الجمعة، 9 نوفمبر 2012

الوجود الإلهي كيف تصل لله

الوجود الإلهي

 

المبحث الأول: حتمية ومنطقية وجود إله

 

السؤال المطروح:

                  

١)  لما لا بد مِن أن يكون هناك إله؟

٢)  وما هی حتمية وضرورة ذلك؟

٣)  وهل يتوافق هذا مع المنطق أم لا؟                  

 

 

البحث المنطقي للإجابة:

 

١)  إذا نظرنا في الفضاء الواسع الذي يحيط بأرضنا وما فيه من أفلاك ونجوم مرتبة بنظام دقيق وسليم في شكل شموس ملتهبة ، تسمی نجوماً تدور حولها كواكب سيارة أصغر في مدارات وحركة منتظمة منظمة تعكس أضواء هذه الشموس أو النجوم ، وحول الكواكب تدور أقمار أصغر في مدارات منتظمة ، يختلف عددها من كوكب إلی كوكب ، وهی الأخری تعكس أضواء الشموس أو النجوم التي هي عبارة عن كُتل ضخمة من نيران وحِمم مُلتهبة...وغازات وعناصر منصهرة ، وكل مجموعة من الشموس والكواكب والأقمار التي لها مجری معين ووصف معين تُسمی مجرة...وفي الكون والفضاء الواسع ملايين المجرات كلها تجري في إتجاهات منتظمة ومختلفة...وفي كل مجرة ملايين الشموس أو النجوم وحول كل نجم تدور كواكب وحول كل كوكب تدور أقمار...الكل يجري ويتحرك وفقاً لنفس القوانين الحركية الثابتة...القوانين الحركية الثابتة مثل قانون الطرد المركزي وقانون الجاذبية وقوانين نيوتن الخ... التي لو تغيرت للحظة لإختل هذا النظام الدقيق وإصطدم الجميع وتوقفت الحركة.  وفي كل لحظة تنطفئ شموس في مجرات مختلفة وتتحطم وتموت...وأيضاً في كل لحظة تولد شموس ونجوم جديدة...وبنفس القوانين الثابتة...تجذب حولها أجساماً وكتل كونية لتكون كواكب حولها وهذه بدورها وبنفس القوانين الثابتة تجذب حولها أجساماً وكتل أصغر لتكون أقمارً حول تلك الكواكب ، وهاكذا تتكون مجموعة شمسية أو نجمية جديدة...كل هذا يحدث حولك وأمام عينك...ملايين المرات في كل لحظة ولكنك لا تراه ، ولكن العلم الحديث كشف كل هذا وكشف عن هذه القوانين الثابتة وإستخدمها حتی في عمل أقمار صناعية تدورحول الأرض لفوائد مختلفة...

          فمِن هو الذي أوجد وصمم هذه القوانين الدقيقة؟  والأهم مَن هوالذي ثبتها وجعلها ثابتة لا تتغير؟  إن الإستفادة من هذه القوانين الحركية الثابتة التي فك أسرارها العلم الحديث...مجرد الإستفادة...إحتاج لإنسان عاقل حكيم ومدبر...ومجرد إرسال قمر صناعي ليدور حول الأرض بناء علی هذه القوانين إحتاج إلی المئات والمئات من العقول المدبرة الذكية وإلی حسابات وموازنات لا حصر لها...هذا لمجرد الإستفادة من القانون الكوني الثابت...أفلا يحتاج إنشاء القانون نفسه وإيجاده من عدم؟...وتثبيته في شكل لا يتغير ولا يتبدل في أي مكان في الكون والفضاء الواسع...أفلا يحتاج كل هذا لعاقل حكيم مدبر...أوجد هذه القوانين من عدم ونظمها وقام علی إستمراريتها في كل زمان ومكان؟  أليس هذا حتمياً ومنطقياً للعقل البشري الإنساني؟

