كيف اصبح الصوت سببا للموت (فَأَخَذَتْهُمْ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ)
سوف
نعيش في رحاب آية عظيمة تحوي إعجازاً مذهلاً وآيات أخرى أيضاً وصف الله
لنا بدقة حقائق علمية لا يزال العلماء حتى اليوم يحتارون في تفسيرها، يقول
تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ
فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ
نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ) [الزمر: 68].
والسؤال:
ما هي حقيقة النفخ في الصور؟ وما هو تأثير الصوت على الإنسان، وما علاقة
الصاعقة بالنفخ في الصور؟ وهل تحوي هذه الآية وغيرها من الآيات حقائق علمية
عن تأثير الصوت العالي على الإنسان؟ وهل وصف الله لنا بدقة ما يسميه
العلماء اليوم بالأسلحة الصوتية؟ هذا ما سنتناوله في فقرات هذا البحث إن
شاء الله.
ما هو الصوت؟
الصوت
هو عبارة عن اهتزازات ميكانيكية تنتقل في الهواء على شكل موجات صوتية،
وتؤثر على طبلة الأذن فتجعلها تهتز وتنقل هذه الذبذبات إلى الدماغ ليحللها
ويصدر أوامره للجسم. ويؤثر الصوت على الإنسان بشكل كبير وبخاصة إذا كانت
قوة الصوت عالية ويؤدي إلى اضطرابات فيزيولوجية ونفسية عديدة تظهر على نظام
عمل الجسم.
إن المجال الصوتي الذي نسمعه يتراوح بين 20 هرتز و 20000 هرتز، والترددات التي تقل عن 20 تعتبر موجات تحت صوتية infrasound ، والترددات التي تزيد على 20000 تعتبر ترددات فوق صوتية ultrasound.
تقاس قوة الصوت بواحدة قياس تدعى الدسبيل dB فعندما تصل قوة الصوت إلى 120 ديسيبل تتعرض الأذن لآلام واضحة، وعند 140
ديسبيل تنفجر طبلة الأذن، وعند 150 ديسيبل يبدأ القفص الصدري بالاهتزاز
ويتعرض الإنسان للغثيان والسعال الحاد وضيق شديد في التنفس، وعند 200
ديسيبل تنفجر الرئتين، ثم أكثر من ذلك تتأذى كل أنحاء الجسم وتنتهي
باضطرابات في عمل القلب والدماغ وتكون النتيجة هي الموت.
وعندما
يتعرض الإنسان لترددات صوتية عالية فوق سمعية فإن درجة حرارة جسده ترتفع
ثم يبدأ بالاحتراق، بسبب موجات الضغط العالية التي تسخن الهواء من حوله.
وعندما تكون الترددات عالية والصوت شديداً فإن هذا الصوت سيولد فقاعات في
الجسم وجروح دقيقة ويبدأ النسيج العضلي بالتمزق ويصبح الإنسان غثاء كغثاء
السيل.
والصوت
يؤثر ليس على الأذن فحسب بل إنه يؤثر على العظام والجلد وتجاويف الجسم،
وكذلك على النظام العصبي لدى الإنسان، ويقول العلماء إن التأثيرات الحقيقية
للأصوات الشديدة لا تزال مجهولة حتى الآن.
إن سرعة الصوت عند مستوى سطح البحر هي 1223 كيلو
متر في الساعة، وهذا يعني بأن الطائرة عندما تتجاوز هذه السرعة فإنها
تخترق ما يسمى بجدار الصوت وتتشكل خلفها موجات اهتزازية عنيفة تسبب تكاثف
جزيئات البخار وتشكيل غيمة مؤقتة.
صورة
من وكالة ناسا لطائرة حربية تسير بسرعة أكبر من سرعة الصوت، أي أنها تسبق
صوتها، وهذه الطائرة تضغط أمامها الهواء بشدة ونتيجة لذلك تتكاثف جزيئات
بخار الماء وتشكل ما يشبه الغيمة، هذه الصورة التقطت في اللحظة التي بدأت
الطائرة فيها تخترق سرعة الصوت. المصدر www.nasa.gov
إذن
عندما تسير الطائرة بسرعة أعلى من سرعة الصوت فإنها تضغط الأمواج الصوتية
أمامها ثم تسبقها وتخلف وراءها دوياً عالياً، وهنا يمكن أن نعتبر أن الصوت
يسبب الاهتزازات العنيفة.
الأسلحة الصوتية
وهي
من أغرب أنواع الأسلحة التي فكر بها العلماء حديثاً، فهناك العديد من
المحاولات لاختراع سلاح يمكن أن يستعمل الصوت بدلاً من الطلقات، هذا السلاح
يصدر ترددات صوتية ذات كثافة عالية مما يؤدي إلى إخافة العدو والسيطرة
عليه.
ويحاول
بعض الباحثين تصميم أسلحة صوتية فعالة ولكن هناك صعوبات كثيرة من الصعب
التغلب عليها وهي شكل الجهاز أو الأداة التي ستبث هذه الأصوات القوية
والمدمرة. ولكن كما يقول بعض الباحثين إن أفضل وسيلة هي البوق الحلزوني
الذي يشبه شكل القَرْن. إذن الأسلحة الصوتية تعتبر وسيلة حديثة وفعالة ولكن
لم يتم اكتشافها بشكل كامل بعد.
والعجيب
عزيزي القارئ أن الله تعالى حدثنا عن مثل هذا السلاح وكيف أن الله استخدمه
ليعذب به قوم ثمود، حيث أرسل لهم الله نبياً اسمه صالح وأيده بمعجزة هي
الناقة التي تشرب كمية من الماء ثم تسقي كل أفراد القبيلة، فطغوا وعقروا
الناقة واستهزؤوا بصالح عليه السلام ورسالته، فأرسل الله عليهم صوتاً
شديداً على شكل صاعقة فأهلكهم على الفور.
الصوت والصاعقة
إن
الترددات الصوتية العالية تسبب انضغاطاً عنيفاً للهواء في مناطق محددة
وتمدداً مفاجئاً في مناطق أخرى، وإذا كانت الترددات عالية جداً سببت موجات
ضغط متقاربة تجعل جزيئات الهواء تحتك ببعضها بعنف مما يولد كمية كبيرة من
الحرارة.
ولذلك
فإن ما يحدث أثناء صاعقة البرق هو العكس، حيث يتمدد الهواء فجأة بسبب
الارتفاع الكبير في درجة حرارة شعاع البرق (30 ألف درجة مئوية وهذه الدرجة
تساوي خمسة أضعاف حرارة سطح الشمس!) وهذا يسبب موجات ضغط تصلنا على شكل صوت
للرعد.
ولذلك
هناك علاقة عكسية بين الصوت والصعق أو الحرارة الزائدة المفاجئة، ومن
الممتع أن نذكر بأن أحد الباحثين اليوم يحاول الاستفادة من الحرارة في
توليد الكهرباء، حيث يقوم بتحويل هذه الحرارة الناتجة عن احتراق الوقود
مثلاً إلى صوت ومن ثم يحول الأمواج الصوتية إلى كهرباء.
ولذلك قال تعالى: (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ) [هود: 67]. وقال أيضاً: (وَأَمَّا
ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى
فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)
[فصلت: 17]. نلاحظ أن الله تعالى ذكر الصيحة مرة، والصاعقة مرة، لأن
الترددات الصوتية إذا كانت قوية بما فيه الكفاية تسبب الصاعقة التي تحرق أي
شيء تصادفه.
القوة التدميرية للصوت
كذلك تحدث القرآن عن القوة التدميرية للصوت، وذلك في عذاب قبيلة ثمود، قال تعالى: (فَانْظُرْ
كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ
أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي
ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [النمل: 51-52]. إذن الصوت
كان سبباً في تدمير هؤلاء الطغاة، وهذا ما يقوله العلم اليوم، حيث يؤكد
الباحثون في هذا المجال أن الترددات الصوتية عند قوة معينة تكون مدمرة
وتفتت أي شيء تصادفه حتى الصخور!
ولذلك قال تعالى عن عذاب ثمود: (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ) [القمر: 31]. وهشيم المحتظر هو المرعى اليابس والمحترق والشوك، كما في تفسير ابن كثير. وقال أيضاً: (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [المؤمنون: 41]. والغثاء كما في القاموس المحيط: هو البالي من ورق الشجر المخالط زبد السيل.
والسؤال
هنا لكل من يدّعي أن القرآن من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم: كيف علم
هذا النبي الأمي بأن الصوت يمكن أن يدمر أي شيء ويفتت الأشياء ويحولها إلى
غثاء وإلى هشيم، وأن الصوت يمكن أن يحرق أي شيء؟ الجواب هو أن الذي علم
محمداً هو الله تبارك وتعالى.
تسلسل تأثير الصوت
ومن
الأشياء الرائعة في هذه المعجزة أنها تصف لنا بدقة مذهلة ما يراه هؤلاء
الكفار أثناء تعذيبهم، فالأذن هي العضو الأكثر تأثراً بالترددات الصوتية
القوية، ثم تتأثر الرئتين والقلب والدماغ وأخيراً تتأثر العين، ولذلك فإن
المعذَّب بالصوت يرى نفسه وهو ينهار شيئاً فشيئاً، وهذا ما حدث مع قبيلة
ثمود، حيث أصابتهم الصاعقة وهم ينظرون، ولذلك قال تعالى: (وَفِي
ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (43) فَعَتَوْا عَنْ
أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (44)
فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ) [ الذاريات: 43-45].
الصوت والاهتزاز
إن
هذه الصاعقة ما هي إلا ترددات صوتية اهتزازية شديدة، ويقول العلماء إن
الإنسان إذا تعرض لترددات صوتية عنيفة فإن جسده يبدأ بالاهتزاز والرجفان،
ولذلك فقد حدثنا القرآن عن "الرجفة" التي أصابت هؤلاء القوم، قال تعالى عن
عذاب ثمود: (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ) [الأعراف: 78].
تناقض أم إعجاز؟!
وهنا
نلاحظ أنه لا تناقض في القرآن بل إعجاز وإحكام. فقد يدعي بعض المشككين أن
القرآن يناقض بعضه بعضاً، وهذا أسلوب لجأ إليه بعض أعداء الإسلام لتشكيك
المسلمين بكتاب ربهم، وهو أن يصوروا القرآن على أنه متناقض وأن فيه
اختلافات كثيرة. ولكن الله تعالى أكد لنا مسبقاً أن هذا القرآن لا يحوي أي
اختلاف أو تناقض: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) [النساء: 82].
فقد
يقولون إن القرآن وصف عذاب قبيلة ثمود مرة بالصيحة ومرة بالرجفة ومرة
بالصاعقة ومرة بالهشيم، فأين التوافق في هذه الكلمات مع أنها مختلفة من حيث
المعنى؟ ونقول نعم إن الله تعالى وصف عذاب قبيلة ثمود بأوصاف مختلفة ولكن
العلم الحديث كشف عن الآثار التدميرية للصوت القوي، ورتب لنا هذه النتائج
والآثار بترتيب يتناسب مع الحدث كما يلي:
1- الصوت (أي الصيحة) يسبب الاهتزاز والرجفان وهذا ما عبر عنه القرآن بقوله تعالى: (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ)،
وذلك لأن الصوت هو عبارة عن أمواج اهتزازية، وعندما يتعرض الإنسان لصوت
قوي جداً بشدة أكثر من 200 ديسيبل يبدأ الجسم بالاهتزاز والرجفان بسبب
الأمواج الاهتزازية العنيفة.
2- الصوت القوي يسبب الصعق والحرائق وهذا ما عبر عنه القرآن بكلمة (الصاعقة) يقول تعالى: (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ)،
لأن الترددات العالية والشديدة تجعل الهواء يتمدد بشكل مفاجئ وينضغط بشدة،
وهذا يؤدي إلى رفع درجة حرارة الهواء إلى آلاف الدرجات المئوية، فيكون
الصوت مترافقاً بالحرارة العالية وهذه هي الصاعقة.
3-
إن الأصوات القوية (أكثر من 200 ديسبل) تؤدي إلى تمزق الجلد وانفجار الأذن
والرئتين، ثم إذا زادت شدة الصوت فإنه يمزق أنسجة الجسم ويفتتها إلى قطع
صغيرة محروقة تشبه الهشيم الذي تخلفه حرائق الغابات، وهذا ما وصفه الله
تعالى بقوله: (فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ). وكذلك فإن الصوت القوي جداً يحول الأشياء إلى ما يشبه الغثاء وهو بقايا السيل، وهذا ما وصفه القرآن بعبارة: (فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً).
من
هنا نستنتج أنه لا تناقض في القرآن بل إن وجود كلمات متعددة لوصف آثار هذه
الصيحة هو وصف للمراحل التي مر بها هؤلاء القوم قبل أن يموتوا. وسبحان
الله! سؤال خطر ببالي: لماذا أهلك الله قوم سيدنا صالح بهذا الشكل المرعب؟
إن
الحكمة –والله أعلم- أنهم لم يسمعوا نداء الحق، وأعرضوا واستحبّوا العمى
على الهدى، فأنكروا تعاليم نبيهم صالح، ولم يستمعوا إلى صوت الحق، فكان
عذابهم بصوت الصاعقة، يقول تعالى: (وَأَمَّا
ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى
فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [فصلت: 17].
هذا في الدنيا فماذا عن الآخرة؟
النفخة الأولى
وهي
النفخة التي تنتهي بها الحياة ويمكن أن نسميها نفخة الموت، إذ أن الله
تعالى يأمر إسرافيل فينفخ في الصور نفخة قوية تكون سبباً في هلاك جميع
المخلوقات بما فيها الكائنات التي تعيش على كواكب أخرى خارج الأرض، لأن
الله تعالى يقول: (فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) أي أن هناك مخلوقات أخرى تنتشر في الفضاء الخارجي سوف تتأثر بهذا الصوت وتُصعق.
وكما
ذكرنا هناك علاقة بين الصوت والصعق، لأن الصوت المرتفع جداً يملك قوة
تدميرية ويمكن أن يحرق أكثر من النار نفسها! والعلماء حتى اليوم يحاولون
الحصول على صوت يكون له أثر تدميري ولكن تجاربهم لا تزال محدودة، لأن
المشكلة في تصميم الجهاز الذي يصدر هذا الصوت، وعلى كل حال يؤكدون أن أقوى
أنواع الأصوات وأشدها أثراً هو الصوت الذي نحصل عليه نتيجة النفخ في بوق
يشبه القرن!
وسبحان
الله! يقول الباحثون في هذا المجال إن أفضل طريقة لتوليد أخطر أنواع
الذبذبات الصوتية الفعالة والشديدة، هي أن نولد الصوت من خلال ما يشبه
البوق على شكل حلزون هوائي، وهو جهازا يشبه القرن، لأن هذه الطريقة ستولد
الموجات الصوتية ذات الترددات تحت الصوتية infrasound والتي تعتبر الأخطر على الإنسان والحيوان والجماد.
وهذا القرن الذي وجده العلماء أكثر كفاءة لإنتاج الأصوات القاتلة، هو ما حدثنا عنه الله تعالى بقوله: (وَنُفِخَ
فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ
إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ
قِيَامٌ يَنْظُرُونَ) [الزمر: 68]. حيث قال ابن كثير في تفسيره:
والصحيح أن المراد بالصور القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل عليه السلام، ولذلك
عندما سأل الإعرابي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الصور؟ قال عليه
الصلاة والسلام: (قَرْن يُنفخ فيه) [رواه الإمام أحمد].
وهذه
معجزة نبوية في علم الصوت، حيث حدد لنا القرآن أن أقوى أنواع الأصوات هي
تلك الناتجة عن النفخ في الصور، وفسر لنا الرسول الأعظم عليه الصلاة
والسلام أن الصور هو قرن يُنفخ فيه، وهذا ما وصل إليه العلماء بعد تجارب
طويلة!
النفخة الثانية
وهي
نفخة الحياة، حيث يأمر الله إسرافيل فينفخ في الصور فتكون هذه النفخة
سبباً في إحياء جميع الخلائق، وقيامهم من تحت الأرض, يقول تعالى: (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ)، وهنا قد يتساءل البعض عن سر هذه النفخة وكيف يكون الصوت سبباً في الحياة!
للصوت
تأثيرات كثيرة، فقد أثبتت الأبحاث الحديثة أن كل شيء في الكون له تردده
الخاص به، ويسمى الرنين الطبيعي، فعندما نعرض هذا الجسم لتردد صوتي محدد
يساوي الرنين الطبيعي لهذا الجسم فإنه يبدأ بالاهتزاز والتجاوب. ولذلك فإن
الترددات الصوتية إذا كانت ذات مجال ترددي واسع سوف تستجيب لها كل
الموجودات على الأرض (الجماد والإنسان والحيوان).
وإذا
علمنا أن للصوت تأثيرات على الخلايا الحية، فالخلية تصدر ترددات صوتية
وتتأثر بالترددات الصوتية، والترددات الصوتية تؤثر على نشاط الخلايا فتكون
سبباً في شفائها وهذه هي فكرة العلاج بالقرآن. كذلك للصوت قدرات عجيبة على
تدمير الخلايا السرطانية، وبنفس الوقت يمكن للذبذبات الصوتية أن تطيل عمر
الخلية وتنشطها وتجعلها أكثر حيوية.
اكتشف
بعض الباحثين مثل الفرنسي فابيان، أن للصوت قدرة على تفجير الخلايا
السرطانية، وبنفس الوقت قدرة على تنشيط الخلايا وإعادة الحيوية والطاقة
لها، ولذلك يمكن اعتبار أن بعض الترددات الصوتية يمكنها التأثير على
الأمراض المستعصية وشفائها، وهذا هو العلاج بالقرآن الكريم.
إن
الله تعالى هو أعلم بهذه النفخة وهو الذي يختار الترددات المناسبة لتكون
سبباً في إيقاظ الخلايا الميتة وذلك -والله أعلم- من خلال تنشيط الشريط
الوراثي المسمى DNA
هذا الشريط يوجد فيه سر الحياة ويوجد في أعماق كل خلية حية، ويحمل صفاته
الوراثية ويتحكم بمسيرة حياة الخلية، فالله تعالى هو خالق الخلايا وهو أعلم
بما يحييها....
وقد
وجد العلماء أن هذا الشريط يبث ذبذبات صوتية خفيفة جداً تمكنوا من سماعها
بالأجهزة الحساسة، ولذلك فهو يتأثر بالذبذبات الصوتية، وقد يكون للصوت
أثراً في تنشيط DNA وإعادة الحياة له، ومن ثم إعادة إحياء خلايا الجسم، وبخاصة إذا علمنا أن DNA يمكنه البقاء لمئات الآلاف من السنوات ولا يتأثر بدرجات الحرارة مهما كانت عالية ولا يتأثر بالظروف المحيطة.
هذا هو الشريط الوراثي DNA هذا
الشريط يبقى لمئات الآلاف من السنين بعد موت الإنسان، ويقول العلماء إن
هذا الشريط يكمن فيه سر الحياة وأنه يتأثر بالذبذبات الصوتية بشكل كبير،
وقد تكون النفخة الثانية في الصور سبباً في بث الترددات الصوتية الصحيحة
التي يتأثر بها هذا الشريط وتعود له الحياة مرة ثانية فينمو ويتكاثر وهكذا
يبعث الله الخلائق من جديد، والله أعلم.
وأخيراً
في
هذه الآيات الكريمات تتجلى معجزة مهمة في علم هندسة الصوت، وأن القرآن
تحدث بدقة مذهلة عن نتائج الترددات الصوتية القوية، فهي تصعق وتفتت
الأشياء، وقد تكون سبباً في إعادة الحياة، وهكذا حقائق لم نتمكن من رؤيتها
علمياً إلا في القرن الحادي والعشرين، فسبحان من حدثنا عنها لتبقى معجزة
هذا الكتاب قائمة إلى يوم القيامة، حيث تشرق الأرض بنور ربها ونكون في
الجنة إن شاء الله مع النبيين والشهداء.
لنتأمل هذا النص القرآني: (وَنُفِخَ
فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ
إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ
قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68) وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا
وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ
بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ
نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70) وَسِيقَ
الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا
فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ
رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ
لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ
الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ
خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72) وَسِيقَ
الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا
جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ
عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) وَقَالُوا الْحَمْدُ
لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ
مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74)
وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ
بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ
لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الزمر: 38-75].
ذكر القرآن كلمة الصيحة
في عدد كبير من الآيات في القرآن الكريم
عندما تكلم عن فناء قوم مدين وثمود
وقوم لوط
معبراً عنها بالصوت الشديد.
فيتراود لذهن المتأمل مباشرة السؤال التالي:
كيف يمكن للصوت أن يغدو وسيلة لموت مجموعة
أو قوم من الناس؟
وكيف يمكن للناس أن تموت وهي في دارها
من دون أن يصاب الدار بأي أذى؟
والسؤال الذي لم يطرحه أحد من قبل
وهو الأهم في هذه الموضوع
لماذا تم القضاء على هذه الأقوام كلها في وقت الصبح
بفعل الصيحة وليس أي وقت آخر
كما ورد في آيات كثيرة؟
وأي صوت هذا الذي نتكلم عنه في سِيَر الأقوام البائدة؟
ومن أين جاء؟
وأين سكنت هذه الأقوام؟
ولماذا لم تمت كل الأقوام بنفس الطريقة؟
أين سكنت الأقوام البائدة التي قضت بالصيحة؟
إن الباحث عن الطريقة التي ماتت فيها الأقوام البائدة
مدين وثمود
يجد أنهم كانوا يتخذون الجبال مساكناً لهم.
لقد ذكر الله تعالى في سورة هود
أنّ مدين قوم شعيب الذين كانوا يسكنون الجبال،
جاءوا بعد قوم لوط وقوم ثمود(صالح)
ويشير القرآن إلى ذلك في قوله تعالى :
( وَيَا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا
أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ
لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ ) [سورة هود: 89].
وقوم مدين من العرب سكنوا في مدينة البدع
التي تقع في الشمال الغربي من المملكة العربية السعودية في وادي عفال 225
كلم غرباً عن مدينة تبوك
وتبتعد عن البحــر (خليج العقبة)
ثمانية وعشرين كلم شرقاً
وعن البحر الأحمر أربعين كلم شمالاً.
يقول المؤرخ الاغريقي إيو سيبوس
(أنّ مدين بن إبراهيم كان أول من سكنها فسميت باسمه. وشعيب، نبيهم هو ابن ميكيل بن يشجن. ويقال أن جدته أو أمه هي بنت لوط) .
وكان قوم مدين من أسوأ الناس معاملة،
يبخسون المكيال والميزان ، ويطففون فيها،
ويأخذون بالزائد ويدفعون بالناقص
فبعث الله فيهم رجلاً منهم
وهو رسول الله شعيب عليه السلام،
فدعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له ،
ونهاهم عن تعاطي هذه الأفاعيل القبيحة
من بخس الناس أشياءهم وإخافتهم لهم
في سبلهم وطرقاتهم
فآمن به بعضهم وكفر أكثرهم ،
حتى أحل الله بهم البأس الشديد.
وأخذتهم الصيحة وذلك في قوله تعالى:
(وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ
مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مَّنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ
فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ * كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ
فِيهَا أَلاَ بُعْدًا لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ)
[هود:94- 95].
وقال تعالى:
( وَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ
شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ * فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ
فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ * الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً
كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَانُواْ
هُمُ الْخَاسِرِينَ)
[الأعراف:90 - 92].
إنّ الصيحة التي ذكرها القرآن الكريم،
هي فعلاَ صوت شديد، والمتتبع للظواهر الطبيعية
على الكرة الأرضية يرجح أنّ الصيحة
هي فعلاَ صوت ولكنها، خلافا لما ذهب البعض في تفسيرها، موجات صوتية غير مسموعة،
أي تحت صوتية، نتجت عن ظواهر طبيعية كالزلزال
أو الريح مثلاً. هذه الموجات الصوتية
تزداد شدة داخل الجبال،
ولذلك شعر الذين يسكنون الكهوف بخوف وفزع
حينما وجدوا بعض أعضائهم تتذبذب وتهتز
ولم يستطيعوا أن يوقفوا هذه الرجفة
التي أصابت أجسادهم إلى أن انفجرت
بعض أعضائهم الداخلية تأثراً بهذه الاهتزازات الصوتية. فهؤلاء لم يستطيعوا سماع هذه الموجات
تحت الصوتية القادمة إليهم،
فماتوا بالرجفة التي أصابت بعض أعضاء جسدهم
فشبهها القرآن الكريم بالرجفة
أو الصعقة أحيانا.
إنّ تكوّن موجات تحت الصوتية
كان على الأرجح نتيجة حدوث زلازل داخلية
لم يصل إلى سطح الأرض منها، إلا الموجات
تحت الصوتية التي نشأت عنها. وتنتقل
هذه الموجات تحت الصوتية مسافات بعيدة
دون أن تفقد شيئاً من قوتها، ولديها القدرة
على اختراق الحواجز، وتزداد شدتها ورنينها
في داخل الجبال، فتصبح الموجات مميتة
إذا ما استمرت لفترة طويلة.
كيف يميت الصوت؟
لك أن تتساءل كيف يمكن أن يموت الإنسان
في دياره دون أن تصيب داره بأي أذى
كما ذكر القرآن الكريم؟
(فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ).
لم تكن الرجفة التي مات عن طريقها قوم مدين
والتي تحدث عنها القرآن هي زلزالا
وإنما كانت نتيجة تأثير الرنين الناتج عن الموجات
تحت الصوتية في أعضاء الجسم
والتي تتسبب بارتجاف بعض الأعضاء الداخلية للإنسان. والدليل على ذلك
أن هذه الرجفة لم تؤثر على المباني وإنما فقط على الإنسان.
وما يمكن أن يدلنا على ذلك هو الاستخدام الحديث
لبعض الأسلحة الفتاكة والتي تعتمد على الموجات
تحت الصوتية والتي يبلغ ترددها (7هيرتز)
مع درجة شدة معينة من الديسيبلز
فإنها تولّد ذبذبة مماثلة لدرجة ذبذبة الموجات الصوتية، نتيجة للرنين،
ولهذا تصاب الأعضاء بالرجفة التي تؤدي بدورها
إلى انفجار العضو الداخلي لجسم الإنسان.
نستنج من هذا العرض
أنّ الموجات تحت الصوتية قادرة على اختراق الجبال والجدران وقادرة أيضاً
أن تسبب الموت للإنسان فقط ودون التأثير
على ما حوله.
وهي قادرة على الانتقال إلى مسافات طويلة
دون أن تخف قوتها ثمّ إنّ وجود أولئك الأقوام
في فجوات الجبال زاد الأمر سوءاً لأنّ تأثير الموجات
كان شديداً عليهم لما تسببه هذه الأماكن
من رنين وصدى لهذا الصوت الخفي.
أما أصحاب الحجر وهم ثمود،
قوم صالح عليه السلام،
فقد جاء ذكرهم في القرآن الكريم في قوله تعالى:
( وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ * وَءاتَيْنَاهُمْ
ءايَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ* وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ
الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ* فَأَخَذَتْهُمْ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ)
[الحجر : 80- 83].
كانوا ينحتون الجبال، ليعيشوا داخلها
ظناً منهم أنها ستحميهم ولكنها كانت وبالاً عليهم.
إذ أخذهم اله. بالصيحة فأرجفهم وصعقهم
ثم أماتهم وهم داخل كهوفهم.
وقد حدث لثمود- أصحاب الحجر- ما حدث لمدين-
قوم شعيب الذين كانوا يقطنون الجبال أيضاً،
فقد جاءهم العذاب بالرجفة والصيحة
التي أثرت بشدّة داخل تلك التجاويف الجبلية.
قال تعالى:
( وأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى
الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا
يَكْسِبُونَ ]
[فصلت17].
وقال تعالى:
[وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ
مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن
رَّبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي
أَرْضِ اللَّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ
فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ
الجِبَالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي
الأَرْضِ مُفْسِدِينَ قَالَ المَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ
لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ
صَالِحاً مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ
مُؤْمِنُونَ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنتُم بِهِ
كَافِرُونَ فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ
وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ
المُرْسَلِينَ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ
جَاثِمِينَ]
[الأعراف 73-78]
لقد جاء تفسير البغوي(1) لسورة الأعراف في قصة ثمود:
أنّ العذاب الذي أنزله الله على قوم صالح عليه السلام لعقرهم الناقة التالي :
أن وجوههم أصبحت في اليوم الأول مصفرّة
كأنما طليت بالخلوق،
وفي اليوم الثاني
أصبحت محمرّة كأنما خضبت بالدماء فضجوا وبكوا وعرفوا آية العذاب فلما أمسوا صاحوا:
ألا قد مضى يومان؟
وفي اليوم الثالث
أصبحت مسودّة كأنما طليت بالقار،
ثمّ تكفّنوا وتحنّطوا وألقوا أنفسهم إلى الأرض
فجعلوا يقلبّون أبصارهم إلى السماء والأرض
لا يدرون من أين يأتيهم العذاب
فلمّا أصبحوا في اليوم الرابع
أتتهم صيحة من السماء فيها صوت كصوت الصاعقة
فتقطّعت قلوبهم في صدورهم
وقال تعالى يصوّر حالهم :
{ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فأصبحوا في ديارهم جاثمين}.
الأعراف :78
. وما ينبغي الإشارة إليه أنه رغم ضعف سند الحديث
إلا أنه يمثل إلى درجة كبيرة حال الناس الذين
تعرضوا إلى سلاح الصوت.
سرّ التوقيت...
لنقرأ الآيات التي تتحدث عن قوم ثمود بإمعان.
قال تعالى:
[ وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ
جَاثِمِينَ ][هود : 67]. و( فَأَخَذَتْهُمْ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِين)
[الحجر: 83 ]
. وقال:
(فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ )
[الأعراف : 78].
وقال تعالى في قوم مدين:
( ولَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً والَّذِينَ آمَنُوا
مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وأَخَذَتِ الَذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ
فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ * كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا
أَلا بُـعْـداً لِّـمَـدْيَـنَ كَـمَـا بَـعِـدَتْ ثَـمُودُ ) [هود:94_95]
( وَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ
شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ * فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ
فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ * الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا
كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا كَانُواْ
هُمُ الْخَاسِرِينَ)
[الأعراف:90 _ 92].
(وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا
اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الآخِرَ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ
مُفْسِدِينَ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي
دَارِهِمْ جَاثِمِينَ )
[العنكبوت: 36_ 37].
عرّفتنا الآيات السابقة أن قوم ثمود وقوم مدين
قضوا بالصيحة و لكن السؤال لماذا أماتهم الله تعالى
في وقت الصباح؟
وما التفسير العلمي لذلك؟
عند التعرض الطويل للموجات تحت الصوتية
فإن هذه الموجات - غير المسموعة
– التي- يشعر بها الجسم فقط -
تسبب حالة من الشعور بالضيق والضغط الشديد
تؤدي إلى إفراز هرمون الكورتيزول (cortisol)
في الجسم. وهذا أمر معروف طبياً.
وكذلك التعرض أثناء النوم لموجات تحت صوتية يؤدي إلى ارتجاف بعض أعضاء الجسم
كالمعدة أوالقلب ويحفز الجسم على إنتاج هرمون الكورتيزول.
فما تأثير إنتاج الكورتيزول على الجسم؟
إنّ هرمون الكورتيزول الذي يفرز عن طريق
الغدد المجاورة للكلية- يلعب دوراً مهماً ورئيسياً
في تهيئة الجسم لمقاومة الضغوطات.
فهو يرفع ضغط الدم ويرفع مستوى السكر في الدم أيضاً، وذلك ليزود الجسم
بالطاقة اللازمة لمواجهة الحالات الطارئة. إلا أنه في حالة التعرض
للضغوطات لمدة طويلة
فإنّ إنتاج هرمون الكورتيزول (cortisol)
يزداد مما يؤدي إلى إضعاف جهاز المناعة،
والإصابة بارتفاع ضغط الدم أو تجلط الدماغ
أو إضعاف عمل الغدد الصماء،
وكل هذه الأعضاء أساسية لاستمرار الحياة.
والنتيجة هي أنّ زيادة إنتاج هرمون الكورتيزول (2)
يؤدي إلى الوفاة.
ولكن لماذا كان تأثير الموجات تحت الصوتية شديد
في الساعات الأولى من الصباح ؟
لأنه في ذلك الوقت يكون إفراز هرمون الكورتيزول
في أعلى مستوى له.
فإذا تم تحفيز إنتاج هذا الهرمون في هذا الوقت من الصباح فإنه يؤدي إلى تخريب الإنتاج الطبيعي
لهرمون الكورتيزول بأسوء طريقة ممكنة
ذلك لأنّ النائم يتلقى الموجات تحت الصوتية
على أنها شيء يهدد الإنسان،
فترتفع نسبة إنتاج الكورتيزول في الجسم.
إلّا أنّ هذه المادة لا يستخدمها الجسم
لأنّ الإنسان نائم، فتبقى في الجسم مسببة
تخريباً في عمل أعضاءه.
وهذا هو التفسير العلمي لموت الأقوام ثمود ومدين بالصيحة "مصبحين" .
ولكن ماهي المدة الزمنية التي يلزم تعرّض النائم لها لتحصل الوفاة؟ إنّ الأبحاث العسكرية السرية
لا زالت تقوم بتجارب في ذلك الشأن
لاستخدام الموجات تحت الصوتية كسلاح قتل أو تعذيب . يوصف المتعرض للموجات تحت الصوتية
بأن لونه يصبح مخضرّاً كلون العشب الأخضر.
عذاب قوم لوط بالصيحة:
قال تعالى في سورة الحجر:
(وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ*
قَالَ إِنَّ هَؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ* وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا
تُخْزُونِ* قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ * قَالَ
هَؤُلاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ* لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي
سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ* فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ *
فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً
مِنْ سِجِّيلٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ* وَإِنَّهَا
لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ* إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ)
تشير هذه الآيات
إلى أنّ الصيحة التي قضت على قوم لوط كانت مترافقة
مع زلزال كبير وبركان قوي
فكانت الحمم البركانية تخرج من باطن ثمّ تهبط عليها
كالمطر على قوم لوط الذين كانوا يسكنون منطقة (سديم) في الأردن. وتشير الآيات السابقة
إلى أنّ قوم لوط جاءتهم الصيحة "مشرقين" أي في ساعات الصبح الأولى.
ويمكننا التساؤل عمّا إذا كان
موت لوط الفعلي بالصيحة
والرجفة أولاً ثم بالبراكين والزلازل
لأن الله تعالى أراد أن لا يبقي لهم أثراً. ويؤكد هذا عالم الآثار الألماني وورنر كيلر (Werner Keller) قائلاً:
"غاص وادي سديم الذي يتضمن (سدوم) و(عامورا)
مع الشق العظيم، الذي يمر في هذه المنطقة
إلى أعماق سحيقة في يوم واحد
قال إنّ هذا الدمار حدث بفعل هزة أرضية عنيفة
صاحبتها عدة انفجارات وأضواء نتج عنها غاز طبيعي وحريق شامل
تحررت معه القوى البركانية
التي كانت هامدة في الأعماق على طول الصدع في ذلك الغور.
أما قوله تعالى:
( وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّنْ سِجِّيلٍ مَّنْضُودٍ)
فيمكن أن يعني حدوث انفجار بركاني على ضفتي بحيرة لوط
ولهذا كانت الحجارة التي انطلقت
(مِنْ سِجِّيل)
وعن ذلك يقول وورنر كيلر أيضاً في كتابه : "تحررت القوى البركانية
التي كانت هامدة في الأعماق على طول الصدع من ذلك الغور
ولا تزال فوهات البراكين الخامدة تبدو ظاهرة في الوادي العلوي
من الضفة الغربية
بينما تترسب هنا الحمم البركانية وتتوضع طبقات عميقة من البازلت
على مساحة واسعة
من السطح الكلسي".
1- Broner, N, The Effects Of Low Frequency Noise On People — A Review, Journal Of Sound And Vibration 58 (4), England, 1993.
2- Davis, Gary & Jones, Ralph, Sound Reinforcement Handbook, HP, USA, 1989.
3- Kientzle, Tim, A Programmer’s guide To Sound, Addison-Wesley, USA, 1998.
4- Toop, David, Ocean Of Sound, Serpent Tail, USA, 1995.
5- Yost, William A., Fundamentals Of Hearing, Academic Press, Inc., USA, 1994.
6
-
Sonic weaponry, www.wikipedia.org
http://wiki.answers.com/Q/How_many_decibels_of_sound_will_kill_you
ورد لفظ الصيحة 13 مرة في القرآن الكريم، ومنها:
عن ثمود: وأخذ الذين ظلموا الصيحةفأصبحوا في ديارهم جاثمين
[هود : 67].
(فَأَخَذَتْهُمْ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ [الحجر: 83].
إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ. [القمر:83].
وعن مدين: وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ[هود:94].
وعن قوم لوط: فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ [ الحجر : 72].
وعن أقوام آخرين:فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاء فَبُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ( [المؤمنين: 41].
إِنْكَ انَتْ إِلاَّصَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ [ يس: 29].
ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون [يس: 49].
كما ورد في إبادة ثمود آيات أخرى منها:
فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ [الأعراف: 78].
فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود [فصلت: 13].
فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون [فصلت: 17].
فعتوا عن أمر ربهم فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون [الذاريات : 44].
وإلى مدين أخاهم شعيبا فقال يا قوم اعبدوا الله وارجوا اليوم الآخر ولا تعثوا في الأرض مفسدين* فكذبوه فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في ديارهم جاثمين [العنكبوت: 36- 37].
تدل
الآيات السابقة أنّ الصيحة هي موجات تحت صوتية شديدة تستطيع صعق الإنسان
وتسبب الرجفة وفقاً لظاهرة الرنين في أعضاء جسده إلى أن تنفجر فيموت وسبب
تكوّن هذه الموجات هو حدوث ظواهر طبيعية كالزلازل أو البراكين أو العواصف
القوية.
اجمل مفال قوي جدا شكرا لكاتبه جزاكم الله كل خير
ردحذف