبت مبدء درء الحدود بالشهبات ومبدء أن المتهم برئ حتی تثبت إدانته وفتح أبواب التعذيرو والكفارات وكل ذلك من المرونة الكبيرة في هذه الرسالة اللازمة لجعلها شاملة لكل البشر وهذا ما ميزها عن غيرها من الرسالات.

 

رابع عشر: ولئن الإسلام رساله الله إلی البشر أجميعن فقد قام علی أساس هام جداً وهو المساواة التامة بين البشر أجمعين...لا فرق بينهم إطلاقا ً أمام الله الخالق إلا بمقدار ما يحمل كل منهم من إيمان وتقوی لله وبما أن الإيمان والتقوی الحقة لا يعلمها إلا الله تعالی فالمنظور أمامنا إذن أن الناس سواسية في كل شئ لأنهم جميعاً خلق الله فلا فضل لإحد علی أحد ولا تحزب لنوع أو جنس أو لون أو لغة ولا قول بتفوق عنصر أو جنس أو لون...وبالتالي الناس أمام الرسالة متساوون في الحقوق والواجبات والطريق إلی الله مفتوح لهم جميعاً كل حسب طاعته لله وهمته وتقواه وإيمانه وعقله وحكمته ونقاء وصفاء قلبه.

 

خامس عشر:  أكدت الرسالة علی أهمية القرءان وسنة الرسول والأئمة من أهل بيته علی أنهما لب الرسالة وجوهرها وحامل محتواها فمن تمسك بهما وتفقه فيهما ودرسهما وفهمهما وتعبد بهما وأطاعهما فقد عرف حقيقة الرسالة وإتبعها وإلتزم بها حقاً ومن لم يأخذهما أو أخذ أحدهما وترك الأخر فقد أخطأ الطريق ولم يحقق المطلوب ولم ينل إلا نصف الرسالة فقط أو جزء منها وهذا غير كافي وغير مقبول لدی الله.

 

سادس عشر:  الرسالة الخاتمة كل ٌ لا يتجزء...وبعضها يكمل بعض ولذا أوضح الله بجلاء أنه لا إيمان ولا إسلام ولا رسالة إلا بأخذ كل محتوی الرسالة كاملا ً غير منقوص ولا في ناحية واحدة من نواحيها...ولذا فإجزاء الرسالة كلها مرتبطة ببعضها إما تأخذها كلها وترضی الله وإما تترك جزءاً منها أو بعض أجزائها وبذا تفقدها كلها وتهدمها كلها وبالتالي تغضب الله.

 

سابع عشر:  أكد الله في الرسالة علی أهمية أن يتعارف الناس ويتعاونوا وأن يتأخوا وأن ينبذوا الصراع والإقتتال إلا بالحق...وأمر المسلمين أن يكونوا أمة واحدة ويتكاتفوا ويتكاملوا ويتحابوا ويتكاثروا وأن يتصدوا للكفار والمشركين والمنافقين وأن يتصدوا للباطل أياً كان وفي كافة صورة وألا يكون ولائهم إلا للحق فقط وأن يتواصوا بالحق ويتواصوا بالصبر وأن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر لأن ذلك من أساسيات وأركان الإسلام...وأمرهم أن يعدلوا ويقسطوا ويحسنوا حتی مع أعدائهم وأن ينصروا المظلوم ولو كان كافراً وأن يكونوا قدوة حسنة في الأخلاق والصفح والعفو عند المقدرة والمحبة والرحمة والأخاء والوفاء والأمانة والصدق والحلم والخلق الحسن والبعد عن اللغو والفحش من القول والفعل والبعد عن كل ما حرمه الله وعدم الإقتراب منه وإن أحبوه أو رغبوا فيه.

 

ثامن عشر:  أوضح الله أن سيحكم بين العباد والخلق فيما كانوا فيه يختلفون في يوم الحساب وسيرد حق المظلومين ويقتص من الظالمين في ذلك اليوم...فكل قضية أو مشكلة أو خلاف أو جدال بين إثنين من البشر أو أكثر أو بين فئتين أو أمتين أو أكثر سيوضح الحق فيها في ذلك اليوم وسيحكم فيها الله بعدله المطلق حتی ولو كان أبسط خلاف أو إشكال سيحله الله ويظهر الحقيقة فيه وبذا يأخذ كل ذي حق حقه...ويعرف المحق أنه كان محق ويظهر صوابه ويعرف المخطئ والمبطل خطأه وباطله وبعده عن الحق...وبذا يطمئن البشر إلی أن العدل إن ضاع في الدنيا ولم يطبق بسبب الظلم والقهر والظالمين ولم يستطيع الإنسان بعد المحاولات المتعددة أن يحصل علی أو يثبت حقه...فهناك يوم أتي سيحكم فيه العدل المطلق لن يكون هناك ظلم ولا ظالمين...وسيأخذ المظلوم حقه فيه ويری بعينه إنتقام الله من الظالم وبذا يشفي صدره ويبرد غله...فلا داعي أن يجعل القهر والظلم يأكل جسده وبدنه في الدنيا ولا داعي لأن يفقد الأمل في العدل ويستسلم للظلم...لأن الحاكم المطلق سيرجع الأمر له وحده في يوم الحساب وهو العدل المطلق والحق المطلق...وهذا المبدء وتلك الحقيقة التي أرساها الإسلام الرسالة الخاتمة...هی هامة جداً لأستقرار مشاعرالبشر وأحلسيسهم الداخلية التي هی عرضة في كل يوم للتعرض للظلم والقهر والباطل والعدوان وفقدان العدل...والتي قد تحولهم إلی حاقدين وظالمين هم أيضاً إذا إتتهم الفرصة وإلی قتله ومجرمين ومدمرين وفي هذا هلاك المجتمع وفساد الدنيا لذا فإقرار وتأكيد وترسيخ هذا المبدء في الإسلام كان خصوصية وهاماً جداً ميزة عن غيره من الرسالات.