          وهذه الحركة المنتظمة لملايين الأجرام السماوية...في شكل منتظم ورائع لا يمكن أن يكون عفوياً أو إعتباطياً لأنه قائم علی قوانين ثابتة إكتشفها الإنسان حديثاً.  هل يُمكن أن تكون بغير منظم وقائم علی حفظ هذا النظام وتثبيته...وإيجاد النظام أو القانون الطبيعي الكوني من عدم؟  عمل إعجازي رائع...ولكن الأروع والأعجز منه هو القيام علی حفظ وإستمرار وجود هذا القانون ونظاميته بدقة في كل زمان ومكان!  فهل يمكن...وهل يقبل عقل مفكر أو منطق سليم أن يُخلق القانون المنتظم من فراغ عشوائي أو من لا شئ؟  وإن قُبِل هذا بإفتراض الصدفة البحتة ، فهل يُقبل أن تقوم أيضاً الصدفة البحتة والفراغ العشوائي واللاشئ بالقيام علی إستمرارية القانون الكوني وثبوتيته ونظاميته ونظامية تطبيقه في كل زمان ومكان...وإن هی فعلت ذلك هل يصح أن يُطلق عليها بعد ذلك إسم صدفة بحتة...أو فراغ عشوائي أو لا شئ...فكيف توجد صدفة بحتة قانوناً دائماً منتظماً ودقيقاً...وكيف توجد عشوائية نظاماً رائعاً...وكيف يُوجد لا شئ كل هذا الشئ؟  هل هذا منطقي أو يوافق العقل والفكر السليم؟

          فمن أوجد هذا القانون المنتظم إذاً ومن القائم عليه وعلی إستمراريته ونظامه وتطبيقه إن إستُخدم ، لا بد وأن يكون خالقاً حكيماً ومدبراً وعظيماً وقوياً وقادراً وكبيراً ومهيمناً ودائماً ومحيطاً حتی يُمكنه أن يفعل ذلك...وهذا هو الإستنتاج العقلي البحت والسليم وهو أيضاً الموافق للمنطق الطبيعي المقبول لدی أي إنسان عاقل؟  ولنضرب مثالا ً بسيطاً للتقريب...إذا إفترضنا أن الإنسان جمع مثلا ً كل العناصر والمركبات والأدوات والأجهزة إلخ المطلوبة لعمل قمر صناعي ثم تركها وحدها في أرض فضاء ، دون أن يُجمّعها هو ، ويُطلقها ويُشرف علی إطلاقها وإستمرارها في عملها ، هل إن تركها وحدها هاكذا يمكن أن يتخيل عقل سليم ومنطق سليم أن تقوم هذه الأشياء بتجميع نفسها وتنظيم تركيبها وإطلاق نفسها بنفسها إلی الفضاء وإستمرارها في أداء عملها بذاتيتها المطلقة بعد ذلك...هل يمكن ذلك...هل يمكن أن تقوم الصدفة بذلك...إن حتی الإحتمالية في ذلك تتلاشی أمام العقل والمنطق السليم الذي يدبر الإنسان به شئون حياته إلی أقل من الصفر بكثير حتی تصل إلی درجة المستحيل...هذا في مجال مجرد المحاولة في الإستفادة من القوانين الكونية الطبيعية الثابتة والمنتظمة...لم نستطيع أن نستفيد بغير عقل وتدبير وإحكام وتنظيم من إنسان عاقل ومتطور وقادر وذكي ومحيط بالقوانين وإستعمالها إلخ...فما بالك من إنشائ هذه القوانين نفسها من العدم وإيجادها من لا شئ...والقيام بعد ذلك علی إستمراريتها وإستمرارية تطبيقها بقواعدها وشروطها...فالعقل يقول إذاً أنه إذا كانت الإستفادة من القانون إحتاجت للعقل الفاعل المدبر الحكيم الحازق المحيط , فمن باب أولی أن إيجاد القانون نفسه أساساً من عدم والقيام علی إستمراريته وثبوتيته يحتاج لحكيم أكبر وعاقل أعظم ومحيط أشمل وحاذق أبرع وخالق يستطيع أن يخلق من عدم.  وبغير وجود هذا الخالق بهذه الصفات...لَما كان هناك قانون ولما كان هناك إستمرارية له وثبات ، ولَما كان هناك إبداع للكون الكبير وتنظيم دقيق قائم علی هذه القوانين وتلك الإحداثيات...ولما كان هناك مجری لنجوم أو مجرات أو لمولد شموس أو إندثارات...ولولا وجود هذا القانون والقيام عليه لَما كانت هناك أفلاك أو مجرات...فالعقل والمنطق إذن يقول بأن الكون وتركيبه وعظمته وحركته يدل علی القانون الحركي والقيام عليه وعلی ثبوتيته ونظاميته...وهذا القانون ودقته وثبوته ونظاميته والقيام عليه يدل علی وجود من أنشئه وأوجده ومن يقوم علی حفظه ورعايته ، وهذا هو حكم  العقل والمنطق الإنساني السليم...بل هذه حتمية لا يمكن إنكارها أو التغاضي عنها أو مجادلتها ، اللهم إلا من غيرعاقل أو غير منطقي أو غير إنسان.

