الاثنين، 24 سبتمبر 2012

لغة البرمجة الإلهية المكتوبة على أشرطةDNA وتهافت فرضية الصدفه






ما رأيك لو أخذنا فكرة أوضح عن لغة البرمجة الإلهية المكتوبة على أشرطة DNA لنفهم عما نتكلم بالضبط؟


لغة الكيمياء:

يتكوّن جسم الإنسان من 50 إلى 100 تريليون خلية حية، علما بأن التريليون يساوي مليون مليون.. كلّ خلية من هذه الخلايا هي كتلة هلامية مجهرية، لم يكن داروين يدري شيئا عن تركيبها في عصره بسبب تخلف المجاهر الضوئية، ورغم ذلك لم يتورع سيادته عن إطلاق خزعبلاته عن تطور القرود ليصبحوا بشرا لمجرد التشابه في بعض السمات!

فأي أسرار مذهلة هي التي لم يكن يدري عنها داروين شيئا، خبأتها الخلية في تركيبها المحكم؟

تحتوي كل خلية على نواة هي مركز التحكم بالخلية.. ولو اعتبرت الخلية جهاز حاسب دقيق الحجم، فإن النواة تعتبر المشغل الدقيق Microprocessor الذي يتحكم بعمل هذه الخلية.. ويوجد بداخل كلّ نواة عدد من الصبغيات (كرموموسومات) ـ عددها 46 صبغيا في الإنسان ـ يتكون كلّ منها من شريطين مجدولَين من المركبات الكيميائيّة.. هذا هو "الحمض النووي الوراثي" DNA.

ولكي تتخيل دقة وإبداع هذا الشريط، أخبرك بأنه لو تمّ فرد كلّ شرائط DNA الموجودة في كلّ خلية من خلايا إنسان واحد فقط وتوصيلها معا، لصارت كافية للتوصيل بين الأرض والشمس، علما بأن المسافة بينهما تساوي 149 مليون كيلومتر!

ويعتبر شريط DNA أفضل وسيط تخزين معروف حتى الآن، فالشريط الواحد ـ الذي لا يُرى بالعين المجردة ـ يحمل معلومات تملأ نصف مليون صفحة بحجم صفحات دليل الهاتف، وهو ما يكفي لصنع مكتبة تحتوي على أكثر من عشرة آلاف مجلد ضخم.. ولقد استغرق علماء عدة دول كبرى عِقد التسعينيات كله حتى استطاعوا تدوين هذه البيانات، في مشروع سُمّي "خريطة الجينوم البشري".

لكن مم تتكون هذه المعلومات؟

هذه المعلومات تتألّف من أربعة أنواع فقط من المركبات الكيمائية، هي:

أدنين (A) ـ سيتوزين (C) ـ ثايمين (T) ـ جوانين (G)

وتنشأ المعلومات من طريقة ترتيب هذه المركبات على شريط الحمض النووي لتعطي شفرات معينة تفهمها الخلية.

ولكي تتخيّل الأمر، دعني أذكرك بأنّ كلّ الكتب التي قرأتها في حياتك تتكوّن فقط من 28 حرفا من حروف اللغة العربية.. هذه الحروف تكوّن كلمات (حوالي 2.5 مليون كلمة عربية)، وتكوّن الكلمات جملا (لا حصر لها)، وتكوّن الجمل كتبا (لا حصر لها).

كما أنّ لغة الموسيقى تتكوّن من سبعة أحرف فقط (السلم الموسيقي: دو ـ ري ـ مي ـ فا ـ صو ـ لا ـ سي)، وهي كافية لإنتاج كلّ المقطوعات والألحان المختلفة التي لا تكاد تحصى.

لكن لماذا نذهب بعيدا؟.. ألم نتعرف معا على لغة الحاسب التي تتكوّن من حرفين فقط؟.. ألا يتعامل الحاسب بنظام العدّ الثنائي Binary، حيث تتمّ به كلّ الحسابات والعمليات المنطقية، وعليه تمّ بناء لغات البرمجة ونظم التشغيل والبرامج وطرق تخزين البيانات وعرضها.. إلخ؟

تفهم الآن أنّ عدد حروف اللغة لا يحدّ من إمكانياتها، وعلى هذا فإنّ 4 حروف كيميائيّة في لغة الشفرة الوراثيّة هي أكثر من كافية لعمل المعجزات!

ومن الحروف الأربعة للغة الشفرة الوراثية، يتمّ تكوين كلمات طول كلّ كلمة منها 3 حروف.. معنى هذا أنّ معجم هذه اللغة يتسع فقط لـ (4 أس 3) أي 64 كلمة.

إنّ 64 كلمة هو عدد كاف جدّا لتكوين جمل كثيرة، تختلف في أطوالها.. فلننظر مثلا لهذه الجملة:

GGU,GGC,GGA

هذه الجملة حيثما وجدت مكتوبة في خلية أيّ كائن حيّ، فإنها تؤدّي إلى بناء الحمض الأميني المسمّى الجليسين.

إذن فالجمل المكتوبة بلغتنا الكيميائيّة هي جمل الأحماض الأمينية.. ولو اعتبرنا كل كلمة في هذه اللغة أمرا Command، فيمكن اعتبار الحمض الأميني هو القيمة العائدة Return Value من الدوال Functions المكتوبة بهذه الأوامر!

فترى، ما هي البرامج التي يمكن كتابتها بدوال الأحماض الأمينية؟

هذه البرامج هي البروتينات التي تبني أجسام الكائنات الحيّة.

الجدير بالذكر أن كل البروتينات الموجودة بأجساد الكائنات الحيّة تستخدم 20 نوعا فقط من أنواع الأحماض الأمينية، حيث يختلف كلّ بروتين عن الآخر في نوع وعدد وترتيب الأحماض الأمينية الداخلة في تركيبه.. هذا يعني أننا نحتاج على الأقلّ إلى 20 دالة من دوال لغتنا الكيميائية، لبناء عشرين حمضا أمينيّا تدخل في تكوين حوالي 30 ألف برنامج مختلف يصنع البروتينات الموجودة في الجهاز المعقد المسمى جسم الإنسان!

لكن في الحقيقة، لا يقتصر الأمر على هذه الدوال العشرين، فقد اكتشف العلماء أنّ هناك بعض الدوال لا تبني أحماضا أمينية، بل تستخدم لإعطاء أوامر معيّنة للخلية الحية، مثل بدء إنتاج البروتين أو إيقاف إنتاجه.. إلخ.

دعنا نلخص الأمر هنا:

لدينا لغة برمجة تتكون من 4 حروف، تبني 64 أمرا مختلفا، تدخل في تركيب 20 دالة أساسية (الأحماض الأمينية)، يتم استخدامها ما بين 7 مليارات إلى 8 مليارات مرة، لتكوّن ما بين مليون إلى 2 مليون فئة Class مختلفة تسمى الجينات، وتستخدم هذه الفئات لكتابة 30 ألف برنامج متقدّم لصناعة 30 ألف بروتين، ومن هذه البرامج يتم بناء نظام كامل معقد هو جسم الإنسان.


تطبيقات برمجية ونظام تشغيل:

إنّ خليّة واحدة من خلايا جسم الإنسان أعقد من كلّ الأجهزة التي اخترعها الإنسان في تاريخه كلّه.. ويشرح أستاذ البيولوجيا (مايكل دانتون) في كتابه "التطور: نظرية في أزمة" هذا التعقيد بمثال:

"كي نفهم حقيقة الحياة على النحو الذي كشفه علم البيولوجيا الجزيئية، يجب علينا أن نكبّر الخلية ألف مليون مرة حتى يبلغ قطرها 20 كيلومتراً وتشبه منطاداً عملاقاً، بحيث تستطيع أن تغطي مدينة مثل لندن أو نيويورك.. ما سنراه -عندئذ- هو جسمٌ يتسمُ بالتعقيد والقدرة على التكيف بشكل غير مسبوق.. وسنرى على سطح الخلية ملايين الفتحات مثل الفتحات الجانبية لسفينة فضاء ضخمة، تنفتح وتنغلق لتسمح لمجرى متواصل من المواد أن ينساب دخولاً وخروجاً.. وإذا تسنى لنا دخول إحدى هذه الفتحات سنجد أنفسنا في عالم من التكنولوجيا المتميزة والتعقيد المحيّر.. تعقيد يتعدّى طاقتنا الإبداعية نفسها.. وهذه حقيقة مضادة لفرضية الصدفة ذاتها، وتتفوق بكل ما في الكلمة من معنى على أي شيء أنتجه عقل الإنسان".

إن المعلومات الوراثيّة المخزّنة على شريط DNA هي أبدع نظام تشغيل Operating System في العالم، وهو يفوق بمليارات المرات أحدث نظم التشغيل التي أنتجها الإنسان لتتحكم في أحدث الحواسيب حتى يومنا هذا كالويندوز واللينوكس وغيرها.. هذا لأن هذا النظام لا يتحكم في حاسب واحد، بل في عدة منظومات هي أجهزة الجسم، التي تحتوي في مجموعها على 50 مليون مليون حاسب دقيق (خلايا الجسم)، موصلة معا بشبكة عصبية يشغّلها حوالي 86 مليار حاسب فائق هي خلايا الأعصاب، ويتحكم فيها خادم Server مركزي عملاق اسمه المخ، الذي يتكون وحده من حوالي 14 مليار حاسب فائق السرعة (الخلايا العصبية).. ويحتوي نظام التشغيل الإلهي DNA على كل البرامج اللازمة لتشغيل كل هذه المكونات المادية Hardware، بالإضافة إلى كل البيانات الأساسية والبرامج الوظيفية التي تعطي لكل نوع من الكائنات الحيّة سلوكه الخاص وسماته المميّزة وغرائزه الأساسية التي تدفعه إلى المحافظة على حياته.

وبجوار كلّ هذه الإمكانيات المذهلة لنظام التشغيل الإلهي، يتفرد هذا النظام بخاصية لا يوجد مثيل لها في أي نظام تشغيل كتبه البشر: فهذا النظام لا يتحكم فقط في سلوك الكائن الحيّ ووظائف أعضائه وأجهزته، بل إنه يبني جسد الكائن الحي نفسه منذ البداية من مكونات الأرض العادية!.. أيّ أنّ هذا النظام قادر على صناعة المكونات المادية Hardware ثم كتابة التطبيقات البرمجية Software التي تعمل على هذه المكونات المادية وتستفيد بقدراتها!

والآن، تخيّل أنّ كلّ هذا الإبداع المذهل مخزّن بالشفرة الكيميائية على شرائط DNA في نواة خلية واحدة فقط من خلايا جسمك، وأن هناك نسخة مكررة من هذا الكود موجودة في كل خلية من خلاياك!.. نصف مليون صفحة من الكود مخزّنة في نواة خلية واحدة فقط، ومكررة في 50 مليون مليون خلية تكوّن جسمك!

المذهل أن وزن المادة الوراثية في الخلية الواحدة ـ مهما كانت وظيفتها ـ لا يزيد عن 5 بيكو جرام، أي خمسة أجزاء من تريليون جزء من الجرام.. وهذا يعني أن مجموع أوزان النسخ المكررة للمادة الوراثية في جميع خلايا جسمك هو: 250 جراما فحسب من مجموع وزنك!.. فسبحان الله!

الطريف في الأمر، أننا لو أخذنا نسخة من المادة الوراثية من كلّ فرد من سكان الأرض (6 مليار نسمة)، لكان مجموع أوزانها 0.03 من الجرام!.. فهل يتعجّب أحد من قدرة الله سبحانه على إعادة بعث جميع البشر بكامل خصائصهم يوم القيامة؟

(4)

الدقّة حيث لا مجال للعبث:

الخلية الحيّة هي مصنع البروتينات الوحيد على سطح الأرض، حيث لم يستطيع العلماء حتى اليوم تصنيع أية مادة بروتينية في المعمل، وإن أراد العلماء الحصول على مادة بروتينية، فما عليهم سوى أن يطلبوا من الخلية أن تصنعها لهم باستخدام الهندسة الوراثية!

العجيب أنّ كلّ خلية في جسمك تتخصّص فقط في ترجمة جزء معيّن من هذه الشفرة الوراثية لتبني البروتينات اللازمة للعضو الذي توجد به.. هذا هو ما يجعل الكبد كبدا، والقلب قلبا والذراع ذراعا.. كلّ خلية تعرف ماذا تبني ومتى تبنيه.. الأسنان مثلا تنمو في عمر معيّن، وتتوقف عن النمو في عمر معين.. الشارب واللحية ينبتان للذكور في عمر معين.... وهكذا.

تصميم بديع ودقيق ولا مجال فيه لأيّ صدفة أو عشوائية.

تخيّل مثلا ماذا سيحدث لك، لو أنّ خلايا فمك قرّرت فجأة ترجمة الأحماض الهاضمة الموجودة في معدتك؟!

طبعا فمك غير مبطن بالأغشية الواقية التي تحميه ـ كما هو الحال في المعدة ـ وبالتالي سيبدو الأمر كأنك شربت مادة كاوية!

صدقت يا رب: "وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها".. إنّ كلّ خلية في أجسادنا تؤدّي وظيفتها على أكمل وجه هي نعمة في حدّ ذاتها تستوجب الشكر والثناء.

بل إنّ تخيّل كيفية التناسق بين هذه الخلايا يصيب المرء بالذهول.. هناك عمليات معمارية لم يفهم العلماء كنهها حتى الآن، تجعل للأنف شكلا فراغيا مميزا.. وللأذن.. وللجمجمة.. ولكلّ جزء في جسم الإنسان.

سبحان الذي أبدع كلّ هذا التصميم المذهل، الذي يستحيل أن تنتجه صدفة بأي شكل من الأشكال.. يقول سبحانه في سورة الذاريات:

(وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ {21})

مصانع عالية التقنية:

تعال نفكر معا في الإعجاز الكامن في بذرة أحد النباتات.. البذرة هي مادّة ميتة لا حياة فيها، يمكن تخزينها لفترات طويلة.. لكن بمجرّد وضعها في التربة والماء، تدبّ الحياة فيها بإذن الله، لتبدأ في ترجمة الشفرات المكتوبة فيها لتنفيذ برنامجها المعقد.. ورويدا، تبدأ في أخذ الموادّ الخام (الماء والغذاء والهواء) لبناء مصنع جبار اسمه النبات.. هذا المصنع يُنتج منتجات رائعة (الزهور والثمار).. وبداخل منتجاته هذه توجد البذور، التي ستعيد إنتاج المصانع والمنتجات!

بجوار هذا، نكتشف أنّ مصانع النباتات ـ على عكس مصانع البشر ـ تحافظ على البيئة بإنتاج الأكسجين واستغلال ثاني أكسيد الكربون، وهي التي أنتجت جميع المواد الكربوهيراتية والدهون النباتية والبروتين والخشب وعلف الماشية وكل المنتجات النباتية التي استغلها الحيوان والإنسان والكائنات الحية الدقيقة.. بخلاف أنّ هذه المصانع هي أوّل وأهمّ مصانع تثبيت الطاقة الشمسية على الأرض، وبفضلها تكوّن البترول والفحم في الأرض.

تخيّل أنّ كلّ هذا المصنع التقنيّ كان في بذرة واحدة تحمل منها في قبضة يدك المئات، وأحيانا الآلاف؟!

بل وتخيّل هذه النتيجة المدهشة: بما أنّ حضارة الغرب الحديثة قامت على الآلات، التي تعمل بالفحم والبترول، والكهرباء (الموَلّد معظمها بحرق الفحم والبترول)، فإنّ معنى هذا أنّ حضارة الغرب وكلّ ما يتفاخرون به من التقنية، حرّكته الشفرة الوراثية الموجودة في بذور النباتات!!

فسبحان من أبدع هذا التصميم الخارق.. وعجبا لغطرسة الغرب، الذي اتخذ العلم ذريعة للإلحاد ونفي وجود الله، مع أنّ حضارته كلها صنعتها بذرة!.. حقا، فما أجهلَهم وما أغفلهم:

(يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ {7} أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاء رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ {8}) الروم.

نفس هذا الأمر ينطبق على كلّ مولود جديد، حيث يتمّ بناؤه من البداية من اتحاد المعلومات الموجودة في حيوان منوي وبويضة، ليحصل على نفس بنية وسمات نوعه، ويمتلك القدرة على التكاثر وإعادة إنتاج الحياة.. ومن هذه الشفرة الوراثية تمّ بناء المخّ البشري، الذي اكتشف كلّ هذه العلوم وأبدع كلّ هذه التقنية!

ولعلنا نلاحظ ربط القرآن الكريم في كثير من آياته بين المطر وإحياء الأرض بعد موتها، وبين البعث وإعادة خلق البشر.. انظر مثلا لقوله سبحانه:

(فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {50}‏) الروم.

فالمحيّر فعلا، أن تعجّب الكفار أن يبعثوا مرّة أخرى بعد الموت، ولم يتعجّبوا من معجزة خروج شجرة للحياة من وسط بعض الأتربة الجرداء!.. الآن نكتشف أنّ التقنية واحدة فعلا: بذرة الشجرة لا تختلف كثيرا عن نطفة الإنسان، وما أسهل أن يعيد الله خلق الإنسان من خلية واحدة تحوي معلوماته الوراثية، مثلما يخرج الشجرة من بذرة في أرض ميتة.

***

إننا نصل دائما إلى نفس النتيجة: هناك نظم تشغيل بديعة لا مثيل لها مكتوبة في صورة شفرات برمجية فائقة الدقّة والكفاءة، هي المسئولة عن كلّ هذه الكائنات والمنتجات والآلات والحاسبات والعلوم والآداب والفنون!

فأيّ صدفة هذه التي يمكن أن تُوجد مثل هذا التصميم الدقيق، الذي يكفي أقلّ خطأ فيه لقتل الكائن أو تشويهه؟

وأيّ صدفة هذه التي صنعت المبدعين والعباقرة والعلماء بل وصنعت ما اكتشفوه من علوم حيوية وكيميائية؟!

فبأيّ حديث بعده يؤمنون؟

لو علمت أنّ عدد أنواع الأحياء على سطح الأرض يقدّر بنحو 4.5 مليون نوع، يحتاج كلّ نوع منها مرجعا مستقلا للحديث عن سماته وسلوكه والصفات المتفرّدة التي يمتاز بها، وعلاقته بالبيئة وطرق تكيّفه معها... إلخ.. أفلن توافقني على أنه من رابع (وخامس وسادس ... ومليون ومليار وما لا نهاية) المستحيلات أنّ يكون للصدفة أيّ دخل بهذا؟!

إن هناك مصمّما مبدعا، استخدم الكيمياء الحيويّة في كتابة 4.5 مليون نظام تشغيل بالغة التعقيد والتميّز، يتحكم كلّ منها في بناء أحد أنواع الكائنات الحيّة ويمنحه صفاته السلوكية وخصائصه المميّزة.. سبحانه وتعالى عمّا يصفون.

دعني أقل لك إنّ علماء الأرض لو اجتمعوا جميعا في صعيد واحد، ليكتبوا من عندهم شفرة وراثية تحرّك بعوضة ـ ولن أقول لك تصنع البعوضة ـ لما استطاعوا!

وهكذا نكتشف أنّ المعضلة ليست فقط في أن تتراص بعض المواد الكيميائيّة معا لتكوّن بعض المركبات الداخلة في جسم الكائن.. المعضلة الأكبر، هي أنّ هذه المركبات يجب أن تترتب بنظام معقّد لتكوّن (البرامج) الوراثية للكائن، التي تكفل لكلّ خلية في جسم الكائن أداء عملها بدقة (تخيّل الروعة في نظام تشغيل يحوى برامج خاصة بكلّ نوع من خلايا الجسم)، وتكفل للكائن أن يعرف أعداءه ويتكيّف مع بيئته (معلومات تشغيل أساسية للنظام)، ويميل الذكر منه إلى الأنثى حتى يمكن أن يتكاثرا لإعادة إنتاج أجيال جديدة (حتى الحب والشهوات مكتوبة على شفراتنا الوراثية)!

يقول (جورج وليامز) ـ وهو أحد كبار المدافعين عن نظرية التطور ـ في مقال كتبه عام 1995:

"لقد فشل البيولوجيون من مؤيدي التطور في إدراك أنهم يعملون من خلال نطاقين يمكن القول إنهما غير متكافئين: أولها خاص بالمعلومات، والثاني خاص بالمادة.. ذلك أن الجين هو حزمة من المعلومات وليس (شيئاً ما).. هذا الوصف النادر يجعل من المادة والمعلومات نطاقين مختلفين للوجود، ينبغي مناقشة كل منهما على حِدَة"

يقول سبحانه في القرآن الكريم:

(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ {53}) سورة فصّلت.

والآن دعني أسألك سؤالا:

ماذا سيكون رد فعلك لو زعم شخص ما يوما أن نظام الويندوز نشأ بالصدفة، نتيجة وجود برنامح عشوائي على حاسب بيل جيتس كان يلخبط الأرقام معا؟!!

وللرياضيات كلمة:

يقول العالم الرياضيّ والفلكيّ الإنجليزيّ المعروف (فريد هويل):

"إنّ ظهور خليّة حيّة للوجود عن طريق الصدفة، يشبه ظهور طائرة من طراز (بوينج 747) عن طريق الصدفة، نتيجة هبوب عاصفة على محلات لأدوات الخردة"!!

عموما، لمن يحبّون الرياضيات، دعنا نَنفِ لهم احتمال أن يكون كل هذا الإبداع وليد المصادفات.

دعنا نتجاهل الكلام عن نصف مليون صفحة من المعلومات الموجودة على شريط DNA، تتحكّم في بناء 30 ألف بروتين في جسم الإنسان، وهل من الممكن أن تترتب هكذا بالصدفة أم لا، فهذا أوضح من أن نتكلم عنه!

سنتكلّم هنا فقط عن احتمال تكوّن بروتين واحد بالصدفة.. بروتين واحد لا يكفي لصناعة خلية بمفرده، وليس له علاقة بالتعقيد البرمجي الموجود في أشرطة DNA، ولكنّه يظلّ معجزة في ذاته:

توجد ثلاثة شروط لتكوين بروتين مفيد:

الشرط الأول: أن تكون جميع الأحماض الأمينية في سلسلة البروتين من النوع الصحيح وبالتتابع الصحيح.

الشرط الثاني: أن تكون جميع الأحماض الأمينية في السلسلة عسراء.

الشرط الثالث: أن تكون جميع هذه الأحماض الأمينية متحدة فيما بينها من خلال تكوين ترابط كيميائي يسمى "ترابط الببتايد".

ولكي يتم تكوين البروتين بمحض الصدفة، يجب أن تتواجد هذه الشروط الثلاثة الأساسية في وقت واحد.. إذن فالاحتمال تكوين بروتين بمحض الصدفة يساوي حاصل ضرب احتمال تحقّق كل واحد من هذه الشروط.

فعلى سبيل المثال، بالنسبة لجزيء بروتين متوسط الطول يحتوي على سلسلة من الأحماض الأمينية طولها 500:

(1) احتمالية أن تكون الأحماض الأمينية موجودة بالتتابع الصحيح:

يوجد عشرون نوعاً من أنواع الأحماض الأمينية تُستخدَم في تركيب البروتينات، وبناء على ذلك فإن: احتمالية أن يتم اختيار كل حمض أميني بالشكل الصحيح ضمن العشرين نوعاً هذه = 1/20.

واحتمالية أن يتم اختيار كل الأحماض الخمسمئة بالشكل الصحيح = (ا/20) أس 500 = 1/(10 أس 650).

(2) احتمالية أن تكون الأحماض الأمينية عسراء:

احتمالية أن يكون الحمض الأميني الواحد أعسر = 1/2

احتمالية أن تكون جميع الأحماض الأمينية عسراء في نفس الوقت = (1/2) أس 500 = 1/(10 أس 150).

(3) احتمالية اتحاد الأحماض الأمينية بترابط الببتايد:

تستطيع الأحماض الأمينية أن تتحد معاً بأنواع مختلفة من الترابطات الكيميائية.. ولكي يتكون بروتين مفيد، فلا بد أن تكون كل الأحماض الأمينية في السلسلة قد اتحدت بترابط كيميائي خاص يسمى "ترابط الببتايد".. ويتضح من حساب الاحتمالات أن احتمالية اتحاد الأحماض الأمينية بترابط كيميائي آخر غير الترابط الببتيدي هي خمسون بالمئة.. وفيما يتعلق بذلك:

احتمالية اتحاد حمضين أمينيين بترابطات ببتايدية = 1/2.

احتمالية اتحاد جميع الأحماض الأمينية بترابطات ببتيدية = (1/2) أس 499 = 1/(10 أس 150).

(4) وهكذا تكون المحصلة النهائية للاحتمال:

= 1/(10 أس 650) × 1/(10 أس 150) × 1/(10 أس 150)

= 1/(10 أس 950).

لاحظ أنّ 10 أس 950 تعني الرقم مليار مضروبا في نفسه 105 مرة.. وهو رقم مذهل.. ولو استخدمنا مليارات المليارات من الحاسبات بسرعات مذهلة لمحاكاة هذه الاحتمالات، فلن يكفيها عمر الكون كله لإنتاج بروتين واحد بالصدفة!

لاحظ أن العلماء يقدرون عدد ذرات الكون بحوالي 10 أس 120 ذرة!.. أي أنها لا تكفي كلها معا لصنع الخليط الذي يتم فيه تجربة كل هذه الاحتمالات!

ولكي يمكنك تخيّل فداحة هذه الأرقام، سأخبرك أنّ جهاز الحاسب الذي يحوي مشغلا دقيقا يعمل بسرعة 3 جيجا هرتز (أيّ 3 مليار نبضة في الثانية) وذاكرة فورية Cash Memory سعتها 2 ميجا وذاكرة مؤقتة RAM سعتها جيجا، يحتاج إلى حوالي 126 مليون مليون سنة لمجرد العدّ من صفر إلى (10 أس 30).. ولو شئت أن تعرف كم يحتاج للعدّ إلى (10 أس 950) فضع على يمين الزمن (126 مليون مليون سنة) 920 صفرا أخرى!!!!

رواية الحصن الرقمي: دان براون يخدعك!
هناك رواية للكاتب الأمريكي دان براون اسمها "الحصن الرقمي"، بنى فكرتها على وجود جهاز حاسب عملاق يحتوي على مليون مشغل دقيق تعمل على التوازي، تستخدمه المخابرات الأمريكية لحل الشفرات، وادعى المؤلف أن مثل هذا الحاسب قادر على حل أي شفرة في أوقات قياسية مهما كانت هذه الشفرة معقدة، وذلك بتجريب كل الاحتمالات الممكنة لمفتاح الشفرة.. هذه فكرة في منتهى السذاجة وتدل على عدم التخصص، لأننا لو افترضنا أن كلّ مشغل دقيق يعمل بسرعة 3 جيجا هرتز، فإن فك شفرة تتكون من 30 حرفا فقط سيتطلب من هذا الجهاز العمل لمدة قد تصل إلى 126 مليون سنة! (لا تنس أن وجود مليون مشغل دقيق في ذلك الجهاز يجعله أسرع من جهازي بمليون مرة).. هذا مع افتراض أن كل موضع من المواضع الثلاثين في المفتاح يقبل 10 حروف مختلفة فقط، مع أنك تعلم جيدا أن كل موضع يمكن أن يقبل 256 حرفا!!
وبافتراض أن حلقة التكرار For Next فارغة، ولا تفعل شيئا إلا الدوران، بينما أنت تعرف من فصل تشفير وضغط الملفات، أن هذه الحلقة يجب أن تحتوي على الكود المناسب لتكوين المفتاح، ولإرساله إلى دالة فك التشفير لفك النص، وإلى البحث في النص الناتج عن كلمات معروفة في الإنجليزية أو أية لغة أخرى (فالمخابرات الصينية مثلا ستكتب الرسالة باللغة الصينية!!)، وهو الأمر الذي يحتاج إلى وقت ملموس فعليا، سيضاعف الزمن الحقيقي عدة مرات!!
حتى لو افترضنا أن كل مشغل دقيق يعمل بسرعة 3 مليون جيجا هرتز (وهو خارج التقنية المتاحة حاليا بمراحل) فسيظل ذلك الجهاز يحتاج إلى 126 سنة لحل شفرة تتكون من 30 حرفا فقط.. من الواضح أن هذا يجعله عديم الفائدة للمخابرات الأمريكية ولا يستحق المليارت التي أنفقتها لبنائه!
وحتى لو افترضنا أن المجرمين وأجهزة المخابرات المعادية غير محتاطين بالدرجة الكافية، واستخدموا مفتاحا للشفرة طوله عشرة مواضع فقط كل منها يقبل 256 حرفا مختلفة، فإن ذلك الجهاز المهول الذي اخترعه دان براون سيحتاج في أسوأ الاحتمالات إلى تجربة (256 ^ 10) احتمالا، وهي تحتاج إلى زمن فلكي، لأن (256 ^ 10) تساوي تقريبا (10 أس 24)!!
لهذا، ولكي يحقق حاسوب دان براون النتائج المرجوة منه، يجب أن يستخدم الأشرار وأجهزة المخابرات المعادية مفتاحا للشفرة طوله 5 حروف فقط، ففي هذه الحالة يمكن كسر الشفرة في 192 يوما فحسب.. أظن أنك ـ وأنت لا تملك أي أسرار ـ تستخدم كلمة سر تتكون من 6 حروف على الأقل!!
آخر سؤال يخص رواية الحصن الرقمي وحاسوبها العبقري: كيف سيعرف جهاز دان براون نوع التشفير المستخدم، ليستخدم المفتاح في فكه؟!!
إن محاولة تجريب عدة خوارزميات مختلفة لفك التشفير، سيضاعف كل الحسابات السابقة عدة أضعاف أخرى!!
لحسن الحظ إذن، أن قراء (دان براون) ليسوا جميعا مبرمجين Smile .
لعلك تدرك الآن فداحة الأرقام التي نتكلم عنها!
إن عمر الكون ـ كما قدّره العلماء ـ هو حوالي 15 مليار سنة فقط، وعمر مجموعتنا الشمسية هو 4.5 مليار سنة.. أي أنّ عمر الكون يقع في حدود (10 أس 10) سنة فقط!.. واضح أنّ هذه المليارات من السنين لا تساوى شيئا أمام جسامة الاحتمالات التي نتكلّم عنها.. إنها لا تكفي حتى لكي يعد الحاسوب ـ مجرد عد ـ من 1 حـتى 10 أس 30!!
لكنّ الذين يتكلّمون عن الصدفة يستخدمون أسلوبا عاطفيا، استنادا إلى أنّ مليار عام هو رقم مريع بالنسبة لأعمار البشر، لهذا يوهمون البشر بأنه كاف لكي تصنع الصدفة كل الكائنات الحية، بينما الحقيقة أن عمر الكون هو مجرد صفر على الشمال بالنسبة للرياضيات التي شرحناها للتو، ولا يكفي لصنع بروتين واحد بالصدفة، بل ولا حتى لمجرد العد من 1 حتى (10 أس 30) بسرعة الحاسب الآلي دون صنع أي شيء آخر!!
لاحظ أننا كنا نتكلم عن بروتين واحد متوسط الحجم، بينما هناك بروتينات أطول وأعقد منه بمراحل.. فما بالك إذن لو تكلمنا عن خلية حيّة تحتوي على آلاف البروتينات؟
إن احتمال ظهور خلية واحدة بالصدفة ـ كما حسبه أحد العلماء ـ هو 1 من كلّ (10 أس 40 ألف) احتمال!!.. ماذا يا ترى يمكن أن يفعل جهاز دان براون العملاق مع احتمال كهذا؟.. يمكنك أن تقول مطمئنا إنّ هذا الاحتمال يساوي صفرا بلا أدني قلق!
أمّا احتمال أن تترتب 50 تريليون خلية بالصدفة لتشكل الجسد البشري، فهو الجنون بعينه!


برنامج لرسم الموناليزا بالصدفة!
دعنا نتعامل مع القضية كمبرمجين:
افترض أن لدينا شاشة حاسب بأقل دقة ممكنة، وهي 480 × 640 نقطة.
هذا يعني أنّ هذه الشاشة تحتوي على 307200 نقطة.
الآن، نريد كتابة برنامج بسيط لرسم الموناليزا عشوائيا على هذه الشاشة!
لن نقول لك إنّنا سنستخدم 256 لونا، ولا حتى 16 لونا.. بل سنكتفي بالأبيض والأسود فقط.
عليك أن تعرف أنّ بين أن تكون كلّ نقاط الشاشة بيضاء، وأن تكون كلها سوداء، عدد من التباديل يساوي عدد الأرقام الثنائية التي يمكن وضعها في 307200 خانة، أي:
2 أس 307200 = 10 أس (92 ألفا)!!
في الواقع لو نجحنا في تجربة كلّ هذه الاحتمالات، فسنحصل بالأبيض والأسود على جميع اللوحات التي رُسمت أو لم ترسم بعد، وجميع صور الأشياء والأشخاص التي نتخيلها أو لا نتخيلها!
لكنّ المشكلة في هذا الأمر، أنّ تجربة هذه الاحتمالات يحتاج إلى عمر يفوق عمر الكون بمليارات مليارات المرات!!
سنفترض أنّ لدينا حاسبا يستطيع رسم كلّ احتمال من هذه الاحتمالات في جزء من مليار جزء من الثانية (وهو مستحيل عمليا بأجهزة اليوم، لكن سنفترضه).. هذا يعني أنه يستطيع أن يرسم في عام واحد:
مليار × 60 ثانية × 60 دقيقة × 24 ساعة × 365 يوما = 22118400 مليار لوحة في العام، وهو ما يساوي تقريبا: 10 أس 18.
وهذا يعني أننا نحتاج لكي نرسم كلّ اللوحات الممكنة، إلى عدد من الأعوام يساوي: 10 أس (92 ألف) / 10 أس 18
أنت تعرف من الرياضيات أن قسمة الأساسات طرح للأسس.. في الواقع، طرح 18 من 92 ألفا لا معنى له!
دعنا نفترض أنّنا نستخدم مليار حاسب (10 أس 9).. هذا سيعطينا (10 أس 18) × (10 أس 9) = 10 أس 27 لوحة في العام.
ما زال الرقم تافها!
دعنا نفترض أنّ هناك مليار كوكب مثل الأرض على كلّ منها مليار حاسب تشارك في العملية.. هذا سيرفع العدد إلى (10 أس 36) لوحة في العام!
ما زال الرقم تافها!!
هذا سيعني أننا نحتاج في سبيل رسم كلّ اللوحات إلى زمن يساوي:
10 أس (92 ألفا - 36) من السنوات!!
أيّ حوالي مليار مضروبا في نفسه 10 آلاف مرّة من السنوات!!
أما لو حاولنا رسم صور ملونة باستخدام 256 لونا فقط، فسنحتاج في سبيل رسم كلّ اللوحات إلى زمن يساوي:
256 أس 307200 = 10 أس 739811 أو تقريبا 10 أس 700000!!
أي أنه يساوي الرقم 1 موضوعا على يساره 700 ألف صفر!
طيب: حتى لا يظنّ البعض أنّ 480 × 640 هي أبعاد كبيرة للشاشة، دعنا نفترض أنّ دقة الشاشة هي 80 × 80 نقطة فقط!.. هذا سيجعلنا ننتظر 10 أس 2000 من السنوات!!
فلنقلص الشاشة إذن إلى: 20 × 20 نقطة، أي حوالي 5% فقط من أبعاد شاشة الحاسب العادية، أي شاشة قطرها أقلّ من بوصة!!.. طبعا هذا غير كاف لرسم لوحة واضحة المعالم والتفاصيل، لكن سنفرضه!!.. هذا يعني 2 أس 400 = 10 أس 120، وهو ما يحتاج إلى أكثر من (10 أس 80) عاما لتجربتها، أي مليار مليار مليار مليار مليار مليار مليار مليار مليار سنة!!
طيب.. سنفترض أنّ لكلّ لوحة مليار نسخة مقاربة، ناتجة عن اختلاف مواضع بعض النقاط، بحيث يمكن مطابقتها بالصورة الحقيقيّة باختلافات طفيفة.. هذا مستحيل مع لوحة حجمها 20×20 نقطة لكن سنفرضه!!.. هذا لن يغيّر شيئا يذكر في الأرقام المذكورة!!.. سننتظر 10 أس 71 عاما، بدلا من 10 أس 80 عاما!!
فليكن: دعنا نكن أسخياء، ونفترض أنّ لكلّ لوحة مليار مليار احتمال.. هذا سيجعلنا ننتظر 10 أس 62 عاما!!


طيب: دعونا نقل التالي لإخوان داروين:
عدد أنواع الأحياء على سطح الأرض يقدّر بنحو 4.5 مليون نوع.. ما هو احتمال أن نحصل على مجرّد لوحات مسطحة بالأبيض والأسود لأيّ من هذه الأحياء، لو شغلنا برنامجنا للرسم العشوائي؟!
هذا الاحتمال سيساوي 4.5 مليون / (10 أس 120) = 1 / (10 أس 113)!!!
دعنا نفترض أنّ لكلّ لوحة مليار مليار نسخة مقاربة.. هذا سيجعل الاحتمال 1 / (10 أس 96)!!
أعتقد أنّ كمّ الاستحالات التي تريها لنا الأرقام، يظهر عبثية من يؤمنون بالصدفة المبدعة!
هذا ونحن نتكلّم عن لوحة بحجم صغير (20 نقطة × 20 نقطة) وثنائيّة البعد (مسطحة) بالأبيض والأسود فقط!
فما بالنا عندما نتكلم عن مجسمات ثلاثية البعد؟!
وما بالنا لو لم تكن هذه المجسمات مجرّد رسوم، بل كائنات حيّة من لحم ودم تحمل تركيبا تقنيا معقدا، يستغرق الكلام عنه آلاف المجلدات من حصيلة بحوث العلماء عبر القرون؟!
أريد عاقلا يشرح لي: عن أيّ صدفة نتحدّث بالضبط؟!
من كل الحسابات السابقة نصل إلى هذه الاستنتاجات:
1- فكرة رسم كل الصور عشوائيا فكرة مستحيلة عمليا، حتى لو كانت صورا مصغرة بالأبيض والأسود فقط.
2- الصدفة والتجريب العشوائي، غير قادرين عمليا على ابتكار أي شيء.. وكما لا يمكن بأي حال أن يرسم السحاب لوحة الموناليزا على صفحة السماء، أو ترسمها الرياح على رمال الصحراء، فإنه لا يمكن بأي حال أن يكون هذا الكون وهذه المخلوقات قد ظهرت للوجود بدون تخطيط وتدبير من لدن حكيم خبير، خالق كل شيء، بديع السماوات والأرض، سبحانه وتعالى عما يشركون.
3- علينا الآن أن نزداد إعجابا وتقديرا بكل موهوب رسم لنا لوحة جميلة، أو أبدع لنا قصة مبتكرة، فمن حسابات الصدفة التي رأيناها، يتضح لنا تماما أن هؤلاء المبدعين قد وفروا على البشرية أعمارا هائلة من التجريب العبثي في محيط هائل من القبح والفوضى والعشوائية للحصول على بعض اللوحات أو الكلمات الجميلة!
4- هناك إعجاز حقيقي في امتلاك الإنسان للخيال والابتكار والإبداع، وهو عائق سيظل يعجز أمامه كل من يحاولون صنع إنسان آلي ذي ذكاء صناعي، فالإرادة والمشاعر والخيال والابتكار والإبداع كلها أمور غير خاضعة لمعادلات رياضية، وفكرة برمجة إنسان آلي رسام يجرب كل احتمالات الصور ليحصل على لوحة مبدعة ستجعله يقف مشلولا أمام لوحة بيضاء إلى يوم القيامة!
إننا نتكلم عن إبداع مذهل للخالق سبحانه، الذي منح الإنسان الخيال، والمشاعر التي تعمل كالمرشح لهذه الخيالات فيما نسميه باسم الذوق، والحواس التي تلتقط جمال الكون وجمال المخلوقات لتستقي منها أجمل الإبداعات.. فكيف لإنسان آلي أن يصل إلى هذا مهما احتوى من برمجيات؟
هذا يرد على فكرة فيلم IRobot، فالفيلم يتصور أن بعض الأخطاء العشوائية في برمجة أحد الروبوات ولدت لديه الإحساس والإرادة والذكاء!.. لكن كما رأينا: الصدفة والعشوائية لا توصلان إلى أي شيء على الإطلاق!

أعلن علماء أمريكيون يوم 20 مايو 2010 أنهم أنتجوا أول خلية حية!
فما حقيقة هذا الامر؟؟؟
تفضل هنا و ستعرف

http://antishobhat.blogspot.com/2012/09/20-2010-dna.html

في ضوء المعلومات الوراثية الحديثة، نكتشف أنّ كلّ البشر هم في الحقيقة قالب واحد، لكنّه يختلف فقط في بعض الخصائص الوراثية المخزنة على شريط DNA.. الآن أصبحنا نفهم أنّ كلّ المطلوب لبعث البشر جميعا هو المواد الأولية اللازمة لبناء أجسادهم (متوفرة في التربة)، والشفرة الوراثية التي تحوي سماتهم (محفوظة في علم الله، كما أنّ هناك خلايا في عصعص الإنسان لا تذيبها الأحماض ولا تفتتها الانفجارات!)، وآلية لترجمة الشفرة الوراثية لإعادة بناء الجسم من عناصره الأولية (وهي عملية سهلة، فهي مجرّد إعادة لعملية الخلق التي حدثت من قبل بالفعل!.. أليست إعادة الشيء أسهل من بنائه؟).
ألا يوضّح لنا هذا كيف أن خلق وبعث كلّ البشر هو مجرّد تكرار لعملية خلق وبعث نفس واحدة؟.. فكّر في خطوط إنتاج المصانع، أو في تعريف نسخ من نفس الفئة Class في البرمجة مع تغيير بعض خصائص كل كائن Object تم تعريفه ليختلف عن الآخر، ولله المثل الأعلى.
الملفت للنظر، أنّ الآية السابقة لهذه الآية مباشرة، هي قوله تعالى:
(وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {27})
لا داعي للكلام عن كلّ نعم الله التي لا تحصى.. فكّر فقط في المعلومات الموجودة على شريط DNA الخاص بالبشر، والذي يحوي ما يعادل نصف مليون صفحة من المعلومات، تضم ثلاثة بلايين شفرة مختلفة.. فإذا دوَّنا كل المعلومات الموجودة في جزيء (د ن أ) واحد على الورق، فسيمتد هذا الورق من القطب الشمالي إلى خط الاستواء!!.. وهو ما يوازي نحو 10000 مجلد، صالحة لملء مكتبة كبيرة.. وإذا شرع شخص ما في قراءة شفرة (د ن أ) واحدة كل ثانية دون توقف، طوال اليوم وكل يوم، فسيستغرق ذلك منه 100 سنة!!.. هذا يؤكد لك طبعا أنك لن تحصي نعم الله عليك، لأنك قبل حتى أن تنهي مجرد قراءة معلوماتك الوراثية التي تجعلك تحيا وتتميز عن غيرك، فسيكون عمرك قد انقضى!!.. سبحان الله.. لهذا استغرق مشروع الجينوم البشري ـ الذي اضطلع به أسطول من أساطين العلماء والباحثين من عدة دول متقدمة ـ عشر سنوات كاملة لتدوين هذه البيانات!
هذا عن شفرات شريط واحد.. فما رأيك إذن أن نبحث في عدد احتمالات تباديل وتوافيق هذه المعلومات، لتكوين أشرطة DNA مختلفة عن بعضها (بمعنى آخر: بشر يختلفون عن بعضهم)؟
كما ذكرنا من قبل، فإنّ معلومات الحمض النووي تتكوّن من 4 حروف مختلفة (4 مركبات كيميائية) تتراص في كلمات طول كلّ كلمة منها 3 حروف.. هذا يعطينا (4 أس 3) أي 64 كلمة مختلفة.. هذه الكلمات هي الشفرات الوراثية.
وهناك حوالي 3 مليارات موضع للشفرات على شريط DNA (قرأت في مصدر آخر أنها 8 مليارات موضع.. لكن دعنا نأخذ الرقم الأصغر ونرى).. ويأخذ كلّ موضع من هذه المواضع أيّ شفرة محتملة من بين الشفرات الـ 64 المختلفة.. معنى هذا أنّ عدد نسخ DNA المختلفة التي يمكن الحصول عليها تساوي (64 أس 3 مليار) أي حوالي (10 أس 5 مليار).
حاول أن تتخيّل الرقم واحد وعلى يمينه 5 مليار صفر.. هذا رقم لا يمكن حتى مجرد تخيّله!
هل تعتقد أنّ كل أشجار الأرض ـ لو استخدمت كأقلام ـ وكل قطرة من ماء البحار والمحيطات ـ لو استُخدمت كحبر ـ تكفي لكتابة كلّ أنماط البشر الذين يمكن الحصول عليهم من التغييرات الممكنة في معلومات الحمض النووي DNA؟
هذا ونحن نتكلّم عن البشر فقط.. لكن ماذا عن باقي 4.5 مليون نوع من أنواع الكائنات المختلفة على سطح الأرض، والتي تختلف في عدد صبغياتها وأحماضها الوراثية أصلا؟
وصولنا إلى هذه النقطة، يلفت نظرنا إلى حقيقة هامة: وهي أنّ عدد البشر المميزين والمتفردين الناتج عن هذه التباديل، لن يكون بالضبط ذلك الرقم المهول الذي حصلنا عليه، لأنّ بعض الاختلافات لن تجعل الشخص متميزا.. أيضا ليست كلّ الاحتمالات مقبولة، لأن بعضها سينتج أشخاصا مشوهين، أو يحملون سمات غير بشرية، أو سمات تؤدي إلى إعاقتهم عن الحياة وقتلهم أصلا.
فكم يا ترى عدد النسخ الصحيحة الممكنة من وسط كلّ هذه الاحتمالات الهائلة؟
طبعا هذا العدد في علم الله، ولكن يمكننا أن نقول إنّ عدد البشر عبر التاريخ يقع في نطاق مليون مليار، أي 15 صفرا على يمين الواحد.. هذا بافتراض أن التاريخ البشري يمتد إلى مليون عام، وأن هناك مليار شخص يولدون كل عام وهو احتمال مبالغ فيه إلى أقصى درجة!
بل افترض حتى أنّ عدد البشر منذ بداية التاريخ يقع في نطاق 20 صفرا على يمين الواحد.. ثلاثين صفرا.. مئة صفر حتى.. هل يوجد وجه مقارنة بين عدد يحتوي على 100 صفر على اليمين، وعدد يحتوي على 5 مليار صفر على اليمين؟
هذا يجعلنا نفهم أنّ نشوء البشر بالصدفة هو أمر مستحيل، فاحتمالات تشوّههم أو موتهم نتيجة الترتيب العشوائي الخاطئ للمعلومات الوراثية هي احتمالات واسعة للغاية.. وكما يقول أحد الأطباء: إنّ كلّ طفل يولد صحيحا بدون نقص أو تشوّه هو معجزة في حدّ ذاته.. لكنّ هذه المعجزة تحدث وتتكرّر يوميا آلاف المرات.. فعن أيّ صدفة نتكلّم؟
وما دمنا قد وصلنا إلى هذه المنطقة، فلنتأمل قليلا هذا المشهد المهيب:
(وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ {172} أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ {173}) الأعراف.
والآن فلنسأل أنفسنا: كيف يمكن أن يجمع الله البشر جميعا ويشهدهم على أنفسهم؟
بالنسبة للمؤمنين، هذا سهل الحدوث على مستوى الأرواح.. لكن افترض أننا نجادل غير المؤمنين هنا.. دعنا نقول لهم إن الآية تتكلّم بوضوح عن النسل البشري جسديا.. عن أخذ الذرية من ظهور بني آدم (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ).. إذن فمن المنطقيّ أن نتكلّم ها هنا عن الأجساد أيضا، وليس الأرواح فقط.
والسؤال الآن: كيف ينشئ الله كلّ البشر دفعة واحدة، مع العلم أن هذا يتطلّب معرفة الآباء والأمهات أولا ليمكن معرفة سمات الأبناء الناتجين؟
بالنسبة لمن يؤمن بعلم الله المطلق ومعرفته بالغيب، يؤمن أنه من اليسير عليه سبحانه أن يعلم الشجرة البشرية كاملة منذ آدم وحواء إلى يوم القيامة.
لكن أيضا حتى لا نخذل أصدقائنا إياهم، دعنا ننظر للمسألة بصيغة أخرى:
لماذا تجب معرفة الشجرة البشرية كاملة؟.. لماذا لا ننظر للموضوع خطّيا Linearly.. فبدلا من تخيّل الشجرة البشرية بكلّ علاقات التزاوج والأبوة والبنوة فيها، لماذا لا يتمّ مباشرة إنتاج كلّ احتمالات شريط DNA المقبولة التي تنشئ بشرا؟
كما قلنا من قبل، كلّ المطلوب هو شفرة وراثية، ومواد أولية، وخطّ إنتاج لتنفيذ كلّ شفرة إلى منتج بشري (بالنسبة للتقنية الإلهية، فهي أرقى تقنية شهدها الكون: كن فيكون).
وبهذه الطريقة المباشرة يقف البشر جميعا في صعيد واحد أمام خالقهم دون الحاجة إلى أن يعرفوا آباءهم وأمهاتهم، ليشهدهم الله سبحانه على أنفسهم وعلى ألوهيته.. ثمّ ينسون جميعا هذا المشهد كخبرة تحفظها الذاكرة، لكن يظلّ في داخلهم كشعور فطري، وسؤال يبدأ مع كلّ طفل صغير يسأل أبويه: من أين جئتُ، وأين كنتُ قبل أن أجيء، وأين يذهب من يموت؟
أخيرا، في ضوء كلّ ما ناقشناه عن عدد البشر المختلفين المحتملين، يجدر بي أن أسألك:
هل تتعجّب من عدم تطابق بصمات الأصابع لأي اثنين عبر كلّ البشرية منذ نشأت؟.. في الحقيقة لا يقتصر الأمر على بصمات الأصابع فقط، فهو يشمل كذلك بصمة قزحية العين، وبصمة الأذن، وغير ذلك.
هل تستغرب أنه لم ولن يوجد بشريان متطابقان في سِماتهما الجسدية تمام التطابق؟
تذكّر أننا نأخذ نسخ البشر من بين (10 أس 5 مليار) احتمال مختلف.. حتى مع استبعاد احتمالات DNA الفاسدة التي لا تعطي بشرا أحياء أو أسوياء، فستظلّ الأرقام مذهلة.. لا تنسَ أننا نتكلّم عن 5 مليار صفر على يمين الواحد.. ما الذي سيختلف لو أنقصت عدد هذه الأصفار لتصل إلى مليون صفر؟.. بل إلى ألف صفر حتى؟.. ما زلنا نتكلّم عن أرقام خارج الحدود الفلكية نفسها!

ملحوظة:
يقول سبحانه عن بعث الإنسان في سورة القيامة:
(أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَجْمَعَ عِظَامَهُ {3} بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ {4})
والبنان هو طرف الإصبع، وهو موضع البصمة.. فالله سبحانه وتعالى يتحدى الكفار بأنه سيحييهم يوم القيامة، وسيعيدهم طبق الأصل بأدق تفاصيلهم، بما في ذلك بصماتهم.. وكما صار مفهوما لدينا الآن، فإن هذا لا يحتاج إلا إلى حفظ نسخة واحدة فقط من الحمض النووي الخاص بكل إنسان!

قد يقول قائل: لكنّ بصمات الأصابع لا تنشأ عن الثماني مليارات شفرة كاملة، لتتكلم عن كلّ هذه الأرقام!
حسنا.. في الحقيقة أنا لا أعرف عدد الشفرات المسئولة عن تكوين البصمات، لكن لو افترضنا أنه من بين 8 مليارات شفرة على شريط DNA، كان عدد الشفرات المسئولة عن تكوين بصمة الأصابع 30 شفرة فقط، لكان معنى هذا أنّ لدينا (64 أس 30) بصمة مختلفة ممكنة، أيّ حوالي 10 أس 54 بصمة مختلفة، وهو عدد هائل بما يفوق الوصف، يكفي لوجود مليار مليار مليار مليار مليار مليار إنسان ببصمات أصابع مختلفة!
حقّا: سبحان الله العظيم:
(وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {27} مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ {28}‏) لقمان.

البعث والحساب، علميا:
والآن.. ما الغريب في الكلام التالي:
- سنحتفظ بنسخة واحدة من الحمض النووي لكلّ إنسان.. وهذا الاحتفاظ لا يجب أن يكون حيويا، إذ يمكن أن يتمّ عن طريق حفظ معلومات DNA على وسيط الكتروني كأسطوانة ضوئية مثلا!.. لكن حتى لو أردنا الاحتفاظ بالمعلومات الوراثية ماديا فالأمر ممكن، فكما ذكرنا من قبل، فإن مجموع أوزان المادة الوراثية لستة مليارات إنسان هم تعداد سكان العالم حاليا، لا يزيد عن 3 من المئة من الجرام!.. ألا يكشف هذا عن أن الاحتفاظ بنسخة وراثية من البشرية من أولها إلى آخرها لا يحتاج إلى أكثر من صندوق صغير؟!
- سنسجل فيلم فيديو لتصرفات كلّ إنسان، بحيث تكون حجّة عليه، ونريها له بالصوت والصورة لو أنكرها.
- لا يقل لي أحد كيف سنراقب كلّ إنسان.. سنخصّص له قمرا صناعيا يراقبه من الفضاء عبر كلّ الحواجز!
- الآن لدينا السجل الوراثي لكلّ إنسان ونستطيع استنساخ نسخة منه (مثلما تمّ استنساخ النعجة دوللي).. كما أنّ لدينا سجلَّ أفعاله، الذي نستطيع شحن ذاكرته به من جديد.. على الأقلّ عن طريق جعله يشاهده مرّة أخرى!
لعلّكم تلاحظون أنّني لا أتكلم عن أيّة غيبيات.. أنا أتكلم عن معلومات علمية معروفة فعلا في عصرنا الحالي، بعلمنا المحدود القاصر الذي ما زال يتطوّر!
فما بالكم إذن بعلم الله سبحانه وتعالى خالق الكون وخالق الإنسان، والذي أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون؟
أريد أن أعرف الآن كيف يستسهل البعض نفي البعث والحساب، وقد صارا بالفعل حقائق علمية؟!
وقد ردّ القرآن الكريم على تساؤل الكفار عن كيفية استعادة الجسد بعد أن تلتهمه الأرض.. يقول سبحانه:
(بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءهُمْ مُنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ {2} أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ {3} قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ {4}) سورة ق.
صدقت يا رب.. كتاب حفيظ يحتوي على نصف مليون صفحة بحجم صفحات دليل الهاتف من المعلومات الوراثية.. هذا الكتاب المهول مخزن على شريط DNA واحد ضمن 46 زوج من الأشرطة في نواة خلية لا ترى بالعين المجردة!
ورغم أنّ الكفار لم يكونوا يعرفون شيئا عن هذه المعلومات، حيث كانوا يجهلون كل شيء عن تكوين الجنين والمادة الوراثية، إلا أن القرآن لم يترك لهم عذرا.. انظر للبساطة وقوّة المنطق في قوله تعالى:
(اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ {11}) الروم.
شيء منطقيّ جدا: الإعادة أسهل من البدء..وهذه الحقيقة تكرّرت مرات عديدة عبر آيات القرآن.. انظر لقوله تعالى:
(وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {27}) الروم.
لكن الكفار صموا آذانهم وعقولهم عنها.. فهل بقيت لهم حجة بعد هذه الآية:
(أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ {77} وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ {78} قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ {79}) سورة يس.
وفي الآية إشارة لطيفة إلى ذلك الكافر الذي فرك عظاما ميتة بين يديه متحديا الرسول أن يعود صاحبها إلى الحياة يوما، فتذكره الآية الكريمة أنّه مخلوق من نطفة.. لم يكن ليختلف شيء لو فرك المنيّ بين أصابعه كما فرك العظام البالية، ففي كلتا الحالتين هو لم يعرف كيف جاء من هذه ليعرف كيف سيبعث من تلك!.. فأيّ منطق وأيّ حجّة يدّعيها، وهو أساسا لا يعرف ماذا كان قبل أن يجيء ليتحدّى أين سيكون بعد أن يذهب؟
لقد كان الأمر واضحا وبسيطا منذ البداية.. مولد الحياة من أرض ميتة، ومن أرحام الأمهات هو معجزة حقيقية تتكرّر كلّ يوم ملايين المرات بمرأى ومسمع من الناس.. لكن يبدو أنّهم فقدوا القدرة على التمييز والإحساس من فرط الاعتياد!
فلماذا كان على البعض أن ينتظر 1400 عام حتى يثبت له العلم كلّ هذه الحقائق؟
بل ولماذا يصرّ البعض على أن ينتظر سنوات أخرى إلى أن يثبت العلم كلّ ما هو مكلّف بالإيمان به غيبا؟.. أيجب أن ينتظر لقاء تلفزيونيا مع الجنّ والملائكة ليؤمن بوجودهما؟.. وأليس حديثه عبر المحمول من خلال الأقمار الصناعية مع رجل في قارة أخرى، أكثر إبهارا من السحر وخوارق الجن؟



البحث عن الضلال:
تعرفون كيف يبدو مثل هؤلاء المستكبرين؟.. إنّهم كمن ربطوا أعينهم كي لا يرَوا الضوء، ثمّ راحوا يُقسمون بأغلظ الأيمان إنّ العالم مظلم ولا ضوء فيه!
انظروا كيف يطلب عالم التطور الشهير (ريتشارد داوكينز)، من الناس "ألا يتسرعوا بالاستنتاج بأنهم قد شاهدوا معجزة، حتى لو شاهدوا تمثالاً يلوِّح لهم بيده.. ربما تصادف أن كل الذرات في ذراع التمثال قد تحركت في نفس الاتجاه في آن واحد.. إنه احتمال ضعيف بالطبع، ولكنه ممكن"!
طبعا هذا ليس فلتة.. وانظروا معي لبعض نماذجهم.. أنقلها من كتاب (هارون يحيى) الرائع "خديعة التطوّر" :
- يقول أستاذ علم الوراثة الشهير في جامعة هارفارد (ريتشارد ليونتن)، وهو من المجاهرين بآرائهم لصالح نظرية التطور:
"ليس الأمر أن الوسائل أو القوانين العلمية تجبرنا بشكل ما على قبول التفسير المادي للعالَم المدرَك بالحواس، ولكن على العكس، فنحن مدفوعون ـ بتمسكنا البديهي بالأسباب المادية ـ إلى خلق أداة للبحث ومجموعة من المفاهيم تُنتِج تفسيرات مادية، مهما كانت مخالفة للبديهة وغامضة لغير المطَّلع.. وفوق ذلك فإن المادية مطلقة، ولهذا فلا يمكننا السماح لتفسير إلهي بأن يأخذ مكانه على الساحة".
- ويشرح روبرت شابيرو ـ أستاذ الكيمياء في جامعة نيويورك، الخبير في خبايا الحمض النووي DNA ـ اعتقادات أنصار نظرية التطور وإيمانهم بالماديات الكامن خلف هذه الاعتقادات بقوله:
"يجب التوصل إلى مبدأ تطوريّ يستطيع أن يوصلنا من مرحلة خليط المواد الكيميائية البسيطة التي نتكون منها، إلى أول جهاز أو عضو له خاصية وصفة القدرة على الإعادة والتكرار Replicator ( مثل DNA أو RNA).. ويمكن إطلاق اسم التطور الكيميائي أو تنظيم المادة لنفسها ذاتيا على هذا المبدأ.. ولكن لم يتم حتى الآن تعريف هذا المبدأ بشكل دقيق وتفصيلي، بل لم تتم البرهنة على وجوده أصلا حتى الآن.. ويتم الإيمان بوجود هذا المبدأ كنتيجة للإيمان بالمادية الديالكتيكية"
- ويُعد عالم الأحياء الألماني (هومر فون ديثفورت) ـ وهو أحد دعاة التطور المشهورين ـ مثالاً جيداً لهذا الفكر المادي المتعصب.. فبعد أن قدّم (ديثفورت) مثالاً على التركيب المعقد للغاية في الكائنات الحية، يواصل الحديث فيقول:
"هل من الممكن فعلاً أن يكون مثل هذا التناغم والتوافق وليد الصدفة وحدها؟.. هذا هو السؤال الرئيسي في قضية تطور الأحياء.. إن الإجابة عن هذا السؤال بـنعم هي بمثابة تأكيد للإيمان بالعلوم الطبيعية الحديثة.. فمن الوجهة النقدية، يمكننا القول إن مَن يقبل العلوم الطبيعية الحديثة ليس لديه خيار آخر سوى أن يقول نعم، لأنه يهدف إلى تفسير الظواهر الطبيعية بطرق مفهومة ويحاول استنتاجها من قوانين الطبيعة، دون الاعتماد على تدخل أمور ميتافيزيقية.. ومع هذا، وعند هذه النقطة، فإن تفسير كل شيء بواسطة قوانين الطبيعة (أي بواسطة المصادفات) هو علامة عجزه عن اللجوء إلى شيء آخر، فماذا عساه يفعل سوى الإيمان بالمصادفات؟"
- ويقول العالم التركي (علي دميرصوي):
"الحقيقة أن احتمال تكوُّن سلسلة Cytochrome-c بالصدفة هو احتمال ضعيف جداً يكاد يكون صفراً، أي أنه إذا تطلبت الحياة سلسلة معينة فيمكن القول إن احتمال تكوّن هذه السلسلة هو مرة واحدة في حياة الكون، وإلا فلا بد أن تكون قُوى ميتافيزيقية تفوق إدراكنا قد تدخلت في الأمر.. وقَبول هذا الفرض الأخير لا يناسب الأهداف العلمية.. إذن لا بد لنا من النظر إلى الفرص الأول!"
- ويقول (دميرصوي) أيضا:
"إن لب المشكلة هو كيفية حصول الميتوكوندريا على هذه الخاصية، لأن الحصول عليها بالصدفة، حتى بواسطة فرد واحد، يحتاج إلى اجتماع احتمالات لا يستطيع العقل تصورها.. فالإنزيمات التي تتيح التنفس وتعمل كعوامل مساعدة للتفاعلات في كل خطوة وبأشكال مختلفة تمثل لب الآلية، فلا بد أن تشتمل الخلية على هذه السلسلة من الإنزيمات بالكامل، وإلا أصبح الأمر بلا معنى.. وهنا، فإننا لكي نتفادى اللجوء إلى تفسير أكثر تعنتاً أو إلى التكهن، فنحن مضطرون إلى أن نقبل ـ وإن كان ذلك على مضض ـ فكرة الوجود المسبق لكل إنزيمات التنفس في الخلية قبل تعرضها للمرة الأولى للأكسجين، بالرغم من كون ذلك مخالفاً للتفكير العلمي البيولوجي"
- باختصار، يقول (غراسيه):
"الصدفة جعلت من نفسها إلهاً يُعبَد خفية تحت غطاء الإلحاد!!"
- وهو ما يؤكده لنا عالم الكيمياء الحيوية الأمريكي، الدكتور (مايكل بيهي) ـ وهو أحد الأسماء المشهورة التي تؤيد نظرية التصميم الذكي (Intelligent Design) التي لاقت مؤخراً قبولاً كبيراً في الأوساط العلمية ـ واصفا العلماء الذين يقاومون الإيمان بالتصميم أو الخلق في الكائنات الحية بقوله:
"على مدى الأربعين سنة الماضية اكتشف علم الكيمياء الحيوية الحديث أسرار الخلية، وقد استلزم ذلك من عشرات الآلاف من الأشخاص تكريس أفضل سنوات حياتهم في العمل الممل داخل المختبرات.. وقد تجسدت نتيجة كل هذه الجهود المتراكمة لدراسة الخلية ودراسة الحياة عند المستوى الجزيئي في صرخة عالية واضحة حادة تقول: التصميم المبدع!.. وكانت هذه النتيجة من الوضوح والأهمية بمكان، بحيث كان من المفترض أن تصنَّف ضمن أعظم الإنجازات في تاريخ العلم.. ولكن ـ بدلاً من ذلك ـ أحاط صمت غريب ينمّ عن الارتباك بالتعقيد الصارخ للخلية!!.. ولكن لماذا لا يتوق المجتمع العلمي إلى قبول هذا الاكتشاف المذهِل؟.. لماذا يتم تكميم مفهوم التصميم المبدع بقفازات فكرية؟.. تكمن الورطة هنا في أن قبول فكرة التصميم الذكي المبدع او الخلق، يؤدي حتماً إلى التسليم بوجود الله.

يتبع إن شاء الله.......

هناك تعليق واحد:

  1. الله أكبر، ماشاء الله، جعله الله في ميزان حسانتك

    ردحذف