 

تاسع عشر:  خدمة للأهداف والمحتويات السابقة في الرسالة ...وبُني الجزء التعبدي فيها علی خمسة أركان أو قواعد هامة جداً...أولها شهادة ألا إله إلا الله وأن محمد رسول الله بالعقل والقلب واللسان وبكل الصدق والقناعة والإخلاص...وهذا يضمن قناعة الإنسان وإيمانه بالإله والواحدنية والرسالة وحاملها قبل أن يحمل بتكاليفها فإن هو فعل ذلك كان ذلك ضمانة للإخلاص الكامل في كل ماسينفذه ويتبعه من تعاليم وتكاليف ومحتوی في الرسالة.  وثانيها هو إقامة الصلوات خمسة مرات يومياً في أوقات محددة يسبقها تطهيراً وتنظيفاً للجسد بالماء وذلك للوقوف بين يدی الله...وهذه الصلوات تخدم النقطة الثانية عشرة فيما مضی فهی تعلم الإنسان وتذكرة كل عدة ساعات بأن الله معه ويراه ويحب عليه بالتالي أن يستحي منه ويتقيه في كل عمل من أعماله وبالتالي يمتنع الإنسان عن فعل السيئات والمنكرات والظلم والبغي إلخ...ثم هی تقربة من ربه أكثروهی فرصة ليتقدم الإنسان ويرفع حاجاته إلی خالقه ويدعوه ويطلب منه ومن خلال ذلك تنشأ علاقة جميلة مرجوه بين الإنسان وخالقه أساسها الإسلام والتسليم المطلق لله وهذا بلا شك يزيد إيمان الإنسان بربه ويقينه به...ومن أجل تلك الفوائد العظيمة الهامة...جعل الله الصلاة وإقامتها في مواعيدها ضرورة لازمة للمسلم لا يكون مسلماً بدونها لأنها الصلة التي ستحوله إلی مؤمناً موقناً مسلماً متيقناً صالحاً وهی التي ستثبت مدی تمسكه وإخلاصه بالرسالة وطاعته وعبودية الألهي الذي أرسلها وأنزلها.

وثالثها هو إيتاء الزكاة والخُمس...وهی مال بنسبة معينة يُؤخذ من ثروات المسلمين المختلفة سواء كانت ذهباً أو فضة أو كنز أو نقد أو أنعام أو زروع أو مناجم  ويرد هذا المال علی فقراء المسلمين والمحتاجين  منهم ومن هم في أوقات محنة أو شدة أو إضطرار أو مواقف غير عادية منهم وقد حدد الله مصارف هذا المال بدقة...وقي هذا خدمة للنقتطين ١٤ & ١٧ فيما مضی...فهذا التكافل الإقتصادي بين إبناء المجتمع الإسلامي على امتداده يضمن السلام الإجتماعي والمساواة والتحاب والتراحم والتراحم والتأخي بين الجميع فلا الفقير أو المحتاج يحقد علی الغني ولا الغني لا يبالي ويأنف من الفقير..وكم من أفات إجتماعية وثورات وحروب نشأت من فقدان هذا التكافل الإقتصادي في المجتمع...ثم إن المال من أعز الأشياء علی الإنسان في الحياة فبذله طاعة لأمر الله هو دليل علی صدق الإيمان وقوة اليقين.  ورابعها هو الصيام في شهر رمضان...وهذا الصيام إيضاً يخدم بناء الإنسان الإيماني اليقيني الذي يؤدي بالضرورة إلی مراقبة الله والتقوی ويعودة ويمرنه علی ذلك...ثم هو يجعل الإنسان يخرج من روتينة الحيواني اليومي في المأكل والمشرب والمنكح وخلافه وينقله إلی وضع جديد يری معه هذه الشهوات والكثير من الأشياء في الحياة بمنظار رؤية جديدة تماماً ، ويتعلم من خلال ذلك حكمة لم يكن ليعلمها بدون هذا الصيام...فهو يتعلم الصبر ويتعلم أن كثيراً مما تعود عليه وأصبح لازماً له لا يستطيع أن يستغنی عنه ويضحي في سبيله بالمال وبالشرف والكرامة أيضاً أحياناً هو في الحقيقة غير ضروري لحياته وأنه يستطيع أن يحيی بدونه وهذا يعلمه الأيضحی بالغالي والنفيس في سبيل أشياء غير ضروربة ويعلمه الترفع وألا يذل نفسه لما هو غير لازم لحياته وإستمرارها...وهو يتعلم كيف يشعر الفقير والمحروم إذا جاع وعطش ولم يجد المأوی وهذه يلين قلبه تجاه البشر أجمعين ويحوله إلی إنسان ذو مشاعر وأحاسيس ورحمة وخامسها هو رحلة الحج إلی بيت الله الحرام في مكة...وهنا يجمع الله المسلمين جميعأً في مكان وزمان ومعسكر واحد بزي واحد...ليری كل منهم أخيه مجرداً من كل مظاهر الدنيا وكل الفروق الواهية والفواصل التي تفصل بينهم إجتماعية كانت أو لغوية أو قبلية أو سياسية...وبذا يذل الله المستكبر ويقوي الضعيف ويكسر أنف المغرور والمستعلی ويرفع رأس الذليل والهين وهذا هام جداً لإتزان المجتمع نفسياً وروحياً وخلقياً ومعنوياً...هذا الإتزان الذي إذا فقد أدی لأمراض إجتماعية لا حصر لها وبالتالي إلی شرور وإيذاء وإفساد بين البشر ينتهي بهم إلی العداء والكراهية والتشاحن والتباعد وأحياناً الإقتتال والتشاجر...ثم إن هذا اللقاء يزرع المحبة والتقارب والتعارف بين المسلمين من كل بقاع الأرض ويشجعهم علی تبادل الأراء والأفكار والتعرف علی المشاكل وتقريب المواقف...وهو يشعرهم بوحدتهم وقوتهم إذا ما رأوا بعضهم في هذه الكثرة الكاثرة وهو أيضاً يقوي إيمانهم عندما يروا بعضهم البعض يعبدون نفس الإله الواحد ويخضعون له ويطيعوه ويؤدوا نفس المناسك...فالضعيف الإيمان أو المهتز عندما يری هذا الحشد يعبدون الإله الواحد فإن هذا المشهد بحد ذاته يقوي إيمانه ريثبته ويرسخه...وأن يخرج الإنسان ويترك روتينة الحياتي ويضحي بماله في رحلة إلهية فهذا دليل علی مدی صدق إيمانه وطاعته وهو يخرجه من إطار الحياة الروتيني إلی مجال أخر تماماً كما في الصيام وهذا يؤدي به إلی نظرة جديدة إلی حياته ونظامه وإلی الحياة بشكل عام وحكمتها وإلی حياة الأخرين ودوره فيها وهاكذا.

          فأركان العبادة في الإسلام وإذا أضيف إليها ركن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هی الركائز الأساسية التي تؤدي بالإنسان إلی الإيمان الصادق واليقين والتقوی وبالتالي إلی حسن العبادة وصدقها والإحسان والحكمة والإصلاح والإخاء وكلها ثمرات مرغوبة ومرجوة لصلاح الحياة والإنسان ونجاته في يوم الحساب أمام ربه وخالقه.