 

٢)  وإذا نظرنا إلی حياتنا الأرضية...لوجدناها كلها أيضاً محكومة بقوانين ثابتة في كل المجالات...هذه القوانين ينطبق عليها نفس ما ذكرناه في البند الأول...قوانين ثابته في الرياضيات والهندسة والطبيعة والكيمياء والميكانيكا والبيولوجيا والصيدلة...إلخ...وعندما حل الإنسان أسرار وطلاسم هذه القوانين وإستطاع أن يستفيد منها ، تطورت حياة الإنسان تطوراً كبيراً....وواهمٌ من يتصور أن العلوم الحديثة والتكنولوجية المتطورة التي يعيشها العالم الأن في كل المجالات هی من نتاج عقل وفكر الإنسان...لا...إن عقل الإنسان إستطاع فقط أن يكتشف القانون والقاعدة وأن يُطبقها ويستفيد منها...ولكن الفضل الأول والأساسي هو لمن خلق هذا القانون وتلك القاعدة من عدم...وأوجدها مِن لا شئ...ثم بعد ذلك قام علی ديموميتها وإستمرارية تطبيقها في كل زمان ومكان...فمن هو الذي فعل هذا؟  لا بد وأنه خالقٌ قدير وقوي ومسيطر... نعود لنقول أن مجرد الإستفادة من القانون إحتاج لإنسان عاقل حكيم ومدبر...فخلق القانون نفسه إذن وإستحداثه والقيام عليه أولی بأن يحتاج لخالق أعقل وأحكم وأشد تدبيراً وأحكم سيطرة من الإنسان...ولنضرب مثالاً...إذا كان إستعمال الكمبيوتر ومتعلقاته يحتاج إلی العاقل المدبر الدارس الحاذق ، فكيف يتصور العقل حال من إخترع الكمبيوتر وبرامجه؟  ألا يستنتج العقل أنه لا بد وأن يكون أكثر عقلا ً وأكثر تدبيراً وأكثر مهارةً وأكثر دراسةً؟  وفإذا إستخدمت الكهرباء مثلا ً في الإنارة أو التبريد أو التدفئة أو في مولدات الحركة فلتتذكر هذا الخالق الموجود العظيم الذي أوجد الكهرباء وأوجد قوانينها المختلفة التي بُنِيَت عليها ، وعلی أساسها الإكتشافات التي تلت كلها والتي إنعكست في صورة إستخدامات يومية نمارسها ونستمتع بها ولا ندري بالتحديد مَن وراءها ووراء إستمرارية القوانين الطبيعة التي تعمل بها...وإذا فتحتَ جهاز التلفزيون أو الراديو أو إستعملت جهاز اللاسلكي أو الراديو أو التليفون النقال أو الفيديو أو الشبكات الفضائية...فإنك تستخدم أجهزةً بُنِيَت علی قوانين دائمة وثابتة خاصة بالموجات الكهرومغناطيسية الموجودة بالهواء وكيفية بثها وإنتقالها وإلتقاطها وتحليلها ، وهذه الموجات موجودة  بقوانينها منذ أن وُجدت الأرض ، وكل ما فعله الإنسان أنه إكتشف هذه القوانين ثم إستفاد منها بعد أن عرف أسرارها وقواعدها...فالفضل الأول إذن في هذه المكتشفات وما ترتب عليها من أجهزة ، تراها وتستعملها كل يوم وكل ساعة ، هو لخالق هذه القوانين وموجدها من عدم...وهی في حد ذاتها دليل واضح علی وجوده...

          وإذا ركبت سيارة أو قطاراً أو طائرة أو صاروخاً أو سفينة...فكل هذه المستحدثات بُنِيَت علی قوانين تحويل الوَقود إلی طاقة ، والطاقة إلی حركة بطرق مختلفة...ولو لم تُوجد هذه القوانين ، ولو لم يكن لها ثبات وإستمرارية مكنّت الإنسان من التعامل معها...لما أمكن للعلماء والباحثين أن يستحدثوها ويصنعوها بناءً علی تلك القوانين التي هی موجودة مع الأرض منذ نشأتها...فالفضل الأول في هذه المستحدثات ووسائل الإنتقال هو لمن خلق هذه القوانين من عدم...وضَمن رسوخها وإستمراريتها...

          قوانين الطفو والحركة والضوء والسرعة والطاقة والقوة والقدرة والكهرباء والحرارة والحركة الموجيه وقوانين الطاقة الذرية والقوانين المائية وقوانين المُوصلات وقوانين المغناطيسية والإشعاعات النووية والجاذبية وقوانين الطرد المركزية وقوانين إنتقال الموجات الصوتية...وقوانين الحاسبات الألية...والقوانين الطبيعية التي تربط الكهرباء بالحرارة والكهرباء بالضوء والضوء بالحرارة والضوء بالسرعة والسرعة بالحركة والذرة بالطاقة والطاقة بالقدرة والكهرباء بالموجات الصوتية...والصوت والضوء بالموجات الكهرومغناطيسية...والقوانين الكيميائية والتفاعل بين الذرات والجزيئات للعناصر والمركبات...وقوانين الصفات لهذه العناصر والمركبات...وقوانين الصناعات وقوانين تحويل الخامات إلی منتجات: أجهزة وأوراق ومنسوجات ، ومركبات ومنازل وأثاثات ، وألعاب وتُحَف وكيماويات ، وطعام وشراب وكماليات...كل ذلك بقوانين ثابتة...وإسألوا العلماء...سيقولون لكم أنهم بنوا كل تلك المخترعات والمستحدثات ، علی الإستفادة من هذه القوانين وثبوتها في شتی المجالات.  فالفضل الأول في كل ما تراه حولك من مظاهر العلم الحديث أياً كانت وفي أي صورة...هی شاهد ناطق يتحدث ويدلك علی القانون الثابت الذي بُنِیَ عليه وخُلق منه...والقانون الثابت يدلك بلا شك علی مُوجد هذا القانون من عدم وعلی القائم علی إستمراريته والذي لا يمكن إلا أن يكون خالق عظيم بارع قادر قوی ومسيطر...لولاه لما كانت هذه المخترعات وهذه المستحدثات ولما كان لحياتنا علی الأرض أن تكون...لأن حياتنا علی الأرض كلها بقانون...فلو نظرت حولك وحكّمت عقلك ومنطقك...لأدركت أن وجود الخالق هو حتمية ومنطقية لا مفر منها ومن الإعتراف بها...لأن كل شئ في حياتك وحولك يشهد وينطق بها.

 

٣)  وإذا نظرت إلی نفسك...وإلی بدنك وأعضائك...وإلی الحياة في المخلوقات من حولك...حيوانات ونباتات وكائنات دقيقة...في الهواء والأرض والماء...لوجدت أيضاً أن كل شئ محكوم بقواعد وقوانين...وإسألوا علماء البيولوجي والفسيولوجي والتشريح والكيمياء الحيوية...قوانين للخلية ومكوّناتها...وقوانين أُزموزية...وقوانين للأحماض النورية والجينات الوراثية...وقوانين للمواد الغذائية داخل الخلية... وقوانين للحصول علی الطاقة وإستهلاكها وتخزينها...البناء بقوانين والهدم بقوانين ثم قوانين تحكم عمل الأنسجة والأعضاء المختلفة...كل عضو يؤدي وظيفته بناءاً علی قوانين...وعلاقة الأعضاء ببعضها محكومة بقوانين...كل شئ بقوانين محكومة ومنتظمة وثابتة ومقادير محددة...أجهزة الجسم المختلفة تؤدي عملها ووظيفتها طبقاً لقوانين.  التنفس وتبادل الغازات وحركة الرئتين بقوانين...الدورة الدموية وضغط الدم وإنقباض القلب بقوانين...تركيب الدم وإنتشاره بقوانين وتراكيز ثابتة...الأيض الغذائي بقوانين...هضم الغذاء بقوانين...إفراز البول والإخراج بقوانين...التناسل والحمل والولادة بقوانين...الحواس وعملها بقوانين...البصر والسمع والتذوق واللمس والشم بقوانين...حركة العضلات وما تحتاجه من طاقة بقوانين...الإشارات العصبية ومرورها وإنتقالها في الأعصاب بقوانين...الغدد الصماء وهورموناتها بقوانين...العرق وإفرازه بقوانين...المُخ وخلاياه والتفكير والإدراك والتنظيم بين الحركات...كل هذا بقوانين...الجلد والشعر والعظام والمفاصل بقوانين...في كل مجال وكل مكان من الجسد يعمل بقوانين وإرجعوا إلی العلماء في كل مجال يقولوا لكم إن كنتم لا تصدقون...ولما كشف الإنسان وعرف تلك القوانين المختلفة...نشأت وتطورت العلوم الحياتية وعُرفت كثيراً من الغوامض والأسرار...وإستفاد الإنسان وتطور الطب وعلومه بناء علی هذا أيما تطور...وإستطاع الإنسان لما عرف القوانين أن يستنبط المزروعات الجديدة ويُهجن ويُلقح الشتلات ويستزرع الأسماك ويستزيد من السلالات المنتجة من الحيوانات...وأن يلقح حيواناً منوياً وبويضة في أنابيب إختبار ثم يعيد الزيجوت إلی الأرحام...وإستطاع أن يعرف نوع الجنين وهو بعد في الرحم وصفاته الوارثية وما قد يصاب به من أمراض...ثم ها هو يريد أن يهندس ويتحكم في الجينات...وإستطاع أن يجری الجراحات البسيطة والمعقدة وأن يبتكر العلاجات المختلفة ووسائل التشخيص..لأن حتی الأمراض هی بقوانين ثابتة والعقارات والأدوية أيضاً بقوانين وجرعات ثابتة...ولذا إزدهر الطب لما كشف الإنسان بعض هذه القوانين وإستطاع أن يستحدث أنواع التحليلات والفصوحات والعلاجات...كل هذا بناء علی هذه القوانين الثابتة...ولو لم تكن هذه القوانين والنظام الثابتة...لإستحال تماماً وجود  مثل هذا التقدم والتطور...ولإستحال أن يؤدي الجسم وظيفته ، أو يؤدي أي جهاز فيه أو أي عضو وظيفتة ، أو أن توجد خليه أو أن يُؤدي أي وظيفة...إن علوماً وتخصصات طبيّة وبيولوجية مختلفة قامت علی وجود ونظامية وإستمرارية هذه القوانين...فالفضل إذن في كل هذا لمن؟! إنه بالعقل والمنطق لِمَن أوجد وإستحدث هذا القانون من العدم والذي يقوم علی إستمراره وإستمرار نظاميته...ولو لم يُوجد خالق القانون لَما وُجِد القانون ولَما وُجد بالتالي كل ما ترتب علی وجود هذا القانون...إن هذا هو حكم العقل والمنطق الإنساني الذي بعد فحص وتأمل لا يستطيع إلا أن يُقّر بحتمية وضرورة وجود هذا الخالق الحكيم المدبر العاقل القادر المسيطر والمهيمن والدائم الذي خلق كل هذه القوانين الحياتية لكافة المخلوقات الحية...التي هی حية بفضل وجود هذه القوانين المنتظمة والثابتة ولولاها لما كانت حية...فالحياة إذن تدل علی القوانين ، والقوانين تدل علی موجدها وخالقها ومنشأها والقائم علی إستمراريتها...فأنت نفسك وجسدك وحياتك والحياة في كافة صورها من حولك تشهد وتنطق علی حتمية وضروره ومنطقية وجود خالق ومؤسس للقوانين الحياتية.

          ونحن هنا لم نذكر أو نخوض في كيفية خلق الأجساد والخلايا الحية ذاتها من عدم وهذا يُعتبر في حد ذاته دليلا ً واضحاً لا يستطيع العقل أن يفِر منه ولكنا تجنبناه لكثرة ما تُحدث فيه حتی أن العقول تعودت عليه وعلی المجادلة والتشكيك فيه...تارة دفعاً بنظرية الصدفة والطبيعة الأم التي أنشأت من عدم...وتارة بنظرية النشوء والإرتقاء التي أدت إلی تطور الخلية لتصبح إنساناً عاقلا ً مروراً بمراحل وإرتقائات حيوانية مختلفة...وهذه الدُفوعات في أصلها واهية ولا يقبلها العقل السليم والمنطق لأنها تكاد تصل إلی المستحيل في الإحتمالية...ثم إن إحداث التطور والإرتقاء في حد ذاته يحتاج إلی مُحدث وطاقة وقوة وهذه القوة وهذا المُحدث لا بد وأن يكون عاقلا ً مدبراً وإلا فلِما يحدث الإرتقاء دائماً إلی الأفضل والأكمل حسب النظرية ولا يحدث في الإتجاه المعاكس...إذن حتی هذه النظرية في حد ذاتها (إذا ثبت صحته) هى دليلا ً علی وجود الخالق المُحدث العاقل الحكيم القوی...وشكراً لمن قال بهذه النظرية فقد أعطانا دليلا ً جديداً لعقولنا في عملية بحثها عن الحقيقة يُشير إلی حتمية وجود الخالق ومنطقية ذلك...والفضل في ظهور هذا الدليل هو للعلم الحديث وللعلماء الذين إكتشفوا القوانين ودرسوها ووضحوها وبينوها وإستفادوا منها في كافة المجالات والتخصصات...ومرة أخری نقول للتذكير...إذا كانت الإستفادة من القوانين...مجرد الإستفادة...إحتاجت للعلماء الأذكياء والإمكانيات الضخمة والمعامل والأموال...أفلا يحتاج إستحداث القانون نفسه من العدم والقيام عليه إلی خالق عالم وعليم وعاقل ومدبر وحكيم وقوی ومهيمن ومسيطر ومحيط ودائم...وكون هذه القوانين كاملة وتامة يدل علی أن خالقها ومُنشأها هو كاملا ً وتاماً وغير ناقص في أي وجه من الأوجه...ولو كان ناقصاً لظهر نقصه في قوانين مخلوقاته.

 

٤)  وإذا نظرت إلی الظواهر الطبيعية من حولك لوجدتها كلها أيضاً تقوم وتظهر بناء علی قوانين وقواعد ثابتة لا تتغير...تعاقب الليل والنهار...تعاقب الفصول الأربعة...الخسوف والكسوف...والزلازل والبراكين...العواصف والأعاصير...الصواعق والبرق والرعود...الأمطار والثلوج...كل تلك الظواهر وغيرها محكومة بقوانين...عندما عرفها الإنسان إستطاع أن يستغلها وأن يتنبأ بالزلازل ويرسم لها الخرائط ويضع لها التفسيرات ، ويعرف متی ستثور البراكين وأين ومتی ستقع الأعاصير والعواصف ويتوقع كميات الأمطار التي ستهبط وهل ستكون مياة أم ثلوج...وإستطاع أن يحدد مواعيد الخسوف والكسوف المتوقع وأن يحدد أوائل وأواخر الفصول وأن يحدد المواقيت بدقة في بقاع الأرض المختلفة بعد أن كشف وعرف القوانين والقواعد الثابتة...كل هذه الظواهر تدل علی القوانين وثبوتها...والقوانين ورسوخها ونظامها يدل علی خالقها وواضعها ومحدثها...وإذا إستفاد من القانون العاقل والمدرك..فمنطقيٍ إذن أن صانع القانون وواضعه هو أكثر عقلا ً وإدراكاً وفهماً وإحاطة وقوة وعظمة ومقدرة وحكمةً...وهذه الظواهر بقوانينها الواضحة تدل دلالة قاطعة وواضحه وحتمية علی وجود خالقها وصانع قوانينها وحافظها والقائم عليها.

 

٥)  وإذا نظرت إلی الذرة وتركيبها ومحتوياتها...والقوانين الثابتة التي تحكمها وتحكم تفاعلاتها والتي عندما عرفها الإنسان وإستغلها إستطاع أن يصنع عناصر جديدة ويصنع نظائر مُشعة ، وأن يستخرج ما فيها من طاقة مفيدة ومُدمرة ، وأن يستفيد من خواصها وخواص مكوناتها الطبيعية والكيميائية في صناعات مدنية وحربية ودوائية وعلاجية...والذرة التي تتكوَن من نواه عليها شُحنة كهربائية موجبه وهی صغيرة جداً ولكن فيها كل ثقل الذرة ويدور حولها إلكترونات تحمل شحنات سالبة في مدارات مختلفة وبأعداد مختلفة في كل مدار...وهذا النظام يشبه النظام الشمسي في الكون والمجرات إلی حدٍ كبير ويكاد يماثله ومحكوم تقريباً بكثير من قوانينه الحركية...أفلا يستنتج العقل السليم...والمنطق الحكيم...أن خالق الكون الكبير بكامله هو نفسه خالق أصغر المكونات في الكون...أليس في هذا لفتة إعجازية واضحة من الخالق العظيم...وإلا لو كانت الصدفة والطبيعة هی التي خلقت أو اللاشئ ، فهل تعمدت الصدفة والطبيعة أن يكون الكون بكامله بنفس نظام أصغر مكون فيه وهو الذرة...وإذا فعلت ذلك هل يمكن بعدها أن تُسمی صدفة وعشوائية طبيعية ولاشئ ، وهی قد أوجدت تشابهاً يستحيل أن يأتي عن طريق الصدفة المجردة ، وأوجدت نظاماً يتنافی مع العشوائية؟  إن هذا لا يمكن أن يقبله العقل...والمقبول والمنطقي أن هناك خالقاً أراد بهذا التشابه والتناسق أن نعرفه به ، وأن نستدل علی وجوده به ، حتی وإن كنا لا نستطيع أن نراه لعظمته وقوته وكبره...ثم ومرة أُخری هذه القوانين الثابتة التي تقوم عليها علاقات النواة مع الإلكترونات والبروتونات مع النيوترونات والبوزترونات والتي تنظم عمل الإشعاعات وتوزيع الطاقة والشحنات...كل هذه القوانين الثابتة التي عندما إكتشفها الإنسان كما ذكرنا إستطاع أن يستغلها في كافة المجالات...ألا تدل هذه القوانين وثباتها علی خالقها وموجدها وحافظها ومثبتها؟

 

  ٦)  إن القوانين والقواعد والثوابت التي يقوم عليها الكون وكل ما فيه والحياة وكل ما تحتويه هی نظام وترتيب ثابت...والنظام والترتيب لا يمكن إلا أن يتأتی من فاعل عاقل ، حكيم  وقادر ، وقوی ومسيطر...وهذا هو حكم العقل والمنطق.

          وإذا إفترضنا أن الكَون وأجرامه وكل شئ فيه والحياة وما تحتويها هی من صنع الطبيعة أو الصدفة أو العشوائية أو اللاشئ وقبلنا به...فهل يُمكن للطبيعة والصدفة والعشوائية واللاشئ أن تصنع قوانين ونظم مرتبة وثابتة ، وأن تقوم بعد ذلك علی حفظ هذه القوانين وثباتها وعدم تغيرها...إن هذا لا يمكن ويستحيل عقلا ً لأن الصدفة والعشوائية واللاشئ هی عكس النظام والترتيب والدوام والشئ...فهل يمكن أن يخلق شئ عكسه أو ضده؟  وإن فعل ذلك هل يُمكن أن يكون غير عاقل كما هی الصدفة والعشوائية...وهل رأی العقل البشري أي نظير لمثل هذه المستحيلات العقلية حتی يستطيع أن يستند عليه ويحكم بجوازها؟

 

٧)  وأهم من ذلك فخلق الإنسان نفسه...والإنسان عاقل وحكيم ومدبر...فكيف تخلقه الصدفة والعشوائية وهی غير عاقلة وغير حكيمة وليست مدبرة...والمنطق يقول بأن "فاقد الشئ لا يُعطيه"...فكيف إذن يُعطي الغير عاقل والغير حكيم والغير مدبر؟  كيف يُعطي العقل والحكمة والتدبير للإنسان؟  إن العقل والمنطق يرفض هذا...والمقبول والمنطقي أن من خلق الإنسان وأعطاه العقل والحكمة والتدبير لا بد وأن يكون أعقل وأحكم وأكثر تدبيراً من الإنسان نفسه حتی يستطيع أن يعطيه ما أعطاه له من عقل وحكمه وتدبر...فحتمية وجود هذا الخالق العاقل الحكيم المدبر يفرضها العقل والمنطق والتفكير السليم.

 

 

          ومن البنود السابقة ١ إلی ٧ ، نستطيع بعد التفكر والتمحيص والتعقل والتدبير وبعد إستخدام العقل المجرد والمنطق المتعارف عليه بين البشر ، نستطيع بكل سهولة وراحة وإطمئنان أن نستخلص ونستنتج ونؤكد بلا شك أو ريب ، وبكل يقين وبدون ظنون ما يلي:

                  

         

الإستنتاج الأول:

 

          لا بد وأن هناك إله خالقُ عاقل وحكيم وقادر وقوی ومحيط ودائم ومسيطر وكامل لا نقص فيه ، وهذا الوجود حتمي وضروري ويتوافق تماماً مع العقل والمنطق ، وهذا الوجود مؤكد يقيني لا يرقی إليه أي شك من أي نوع ، ولذی فهو حقيقة واقعة ثابتة يستحيل إنكارها أو إثبات عكسها عقلياً ومنطقياً وواقعياً.

  و اذا اردت ان تقرأ بتفصيل اكثر مدي الاعجاز في الكون و الخليه و في نفسك
اليك هذه السلسله
سلسلة نسف و محاكمة الصدفه

http://antishobhat.blogspot.com/p/blog-page_13.html

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق