متسرع؟!

عنيد؟!

مؤمن أعمى؟!

لا طبعاً، بل كل هذا يُخلط في بوتقة واحدة لينتج لنا ما نعرفه

بـالمـخـلوق الدارويني.

الإيمان الدارويني لا يجعل العلم أعمى، ولا أعور، بل يجعله أحول

نعم، أحول بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فتصبح النتائج عرضة للتأويل والتقييم وفق الإيمان الدارويني.

ولأن الملاحدة من الدراونة يحولون نتائج البحوث إلى صراع فكري وإيدولوجي، فلابد أن نرد بنفس الأسلوب ونعيد تحليل النتائج بل وإظهار أحدث الدراسات وأثرها على الاعتقاد السائد

الدراسات الحديثة، تحمل في طياتها مخاطر كبيرة على الإيمان الدارويني

لقد أشرنا في مقال سابق أن التقارير المبنية على بحوث الجينات تشير وبوضوح إلى أن النيانتردال هو إنسان كامل بالضرورة، مما أدى بالعلماء إلى تصنيفه "كإنسان قديم" (1،). ولكن ماذا عن الفروق التشريحية الظاهرية التي أدت أولاً إلى تصنيف النيانتردال كنوع آخر مختلف كلياً من قبل العلماء؟ اليوم، قد تبين أن الجواب يمكن أن يوجد بالوراثة فوق الجينية بحسب البحث المنشور حديثاً (2).

الوراثة فوق الجينية، في الصورة الأكثر حداثةً، تشير إلى التغييرات الكيميائية القابلة للتوريث التي تمت بواسطة الآلات الخلوية على الحمض النووي DNA لتعديل وظيفة الجين بلا تعديل فعلي لشفرة الحمض النووي. وفي مجال علم الجينوم (ويترجموه للعربية علم المجينيات) فهو يعرّف بدقة أكبر كتعديل للكروماتين. الكروماتين هو الشيء الذي يتم صنع الكروموسومات منه، والذي يحتوي على جزيئات الحمض النووي ملفوفة حول بروتينات تدعى الهستونات. كلا الحمض النووي وبروتينات الهستون يمكن تعديلهما كيميائياُ للتحكم بعمل الجينات، وعملية التنظيم هذه تتم على طول الكروموسوم.

إن ما يحدث بشكل خاص هو أن جزيء الحمض النووي يتم تعديله بواسطة إضافة مجموعات الميثيل لنيوكليدات السايتوسين، وهذه العملية تعرف بميثيلية الحمض النووي methylated the DNA. بشكل عام، كلما كانت ميثلية الحمض النووي أكثر عند بداية منطقة الجين، كلما كانت فعالية الجين أقل. وتُعرَف أنماط ميثيلية الحمض النووي خلال الجينوم بالـ methylome ويمكن مقارنتها بين الجينومات المتشابهة وربطها بنوع محدد من نشاط الجين.

في تقرير حديث في مجلة Science المرموقة علمياً، درس الباحثون ميثيلية نوعين مختلفين من النيانتردال باستخدام طريقة جديدة غير مباشرة لتحليل الحمض النووي القديم (2). وقد دعّموا دراستهم لميثيلية الحمض النووي بواسطة الإنسان الحديث، وقد قالوا أن "أكثر من 99% من كلا الجينومين القديمين أظهرا لا فروق واضحة في الميثيلية مع المقارنة مع جينوم الإنسان الحالي." وكتأكيد آخر للتقنية التي استخدموها، قاموا بتحليل أنماط ميثيلية في النيانتردال ومقارنتها مع الإنسان الحديث في "جينات التدبير المنزلي" – وهي جينات مطلوبة لصيانة الوظائف الخلوية الأساسية. وكانت الأنماط الميثيلية متطابقة بالمقارنة مع الإنسان الحديث، مما يشير إلى أن منهجية الدراسة كانت دقيقة بشكل مقبول.

ولكن، الجزء الأكثر إثارة للاهتمام في هذه الدراسة، هو الذي قال الباحثون فيه: "في كل انسان قديم وجدنا 1100 منطقة ميثيلية متمايزة." وبينما بعض تلك المناطق يمكن ربطها مع التنوع السكاني فقط، إلا أن فروقات ميثيلية واضحة بين النيانتردال والإنسان الحديث تم إيجادها في مناطق الجينوم المشاركة في التحكم وتنظيم عناقيد جين هوكس Hox. والمتعارف عليه أن جينات هوكس مرتبطات بنمو العظم والهيكل العظمي. ولهذا فإن مؤلفي البحث يؤمنون بأن التغييرات التنظيمية في هذه المناطق والمُقادة بواسطة الوراثة فوق الجينية كانت الجذر للفروقات التشريحية المتعددة بين الإنسان الحديث والنيانتردال، بالرغم من أن سلسلة الحمض النووي للإنسان والنيانتردال هي نفسها أساساً.

علمياً، فالوراثة فوق الجينية تتأثر بالحمية الغذائية، نمط الحياة، والعوامل البيئية. وحقيقةً فالنيانتردال كان يعيش في حقبة قد يكون فيها المناخ يختلف بشكل جلي عما نحن فيه الآن (3) مما أدى إلى تغيير محتمل بأشكالهم. وبالتالي فالدراسات الحديثة تدق مسماراً آخرَ في نعش التطوّر، بالرغم من محاولة التطوريين الاستماتة لإيجاد فروق حسب البحوث القديمة، ولكن مع البحوث الأخيرة فالوضع اختلف كثيراً.

References

1-النيانتردال، بشر أم أشباه بشر؟

2- Gokhman, D., et al. 2014. Reconstructing the DNA Methylation Maps of the Neandertal and the Denisovan. Science. DOI: 10.1126/science.1250368.

3- http://www.bbc.co.uk/sn/tvradio/prog..._summary.shtml