 

عشرون:  تميزت الرسالة بحملة شديدة وهجوماً عنيفاً وتحريماً وتحذيراً من المعاملات الربوية بكافة صورها وأشكالها...وما تحمله هذه المعاملات من أثار هدامة علی حياة الإنسان الإقتصادية والإجتماعية...وهذه الخاصية تزداد وتتضح أهميتها في أيامنا وعصرنا هذا حيث أصبحت المعاملات الربوية هی أسلوب الحياة الإقتصادية المعاصرة وهی المسيطرة والمتحكمة في إقتصاد البشر وحياتهم ونری بأعيننا ما تسببه هذه السياسة من فوارق إجتماعية رهيبة بين الأفراد وبين الدول والأمم وما تؤدي إليه من مص دماء وأموال الكادحين لتدخل جيوب أصحاب رؤس الأموال بأسهل وأقصر الطرق والربا بإختصار هو جعل المال هو السلعة والإتجاربة والربح من ورائه أياً كانت صورة ذلك

 

أحد وعشرون:  وأخذت الرسالة في الإعتبار بدقة وبتناول حكيم المجتمع الذي أنزلت فيه الذي كان عليه حمل الإيمان بها وتطبيقها ثم حملها إلی مختلف بقاع العالم...فربته تربية خاصة وتعاملت معه باللين تارة وبالشدة تارة وبمنهاج وبرنامج حكيم ولم تحمله ما لاطاقة له به ولم تجبره بما لا قدرة له علی فهمه ولم تنفره...بل نزلت إلی مستوی فهمه وإدراكه مع العلم بأن هذا المجتمع في وقتها كان من أشد المجتمعات تخلفاً وجهلا ً وتعصباً في كافة المجالات ولذا فالنزول إلی مستوی إدراكه وفهمه مع عدم الإخلال بمحتوی الرسالة وشموليتها وعالميتها كان شيئاً صعباً جداً ولكن يجب أن يأخذه الدارسون في العصر الحديث بعين الإعتبار...ويأخذوه نقطة للرسالة وليست ضدها...فكيف كان يمكن للرسالة مثلا ً أن تخبر هذا الإنسان العربي البسيط الجاهل المتعصب بأن الأرض كروية حالها حال الإجرام السماوية التي يشاهدها...إن هذا لا يتحمله عقله البسيط...ولن يؤدي به إلا إلی عدم الفهم وبالتالي التكذيب والمعاندة والكفر والعداء...إن مثل هذا  العقل يحتاج للكثير لإحتوائه وترويضه وإقناعه وإكتسابه...وقد إحتاج الأمر في أحياناً كثيرة للهبوط لمستواه وعدم تحميله ما لا يتحمله...حتی كثيراً من قوانين وأحكام الرسالة كانت تدريجية...كتحريم الخمر مثلا ً والتعامل مع نظام الرقيق...وإحتاجت لوقت حتی يستطيع هذا الإنسان أن يفهم ويعي ويقبل...ولذا فعلينا أن ندرك هذا ونتفهمه جيداً ونقدره لأنه كان من الضروريات اللازمة لنشر الرسالة بين من سيتحمل مهمة نقلها وتوصيلها إلی كل البشر.

 

إثنا وعشرون:  دعت الرسالة بوضوح إلی العلم والتعلم وحضت عليه...وقد تكون هذه من الحكمة الإلهية في إختيار هذه الأمة العربية الأمية لتنزل الرسالة الخاتمة عليها...فالدعوة للعلم والتعلم في أمة جاهلة هی أوقع وأكثر صدی وتأثيراً وإنتشاراً من الدعوة للعلم في أمة متعلمة عالمة فعلا ً...وهذا ما حدث فعلا ً...فمكانة العلم بمختلف فروعه مكانة كبيرة في الإسلام...ولكنه العلم المفيد الذي يرقی بالإنسان ويصل به إلی درجة إنسانية عالية روحياً ومعنوياً وفكرياً وأخلاقياً.

 

ثلاث وعشرون:  حثت الرسالة الإنسان علی رفض الظلم والقهر والعدوان بكل أشكاله والتصدي له ومحاربته إن لزم الأمر لإستئصال شوكته وعدم السكوت عليه تحت أي ظرف ولأي سبب علی مستوی الأفراد وعلی مستوی الأمم والدول والحكام.

 

أربع وعشرون:  قللت الرسالة من شأن الدنيا وأهميتها لدی الإنسان إذا ما قورنت بالحياة الأخرة...وحثت الإنسان علی ألا يكون عبداً للدنيا وملذاتها وشهواتها وألا يضحي بدينه وقيمه وأخلاقياته وشرفه وعرضه في سبيلها...وعلی العكس طلبت منها أن يجعل الأخرة دائماً أمام عينه وأن يضحي من أجلها بأغلی ما عنده حياته وماله وأبناءه...وطلبت منه ألا ينغمس في ملذات الدنيا وحرمت عليه جمع وكنز المال وعدم إنفاقه وطالبته بعد الإسراف والبزخ والبعد عن الترف لأن كل ذلك يربطه بالدنيا أكثر ويجعله عبداً أكثر وأكثر ويذله للأخرين.

 

خمسة وعشرون:  أوضحت الرسالة بجلاء أن الحكم لله وحده وهو الحاكم المطلق ولكن الله إستخلف الإنسان في الأرض وأمره أن يعمرها ويستعمرها ويرعاها ويحافظ عليها وعلی المخلوقات فيها وأعطاه الله بعض صلاحياته في الحكم فيها فالإنسان حاكم مستخلف في الأرض يحكم فيها بسلطة الله ويطبق وينفذ قوانين الله تماماً كما يستخلف ملكاً والياً أو حاكماً علی أحد قری أو نواصي ملكه ليحكم فيها بإسم هذا الملك وينفذ فيها قانون هذا الملك ويصلح فيها ويرعی شئونها بما يرضی هذا الملك...فعلی الإنسان أن يفهم دوره هذا وأن يأخذه بإدراك كامل وجديه وأن يرفض كل وضع أو نمط أو تطور يتعارض مع هذا...وأن ينهض لأداء هذه المهمة التي حمله الله بها...فيصلح الأرض ويستفيد منها ويحسنها بكل طريقة ويقيم العدل فيها ويجعل قوانين ونظم الله التي نزلت في الرسالة الخاتمة الإسلامية هی القوانين السائدة والعليا والمعمول بها وألا يسمح لأي شئ عداها بأن يتخطاها...وأمرت الرسالة الإنسان بأن يكون مستعد لخوض الحروب في سبيل تحقيق هذا الهدف الإستخلافي في الأرض وأن يكون مستعداً للتضحية بحياته وبما يملك في سبيل ذلك...ووعدت الرسالة من يقتل شهيداً في سبيل ذلك بأن  يدخل أعلی درجات الجنة بغير حساب خالداً فيها أبداً.

 

ستة وعشرون:  حذرت الرسالة وحملت علی الأفات الأخلاقية والنفسية بشدة وطالبت بتجنبها والتخلص منها...كالبخل والشح والأنانية والإسراف والحقد والغل والكراهية والحسد والكبر والنفاق والكذب والغيرة والغرور والعجب والإستعلاء وإدعاء العلم والخيانة والغيبة والنميمة والمباهاة والغمز واللمز والتنابذ بالألقاب والسفه والحمق واللامبلاة والعجلة والكسل والبطالة والتواكل والرشوة والمحسوبية إلخ...

 

سبعة وعشرون:  نظمت الرسالة بدقة العلاقات كل من الفرد والمجتمع والحاكم في كافة المجالات السياسية والإجتماعية والإقتصادية وأوضحت حقوق وواجبات كل منهم...وأقرب الملكية الفردية بما لا يتعارض مع مصلحة المجتمع...وأقرت حقوق الإنسان...وأقرت مبدء الشوری والتشاور في أمور الحياة...وأقرت مبدء الإنتخاب ووضعت له الشروط والقواعد والحدود وألغت نظام الملوكية التوارثية بوقوع فلا ملك ولا ولي عهد من أبنائه ولكن الرئيس أو الحاكم ينتخبه الناس بإرادتهم وحريتهم ممن يتوفر فيه الشروط والقواعد والضوابط التي حددها الله ويشرف علی ذلك علام فقيه بأمور الدين والرسالة وهذا العالم يملك سلطة تنحية الحاكم إذا أخل بتلك الشروط والقواعد والضوابط فيما بعد.

 

ثامن وعشرون:  أعطت الرسالة لعلماء الدين والفقهاء والربانيون المخلصون الذين يتوفر فيهم شروط معينة محددة صلاحية والإجتهاد والفتوی فيما يجد من أمور الحياة مما لم يتنزل فيه نص أو حكم في الرسالة في مختلف شئوي الحياة وذلك بناءاً علی ما هو موجود في الرسالة من أحكام وقواعد شاملة يستطيع العالم الرباني المخلص المجتهد أن يستنبطها ويأخذ منها ويبني عليها ويستنتج من خلالها...ولكن الرسالة حددت ذلك بشروط كبيرة لا تتوافر إلا في قلة قليلة جداً في كل زمان ولم تترك الأمر مفتوحاً لكل من درس علوم الدين أن يفتي يقنن كيفما يشاء...لا إن يقوم بهذا العمل الخطير شروطاً وموصفات وسمات محددة من صلاح الدين والعقيدة والأخلاق والإيمان والإخلاص والعلم والعدول إلخ يصعب أن توجد إلا في عالم أو عالمين في كل زمان وهذا هو الذي يجب أن يُرجع إليه من جميع المسلمين في كل مكان إذا توفرت فيه هذه الشروط الإلهية التي تجعله صالحاً لهذا الدور الخطير ومؤهلا ً للقيام به.

 

تاسع وعشرون:  أمر الله المسلمين بأن يحملوا هذه الرسالة الخاتمة ويبلغوها لكل البشر لأنها ملك لكل البشر ، وموجهة لكل البشر...لذا الزم الله كل مسلم بأن يبلغ الرسالة بقدر إستطاعته ويدعو إليها ولكن بغير إكراه أو عنف وإنما بالحكمة والموعظة الحسنة وبالقول اللين وبالقدوة الطبية.

 

ثلاثون:  أمرت الرسالة الخاتمة بعدم قبول الكفر أو الشرك وقتال الكفار والمشركون والعابدون لغير الله والملحدون وعدم التعامل معهم أو معاهدتم أو مودتهم أو مملأتهم وأن يناصب المسلمون العداء لكل من ناصب الله العداء...ولكن هذا بشرط أن يكون ذلك تحت قيادة ربانية ممثلة بالإمام والقائد المعين والمحدد من الله وفي وجود الدولة الإسلامية الحقة التي يرأسها ويقودها ذلك الإمام والقائد الرباني...أما أصحاب الديانات السماوية الأخری فقد نظم الله العلاقة بين المسلمون وبينهم...وهی علاقة تقوم علی الإجتماع علی عبادة الإله الواحد لا شريك له ورفض قبول مبدء أن يكون لله لأنه مخالف لصفات الله المطلقة وعلی الإحسان والقسط والعدل والبر وعدم التطاحن والسلم وحرية العبادة وأداء الجزية إن كان هؤلاء في بلاد يحكمها المسلمون في دولة إسلامية حقة يقودها ويرأسها إمام وقائد رباني مقابل حمايتهم ورعايتهم سياسياً وإجتماعياً ودينياً.

 

إحدة وثلاثون:  ركزت الرسالة علی أهمية العمل في حياة الإنسان...علی أن يكون العمل من مصادر أحلها الله وأن يقصد به وجه الله وألا يستفيد منه الكفار أو المشركين أو أعداء الله أو أعداء المسلمين بأي وجه من الوجوه إلا إذا كان ذلك سيعود بالنفع علی الإسلام فيما بعد ، كأن يكون الإنسان المسلم سيضطر للتدريب علی عمل أو مهارة ما لدی كافر أو مشرك ولكنه سيستفيد خبرة تعود علی الإسلام وأهله بالنفع والفائدة...أما عدا هذا من أعمال تفيد أعداء الله أو تعين الظالمين بأي صورة فلا...وأمرت الرسالة بالإتقان والإخلاص والأمانة في العمل وإعتبرت ذلك نوع من العبادة...ودعت كل إنسان أن يعتمد في تكسب قوته وقوت أسرته بنفسه ومجهوده ومنعت التوسل والسؤال والبطالة وحضت علی التكافل...وحضت علی أن يكون المسلم منتجاً دائماً وليس إستهلاكياً فقط حتی يضمن الإكتفاء الذاتي لنفسه ولبلادة ولأمته المسلمة وأمرته بالإبداع والإبتكار في العمل لخيره وخير البشرية جمعاء وهذا جزء من دوره الإستخلافي علی الأرض...وأمرته أيضاً أن يدير أمواله في مشروعات تجاريه وصناعية وزراعية ولا يكنزها ويعطلها وبذا يزدهر المجتمع ويجد الجميع فرص العمل المتاحة.

 

إثنی وثلاثون:  وضعت الرسالة الأساس والقواعد للرعاية الإجتماعية الشاملة للأسرة وللمجتمع ودعت إلی رعاية الطفولة والأيتام والمعوقين والمسنين والمصابين بالكوارث الطبيعية والفقراء والمساكين ووضعت وأقرت لأول مرة حقوق المرأة وقواعد الزواج والطلاق والميرات إلخ.... والعكس...وأبطلت بعض العادات الإجتماعية الشائعة المفسدة كالمغالاة في المهور...وابتداع الأعياد والمناسبات والبذخ فيها والإيمان بالسحر واللجوء إليه ونهت عن المغالاة في المشاعر الإنسانية وأكدت علی أن الحياة لا تتوقف لموت أحد أو فقدان شئ ولكنها يجب أن تستمر...وإن فشل الإنسان في تجربة فليحاول ثانية وهاكذا...وحثت علی طلب العلاج إن إستعصی الداء ولم يتحمل ووضعت القواعد في هذه العملية العلاجية بين أفراد الهيئة الطبية والمرضى وحددت بوضوح مهمة الحاكم في توفير هذه الرعاية الإجتماعية كلها للجميع بالعدل وبدون إستثناء وعلی أفضل وأكمل وجه.

 

ثلاث وثلاثون:  أكدت الرسالة علی أنه لا علاقة إطلاقاً بين حظوظ وعطاءات الدنيا وبين رضا الله أو غضبه كما يظن البعض وبذا أبطلت متعمداً كان شائعاً وأضل كثيراً وأحدث وما زال يُحدث تخريباً كبيراُ في العقيدة وفي المفهوم لدی الكثيرون ويسبب الكثير من الجدل بين فلاسفة اللاهوت.

 

أربع وثلاثون:  كشفت الرسالة الكثير من التحريفات التي أدخلها علماء أهل الكتاب من الأديان السابقة علی كتبهم ورسالاتهم وبذا أحقت الحق...وكشفت الأباطيل والزيف وطالبتهم بالرجوع إلی أصول دينهم كما أنزلها الله والكف عن التحريف والتبديل.  كما أكدت علی المسيح عيسی لم يقتل وإنما رفع إلی الله وسيعود إلی الأرض في أخر الزمان ليدعوا لدين الحق ويحارب مع المسلمين من أجل ذلك.

 

خمسة وثلاثون:  حددت الرسالة الخلافة والإمامة من بعد الرسول الخاتم بدقة وبدون لبس ثم بعد ذلك أوضحت بجلاء بأن هذه الخلافة والإمامة بشخوصها المحددة هی جزء من الرسالة والإيمان بها لا ينفصل عنها ولا يكتمل بدونها وتركت بعد هذا الباب مفتوحاً...فمن يريد أن يقبل الرسالة كلها ويعتنقها بتفصيلها ودقائقها ويلتزم بها كلها...فهو عند الله من الفائزين والناجين في يوم الحساب وسيُدخل جنة النعيم برحمة الله ويبقی فيها خالداً أبداً...ومن لا يريد أن يقبلها...أو من يريد أن يقبل بعضها ويترك البعض...فلا إكراه عليه وله مطلق الحرية وليفعل...وفي يوم الحساب سيحاسبه الله علی ذلك حساباً شديداً وعسيراً وبعد هذا أمره إلی الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له فهو يفعل ما يريد...والله الغني عن عباده...لا يضره كفرهم ومعصيتهم ولا يفيده إيمانهم وطاعتهم.

 

٢)  وإذا كان توصلنا في القضية الأولی الإستنتاج الخامس إلی حتمية ومنطقية وضرورة الطاعة التامة المطلقة للإله الخالق ، وتوصلنا في الإستنتاج السادس إلی صدق الأنبياء جميعاً وقد أكدوا جميعاً علی لزوم الطاعة المطلقة لله وأن ذلك من مستلزمات الإيمان وأن هذا أمر من الله للناس جميعاً بضرورة الطاعة المطلقة.  وإن كنا توصلنا في القضية الثانية الإستنتاج الثاني  إلی حتمية صدق نبوة محمد وصدق رسالته...وإذا كان الإله الخالق أمر في هذه الرسالة الخاتمة بضرورة إتباعها وإلتزامها والدخول فيها...فبناء إذن علی كل المنطقيات السابقة وجب علينا منطقياً الطاعة المطلقة والقبول بالرسالة الخاتمة والدخول فيها وطاعتها.  وهذه المنطقية مرتبة علی ما قبلها من منطقيات وتستمد منطقيتها من هذا الترتيب مما يجعلها مُسلمة فكرية لإزمة وضرورية ولا تقبل النقاش.

 

٣)  وهناك منطقية أخری يفهمها ويتقبلها العقل الإنساني تماماً...وهی منطقية إتباع وطاعة أخر أو أحدث أمر صادر من الجهة الأمرة...ولكي نضرب مثالا ً نقول:  قائد عسكري أمر جنوده بالهجوم علی العدو أول النهار ثم عند الظهيرة أمرهم بوقف القتال والإنسحاب ثم عند المغرب أمرهم بمعاودة الهجوم...فأي هذه الأوامر واجب التنفيذ الأن...لا شك عقلياً ومنطقياً أنه الأمر الأخير وهو الهجوم...فإذا رأيت بعض الجنود لا يهجمون بدعوى...أن القائد سبق وأن أصدر أمراً بوقوف القتال والإنسحاب...وأنهم غير ملزمين بالأمر الأخير...وأن لهم الحق في إختيار أي أمر صدر من القائد وأتباعه علی هواهم فبما ستصف هؤلاء الجنود...ستصفهم إما بالبغاء المطلق أو الجنون أو تعمد عدم إطاعة أمر القائد وتلمس الحيل لذلك...فهل هذل التصرف مقبول منهم أياً كان وصفهم...وبما سيعاقبهم القائد علی هذا التجاهل المقصود لأمره الأخير الواجب منطقياً وعقلياً طاعته...

 

وإذا كان هنا قانوناً يقضی بعقوبة جريمة ما بالسجن ٥ سنوات...ثم تغير القانون وجعل العقوبة علی نفس الجريمة ٧ سنوات...فبأي قانون منهما سيلتزم القاضي في الحكم علی المتهم بهذه الجريمة...لا شك بأنه سيلتزم بالقانون الجديد ويحكم بالسجن ٧ سنوات لأن القانون الجديد جب وغيرما قبله وأصبح لزاماً عقلياً ومنطقياً الإلتزام بالقانون الجديد.  وإذا وجه إليك الرئيس أو الحاكم رسالة يقول لك فيها أن عليك أن تدفع ضرائب جديدة بنسبة % ١٠ من دخلك...ثم بعد سنة أرسل لك رسالة أخری يقول لك فيها أن عليك أن تزيد هذه وتدفها بنسبة % ١٥ من دخلك ، فأي الرسالتين ستطيع وتنفذ الأن وماذا نتوقع أن ينتظر الحاكم أن تدفع إن العقل والمنطق يقول بأن عليك أن تتبع الرسالة الجديدة لأنها تلقائياً ألغت ما قبلها وبذا فالحاكم يتوقع منك الأن أن تدفع الضريبة الجديدة بنسبة % ١٥ من دخلك.  إن وجوب إتباع الأمر الأخير أو الرسالة الأخيرة وتنفيذها لأنها تجب وتلغي ما قبلها منطقية واضحة البيان والبرهان ولا تقبل النقاش ويستحيل القول بعكسها إلا من مخبول أو غير مطيع وعاصی الأمر الأعلی يستحق الرفض والغضب والعقاب من هذا اللأَمر وإن فعل الأمر هذا ورفض وغضب وعاقب فلا يلام لأن المنطق والعقل معه ويؤيده.

 

٤)  ولقد أمر الأنبياء جميعهم أتباعهم كما أوضحنا بإتباع الرسول الخاتم والرسالة الخاتمة الأخيرة عندما تجئ وتتنزل...فكان إذاً لزاماً منطقياً علی أتباع ومطيعي هؤلاء الأنبياء أن ينفذوا أمرهم ووصيتهم ويطيعوا النبي الخاتم والرسالة الخاتمة التي جاءتهم فعلا ً مع إرسال محمد ورسالته الخاتمة وهی الإسلام وأن يتقبلوها ويدخلوا فيها ويعملوا بها.

 

٥)  ولقد أخبر الله في الرسالة الخاتمة التي أثبتنا منطقية صحتها وصدقها وصدق من جاء بها بأن من إبتغی غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه ، وأن الدين عند الله الإسلام فمن يؤمن بالإسلام وبصدقه ولكن لا يعتنقه كدين فهو مخالف للمنطق والعقل والفكر السليم تماماً ويتناقض مع إيمانه بالرسالة الخاتمة لأنه يتناقض مع محتواها الذي أبلغ عن ضرورة إعتناقها والقبول بها والدخول فيها وتنفيذها وإلتزامها ممن يؤمن بها ويصدقها ويصدق خاتميتها.

 

٦)  ثم إن الرسالات السماوية الإلهية السابقة للإسلام كلها كانت محددة في زمانها ومكانها ولم يكن لأي منها صفة العالمية أو الشمولية ولم يدعی أي نبي عدی محمد بأنه صاحب رسالة عالمية موجه لكل البشر غير محددة بزمان أو مكان وهذا واقع لا يمكن إنكاره...فهذه الرسالات السابقة للإسلام كلها كانت ملزمة ومرسلة إلی أقوام معينين في أمم معينة في أزمان محددة...وإنتهی دورها جميعاً بظهورالرسالة الأخيرة العالمية الشاملة الغيرة محدودة لا زمانياً ولا مكانياً...فكيف يمكن منطقياً وعقلياً أيها القارئ أن تتبع رسالة كانت بطبيعتها محددة وموجهة إلی أقوام غير قومك وفي زمان غير زمانك...إنك بهذا تضع الشئ في غير محله منطقياً...فإذا تُوقع حدوث عاصفة علی مكان معين في وقت معين فصدر أمر من الحاكم أو السلطات بإخلاء ذلك المكان في تلك الفترة فهل هذا الأمر يلزمك أن تنفذه وأنت في زمان أخر ومكان أخر...وإذا صدر أمر معينة بأن يلبسوا زياً معيناً لفترة محددة في مكان معين...فهل هذا الأمر يلزمك أن تطيعه وأنت في مكان أخر وزمان أخر ومن فئة أخری...هل الرسالة التي جاءت من السماء علی لسان نبي الله شعيب إلی أهل مدين في زمانه...هل هی ملزمة إلی سكان الصين الأن؟  فإذا قابلك صيني وقال لك أنا من أتباع شعيب فماذا ستقول له وبما ستصفه؟  إنك ببساطة لا بد وأن تقول له إن شعيباً أُرسل إلی قومه من أهل مدين خاصة وفي زمانه خاصة وبرسالة محددة فكيف تأتي أنت في الصين بعد كل هذه القرون وتدعي أنك تتبع رسالة لم تكن أبداً موجهة لك وتترك الأخذ بالرسالة التي هی فعلا ً موجهة لك لأنها موجهة لكل إنسان في أي زمان ومكان...إن هذا هو حكم العقل والمنطق والحكمة فما كان محدداً بالزمان والمكان والأشخاص لا يمكن أبداً ولا يصح وغير منطقي أن يُلزم أو يلتزم به من هم خارج حدوده الزمانية والمكانية والشخصية...وهذه نقطة واضحة لكل ذي عين وكل ذي عقل..فالمنطق يحتم عليك أن تلبس مقاسك وتأكل ماصنع لك وأن تعتنق وتلزم وتتبع وتقبل ما أنزل من السماء من أجلك أنت وليس من أجل غيرك من الأولين والغابرين.

 

٧)  والرسالات والشرائع السماوية كلها كما أوضحنا سابقاً في أساسيتها واحدة تدعو للتوحيد وعبادة وطاعة الإله الواحد القهار فهدفها الأساسي واحد...فهل خدمة هذا الهدف الأساسي الأن تحقق أكثر إذا كان هناك وحدة بين الموحدين تحت ظل دين واحد ورسالة واحدة أم إذا كان هناك تشرذم للديانات السماوية التي هدفها كلها واحد وتعبد رب واحد...إن هذا التعدد والتشرذم لن يؤدي إلا إلی تطاحن هذه الديانات فيما بينها وهذا ما نراه الأن وتشتبت جهودها في هذا التناحر والتنافس وإستنقاذ الطاقات التي كان يمكن أن توجه كلها نحو نشر دعوة التوحيد والدعوة للرسالة الخاتمة لو توحدت هذا الديانات وجمعت تحت ظل الرسالة الإسلامية النهائية ، أي الحالين أفضل لنشر دعوة التوحيد وعبادة الله وحده...أيهما تظن أيها القارئ يرضی الإله الخالق...أديان متفرقة متناحرة تدعو له وبإسمه وتتقاتل مع بعضها في نفس الوقت أم دين واحد ورسالة واحدة تجمع الجميع وتوحد القوی وتجمع الطاقات من أجل تحقيق الهدف الأسمی.  إن العقل والمنطق هنا يقول أن وجود دين إلهي واحد ورسالة واحدة تجمع الجميع هو الأصلح والأنفع والأوقع...أما تعدد هذه الأديان فغير أنه يشتت الطاقات...فهو يؤدي إلی نتيجة عكسية تماماً...إنه يساعد علی إزدياد الكفر والإلحاد والخروج علی الأديان وهو أيضاً ما حدث ويحدث ويشاهد الأن لأن البشر عندما يرون هذا التطاحن والتشتت بين الأديان التي تدعوا لإله واحد يشجعهم هذا علی الكفران ويجعلهم يتسألون لما تتناحر وتتنافر هذه الأديان وهی التي تدعوا لعبادة وطاعة إله واحد لا بد وأنهم كاذبون أو بعضهم علی الأقل وهذا في حد ذاته يؤدي به إلی الإنصراف عن دعوة هذه الأديان والإتجاه إما إلی الكفر أو الشرك أو الإلحاد والوجودية والعلمانية وكل هذا يضاد تماماً كل ما تدعو إليه كل هذه الأديان الإلهية وتحاول منع حدوثه.

 

إذن فضاح الدعوة للإله الواحد منطقياً وعقلياً يقول بضرورة الأنضواء تحت دين واحد ورسالة خاتمة واحدة تكون نموذجاً للجميع وحضاً للبشر علی الإيمان بالله وعبادته وحدة وهو المطلوب لجميع الأديان وهذا هو ما يرضی الله وما أراد عمله عندما أنزل رسالة خاتمة واحدة وأمر جميع البشر وإتباع كافة الأديان السابقة بإتباعها وإلتزامها وقبولها والإيمان بها.

ومن هذا المنطلق تتضح منطقية وعقلانية بل وحتمية إتباع الرسالة الخاتمة والعمل بها والدخول فيها والدعوة لله من خلالها كما أراد وأمر وبطلان تعددية الأديان الذي هو ليس في صالح رسالتها الواحدة.  وهدفها المشترك...فلأمر هنا ليس متروكاً لحرية الإختيار بين الأديان بقدر ما هو محكوماً بصالح الهدف الأعلی والأسمی الذي الذي تسعی لتحقيقه وهو الدعوة لعبادة الإله الخالق الواحد...وليس الأمر هواية أو ألعاب رياضية تختار منها ما تشاء أو تترك ما تشاء أو نشاطات إجتماعية أو سياسية تدخل فيمن تشاء وتتجنب ما تشاء...إن الأمر غير ذلك تماماً من كافة النواحي شكلا ً وموضوعاً.

 

٨)  والإسلام هو الدين الخاتم والرسالة العامة النهائية...وقد جمعت بين طياتها كل ما نادی به الرسل علی تعددهم وإختلاف أماكنهم وأزمانهم وصدقتهم كلهم ودعت إلی حبهم والإيمان بهم جميعاً...وبالتالي وإذا كان هذا هو الحال فما الذي يحول الأن بين أتباع هؤلاء الرسل وبين الدخول والقبول بهذا الدين الخاتم والرسالة النهائية...إنهم لن يخسروا شيئاً ولن يفقدوا شئ بل علی العكس إنهم سيزدادوا ويعلوا...فما الذي سيخسره اليهودي إذا دخل الإسلام...هل هو يحب موسی ويؤمن به ولكن الدين الجديد يدعوه للكفر بموسی وبرسالته ويطالبه بعدائه ولعنه...لا...بل العكس  هو الصحيح.  فمكانة موسی في الإسلام هی أعلی حتی من مكانته عند اليهود لأن الإسلام الرسالة الخاتمة فبرئه من كثير مما قيل وتُقول عليه ورفعه في مكاناً وجيهاً عند الله.  فلو كنت تحب موسی حقاً فستجد نفسك في الإسلام وبالإسلام أكثر حباً وإحتراماً له.  هل هو يحب بعض النواحي أو العبادات في اليهودية وسيخسرها ويفقدها إذا دخل الإسلام...لا...بل العكس...فكل ما في اليهودية من محتوی وعبادات موجود في الإسلام بصورة متطورة أكثر وأيسر وهی من نفس إله موسی وموجهة له وستجد نفسك أيها اليهودي أكثر سعادة وإستمتاعاً بهذا المحتوی وتلك العبادات ولن تخسر شيئاً مطلقاً ولو واحداً من الشريعة التي أتی بها موسی ولا شأن لنا هنا بالطبع بما أدخله البعض من تحريفات وتبديلات وتشويهات فهذا لا يلزم الرسالة الخاتمة لأنه من وضع بشر وليس من وضع الإله الخالق العظيم ونفس الحديث ينطبق علی المسيحي.  فإن كنت تُحب عيسی وتقدسه فإنك ستكون في الإسلام أكثر حباً وإحتراماً له وستكون مطالباً بهذا ولكن علی ألا تجعله شريكاً لله في الإلهية فهذا شرك ولا تقول بأنه إبن الله فهذا يتعارض مع الصفات المنطقية لذات الإله ولا تقول بأنه لم يكن بشراً عادياً لأن جميع الأنبياء من قبله ومن بعده كانوا بشراً عاديين فلما يشذهوه ولا تقول بأنه لم يكن عبداً لله لأن العبودية لله شرف لجميع المخلوقات وكل خلق لله بلا إستثناء هو عبد طائع له...أما الإيمان والحب والإحترام والتقدير لعيسى فخذ منه كما شئت في الإسلام ولن يمنعك الدخول في الدين الجديد من هذا أبداً بل يحضنك عليه بالنسبة لعيسى وبالنسبة لجميع الأنبياء والرسل فبالله عليك أيها القارئ قل لي الأن ماذا سيخسر ويفقد أتباع الأديان الإلهية السابقة بدخولهم للإسلام وما يمنعهم من إعتناق الدين الجديد والرسالة الخاتمة اللهم إلا مصلحة معينة أو هوی متبع أو شهوة يخاف علی حرمانه منها...ولكن العابد الملتزم المخلص في هذه الأديان لن يخسر شيئاً ولكنه سيكتسب أشياء ويستمتع أكثر ويزداد...ولنضرب علی ذلك مثلا ً منطقياً بسيطاً...رجلا ً يحب أن يمارس السباحة في مكان مخصص لها ورجل يحب ممارسة رياضة التنس في مكان مخصص لها وثالث يحب ممارسة العاب القوی في مكان مخصص لها...فإذا أتيت ودعوت الرجال الثلاثة إلی مجمع رياض ضخم به حمامات سباحة كبيرة وجميلة ، وبه ملاعب تنس رائعة وبه صالات ضخمة لإلعاب القوی بها أجهزة حديثة ومتطورة...فماذا بالله عليك أيها المفكر سيخسر هؤلاء الرجال إن تركوا الأماكن القديمة التي يمارسوا فيها رياضتهم المفضلة وينتقلوا إلی ذلك الجمع الرياضي الكبير الجميل الحديث الذي سيوفر لهم كل ما يحبوه وأكثر ولن يحرمهم مما يحبوا ممارسته بل سيجعلهم يمارسوه براحة أكثر وجمال وإستمتاع أكثر ثم سيوفر لهم فرصة الإضطلاع علی العاب أخری جديدة ومفيدة لربما يعجبهم أن يستفيدوا من إحداها فعلی أی منطق إذن سيرفض هؤلاء الثلاثة الذهاب إلی المجمع الرياضي الكبير ويصرون في البقاء في أماكنهم الضيقة القديمة تلك؟  إن ذلك ليس منطقي ولا عقلي ولو فعلوه لإتهمناهم إما بالغباء أوالغفلة وعدم المنطقية...وإما بالتعصب الأعمی الذي لا يفيد شيئاً بل علی العكس يضر لأنه سيحرمهم من هذه الفرصة الكبيرة التي لن تخسرهم أو تفقدهم شيئاً يحبوه بل علی العكس ستزيدهم وتمتعهم وترتفع بهم ، فحتمية ومنطقية إتباع الرسالة الخاتمة الشاملة والدخول فيها والتزامها والعمل بها واضحة تماماً من هذه الناحية ولا خلاف عليها بين أي إنسان يستخدم عقله المجرد بطريقة منطقية فكرية سليمة.

 

 

 

ومن البنود السابقة كلها ١ إلی ٨ وبعد التفكر والتدبر والتأمل ، وبعد التدقيق والتمحيص وبإستخدام العقل المجرد والفكر السليم والمنطق الإنساني وبعيداً عن كل هوی أو مصلحة أو شهوة أو تعصب أعمی...نستطيع أن نستنتج الحقيقة الثابتة التالية التي لا يرقی إليها شك لأنها منطقية ولا تحتمل الظن أو التخمين:

 

 

الإستنتاج الثالث:

 

          طبيعة الرسالة الإسلامية وخصائصها ومميزاتها تدل فعلا ً وحقاً ومنطقياً وواقعياً علی أنها الرسالة الخاتمة الموجهة لكل البشر في كل زمان ومكان بلا تمييز ، ولا بد وضروري حتمياً ومنطقياً وعقلياً أن يؤمن بها كل إنسان وأن يدخل فيها ويدرسها ويقبلها ويتبعها ويعمل بها ويلتزمها ويطيعها ولا يحيد عنها...وهذه حقيقة واقعة ثابتة منطقياً وعقلياً وبديهاً يستحيل إنكارها أو إثبات عكسها لأن ذلك مخالف للمنطق والعقل والفكر الإنساني السليم.

 

          وبذا نستطيع أيها القارئ الباحث عن الحقيقة ، بعد الإقتناع الكامل المبني علی العقل المجرد والتفكر والتفكير الخالص والمنطقيات والمسلمات والبديهيات الإنسانية البشرية ، وبعد التجرد من كل هوی أو تعصب...نستطيع أن نشهد بعقولنا وإدراكاتنا وأذهاننا وبكامل قوانا الفكرية والتفكرية وبجهودنا الذاتية ، وبدون فرض من أحد أو إلزام من أحد وبعد أن ثبت لدينا بالبينة والحجة والقرينة وبالبرهان العقلي والمنطقي وحده ، وبعد أن وضحت أمامنا الحقيقة واضحة جلية...نستطيع أن نشهد ونحن مطمئنون ومرتاحون ومتأكدون من صدق ما سنشهد عليه ، ونقر وننطق ونعترف به...نستطيع أنا وأنت أيها القارئ المفكر المجرد النزيه المحب للحق وللحقيقة...أن نشهد ونقول بأنه (وهنا لا بد لك من الإغتسال الكامل أيها القارئ حتی تكون متطهراً ومستعداً لهذه الشهادة العظيمة أمام الخالق العظيم):

 

          ” لا إله إلا الله الخالق العظيم وحده لا شريك له...ليس كمثله شئ وله صفاته المطلقة لا يشاركه فيها أحد من خلقه وهو وحده المستحق للعبودية والطاعة المطلقة والحب المطلق والخشية والخشوع المطلق... وأن محمداً عبد الله ورسوله...النبي الخاتم وصاحب الرسالة الخاتمة النهائية العالمية الموجهة للبشر أجمعين في كل زمان ومكان...وأن رسالته ملزمة لنا وأننا نتقبلها وسندرسها ونتبعها ونعمل ونلتزم بها ونطيعها كما أمرنا الله وسنتعبد له من خلالها ونجعلها منهاج حياتنا والحاكم المسيطر في كل شهواتنا ونجعل لها الكلمة الأولی العليا علينا...طاعة لأمر الله إلينا...وأننا سنبلغها لكل إنسان في أي مكان وأی زمان وسندعو لها...وأننا أصبحنا ومنذ الأن مسلمين...ديننا الإسلام وحياتنا الإسلام ومنهجنا الإسلام وسنطيع كل ما أتی به الإسلام مما جاء به محمد رسول الإسلام من قرءان وسنة وأحكام ملزمات وأوامر ونواهي وتوجيهات ومحبوبات ومكروهات ، ومنجيات ومهلكات ونظم وتنظيمات وحكمة وقوانين وأخلاقيات...وبأننا رضينا بالإسلام ديناً وبمحمد نبياً ورسولا ً ، وبالقرءان كتاباً وإماماً...وأننا قد أسلمنا مع محمد ورسالته لله رب العالمين...والله علی نقول شهيد."

 

 

 

 

ولا يسعنا الأن سوی أن نهنئك مرة أخری أيها القارئ المفكر ، فلقد أصبحت ومنذ الأن من المسلمين لله ودخلت في دين الله الخاتم الذي صاغة وأحكمه وإرتضاه لك ، دخلت فيه  عن قناعة وعن بينة وعن إيمان عميق وصادق نابع من عقلك وقلبك معاً دون ضغط أو إكراه أو خداع أو تمويه...فلقد رأيت الحق حقاً وأثرت أن تكون إنساناً شريفاً صادقاً محباً للحق فاتبعت الحق الذي رأيته بصرف النظر عما سيجلبه لك ذلك من مشاكل أو صعاب من أعداء الحقيقة المتعصبون وأعداء الله في كل صورهم وأماكنهم...وتلك هی أعلی درجات الإنسانية فهنيأً لك أيها القارئ وأبشر بجنة عرضها كعرض السموات والأرض أعدت لإمثالك من محبي الحق والمضحين في سبيله وأبشر بالنجاة في يوم الحساب والمسألة...فإن سألك ربك عن دينك فستقول له الدين الذي إرتضاه هو لعباده فسيرضی عنك ومن يرضی عنه الإله في هذا اليوم العصيب الرهيب فقد فاز فوزاً عظيماً...فإستمر أيها القارئ المفكر في طريقك...مع عقلك وفكرك وهدی ربك والأن أيضاً مع قرأنك وسنة نبيك فستزداد نوراً الأن وستكون للحق أقرب وللحقيقة أبصر...فإستمر في نفس نهجك إن رأيت الحقيقة فاتبعها مهما كلفك ذلك ولا تتعصب ولا تستكبر ولا تعاند طالما وضع لك عقلياً ومنطقياً وفكرياً أنها الحقيقة وفي هذا نجاتك في دنياك وأخرتك والأن لكي تستوفي إيمانك ، وليكتمل دينك ، وليتم الله عليك نعمته ويرتضي منك إسلامك ديناً غير منقوص...هيا بنا سوياً إلی القضية الثالثة مستعينين أولا ً وأخراً بالله...وبنهج وهدی وسنة رسول الله ، وبالعقل والمنطق والفكر المجرد وهم من جنود الله...وهم من أجمل وأعظم وأروع نعم الله...فلنتوكل علی الله...ولنبدأ بإسم الله...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق