الفيزياء ووجود الخالق

تعليق الكتاب: الفيزياء ووجود الخالق: مناقشة عقلانية إسلامية لبعض الفيزيائيين والفلاسفة الغربيين

يقول المؤلف في مقدمة كتابه:
... لذلك فأنا لا أناقش في هذا البحث الحقائق أو النظريات الفيزيائية وإنما أناقش الطريقة التي استخدم بها هؤلاء الفيزيائيون هذه الحقائق والنظريات في إثباتهم لما أثبتوه أو إنكارهم لما أنكروه مما له تعلّق بقضية وجود الخالق. المناقشة عقلية تبدأ بالتسليم للفيزيائيين بما يقررون من حقائق وما يرجحون من نظريات لترى مدى عقلانية الحجج التي استخدموها في استنتاج ما استنتجوه أو ترجيح ما رجحوه مما هو ذو صلة بموضوعنا هذا

للتحميل اضغط هنا 


http://www.goodreads.com/ebooks/download/6163846?doc=20587

فصل من كتاب " الفيزياء ووجود الخالق " للشيخ الدكتور جعفر شيخ إدريس حفظه الله ونفع بعلمه .

الفصل الأول
الإلحاد في العصر الحديث

1- ظاهرة الإلحاد :

كان الناس في الماضي يعتقدون اعتقاداً جازماً بوجود خالق مدبر للكون، وكانوا يعدُّون هذا من البدائه العقلية، وكان الإلحاد – بمعناه الحديث الذي هو إنكار وجود هذا الخالق – أمراً شاذاً لا يقول به إلا فرد بعد فرد من الناس.

وظل الأمر كذلك حتى القرن الثامن عشر الميلادي تقريباً(1) ، ثم بدأ الإلحاد يحل محل الإيمان عند كثير من قادة الفكر الأوروبي، وصار بعد مقدم الشيوعية هو (الدين الرسمي) لدُوَلها.

ولمَّا صارت للإلحاد هذه المكانة في الغرب، ولمَّا كانت هذه الحضارة الغربية هي الحضارة السائدة في عصرنا؛ فقد انتشر هذا الإلحاد، وانتشرت أكثر منه لوازمه في أرجاء المعمورة انتشاراً لم يعهد له مثيل فيما مضى من الزمان(2).

-------------------------------------------------

(1) أول كتاب يصرح بالإلحاد ظهر في أوروبا عام 1770م، وفي بريطانيا في عام 1782م.

(Atheism in Britain, p.3)

(2) هذا مع أن الملحدين ما زالوا – من الناحية العددية – قلة قليلة حتى في الديار الغربية. ففي استطلاع للرأي العام أجرته صحيفة نيويورك تايمز – (27/2/1993م، ص9)، (ثقافة الكفر، ص4) – صرح 96% من الأمريكان بأنهم يؤمنون بالله.

وفي استطلاع أحدث أجرته مجلة US News and World Report كانت النسبة قريباً من ذلك. فقد صرح 93% بأنهم يؤمنون بالله، وصرح 5% فقط بأنهم ملحدون. (4/4/1994م، ص48).

مثل هذه الإحصاءات تُحرج كثيراً من الملحدين الذين يريدون أن يربطوا بين التقدم العلمي والرفاه المادي وبين الإلحاد. فالولايات المتحدة أكثر الدول الغربية تقدماً في الأمرين معاً، وأكثرها ديمقراطية لكنها أكثرها ديناً.

-------------------------------------------------

وكان من نتائج ذلك:

أن صار الإلحاد – من الناحية العلمية والعقلية – هو الموقف الطبيعي الذي لا يحتاج إلى دليل ولا برهان !! وصار المؤمن هو المطالب بمثل هذا الدليل .

وأن صار الملحد هو الذي يتحدى المؤمن ويتهمه بعدم العلمية، وعدم العقلانية، وبالتقليد، والانسياق وراء العواطف !

وأن صار إظهار الاهتمام بالدين – ولا سيما في وسائل الإعلام العامة – أمراً مستغرباً بل منكراً !

يقول صاحب كتاب (ثقافة الفكر):

"إنه ما أن نشرت مجلة نيوزويك مقالاً عن الدين حتى جاءها خطاب – نشرته – من قارئ يلومها على إفساح المجال لمثل هذا الهراء"،

ثم يعلق على ذلك قائلاً:

"من حيث الإحصاء ، فإن كاتب الخطاب ينتمي إلى الأقلية …

أما سياسياً وثقافياً فإنه ينتمي إلى التيار الأمريكي الغالب؛

لأن أولئك الذين يُصلُّون بانتظام – بل أولئك الذين يؤمنون بالله – يحرصون على إبقاء ذلك في السر، بل على عدِّه سراً يخجل من[إفشائه].

وذلك أنه فيما عدا الالتجاء إلى الله الشعائري [الظاهري] المتوقع من سياسيينا؛ فإن الأمريكي الذي يأخذ دينه مأخذ الجد، ويعدُّه شيئاً مأموراً به لا مجرد خيار؛ يخاطر بان يُعدَّ من المارقين" (1).

-----------

(1) ثقافة الكفر، ص4.

-----------

وأن صار الدين هو (الظاهرة الاجتماعية) التي تحتاج إلى تفسير، وأما عدم التدين فهو الأمر الطبيعي الذي لا يستدعي دراسة ولا بحثاً ولا تنقيباً !!

وأن صار الإلحاد هو القاعدة – المعلنة أو المضمرة – التي تقوم عليها فلسفة العلوم، طبيعية كانت أم اجتماعية أم إنسانية !! فصار الإلحاد لذلك جزءاً من مفهوم العلم !!

ومن هنا جاءت المقابلة بين ما يسمى بالتفسير العلمي والتفسير الديني !

فالتفسير العلمي : هو التفسير الذي يفترض أن الكون مكتف بنفسه، لم يخلقه ولا يصرِّف أمره خالق !

وأما التفسير الديني فهو الذي يجعل للإرادة الإلهية تدخلاً في حوادث الكون.

وإذا كان العلم قد وُضع – بسبب فلسفته الإلحادية – في مقابل الدين !

فقد وُضع الدين – مهما كان نوعه !! – في زمرة الكهانة والسحر وسائر أنواع الشعوذة والأساطير !!

أو عُدَّ – حين يحترم – من قبيل : الأدب والفن الذي يعبِّر عن المشاعر ولا يقرر الحقائق !

وقد صاحب هذا الإلحاد في أوروبا تطور هائل لم يعهد له مثيل في مجالات العلوم الطبيعية، وما يقوم عليها من تقنية دخلت نواحي الحياة المختلفة وسهلتها.

فربط الناس في الغرب بين هذا وذاك؛ فاعتقدوا أن هذا التطور ما كان ليحدث لولا اطِّراح الدين وإحلال الفلسفة المادية الإلحادية العقلانية التجريبية محله !!

وتبع الغربيين في هذا الاعتقاد خلق كثير من الأمم الأخرى، فظنوا أنهم لا يمكنهم أن يبلغوا شأو الغربيين في التقدم العلمي والتقني، إلا إذا هم حذو حذوهم في اطِّراح الدين واعتماد الفلسفة الإلحادية !

ولم يقتصر أثر هذا الفكر الإلحادي على مجال العلوم، بل دخل حياة الناس الاجتماعية والسياسية.

فكما أن الدين أُقصي عن المجال العلمي المشترك بين العلماء، وصار في أحسن حالاته مسألة خاصة بالعالم لا يجرؤ على ذكرها، دعك من الدفاع عنها أو الدعوة إليها !

فقد أُقصي أيضاً عن المجال السياسي حتى في البلاد الإسلامية – إلا ما رحم ربك – وكاد أن يصير – كما قد صار في الغرب – مسألة ذاتية تخص الفرد، ولا تتعلق بدساتير البلاد وقوانينها وسياستها الداخلية أو الخارجية أو التعليمية أو الإعلامية.


2- أسباب انتشار الإلحاد في هذا العصر:


ما الذي حدث فقلب الأمور هكذا رأساً على عقب ؟

لماذا تحول كثير من الناس في الغرب هذا التحول العجيب من الاعتراف بربوبية الخالق إلى إنكار وجوده، بل إلى محاربة المؤمنين بوجوده حرباً ضارية بالأقلام، وأحياناً بحد السنان، كما حدث في البلاد الشيوعية؟

لقد حاول كثير من الغربيين أنفسهم تفسير هذه الظاهرة، والإجابة عن مثل هذه الأسئلة، وكتبوا في ذلك كتباً كثيرة.

ويمكن أن نجمل ما ذكروه في الأسباب الآتية:

1- التناقض الشديد بين كثير من دعاوى الدين الذي ورثوه والعلم التجريبي الذي اكتشفوه:

فقد وجدوا وما زالوا يجدون كثيراً من دعاوى دينهم مخالفة لما أثبتته علومهم التجريبية.

والأمثلة على ذلك كثيرة تجد بعضها في كتاب (موريس بوكاي) : (العلم والكتاب المقدس والقرآن).

2- تناقض بين منهج العلم التجريبي القائم على الدليل الحسي أو العقلي، ومنهج دينهم التسليمي :

بين منهج العلم الذي يشترط الاتساق المنطقي، ومنهج الدين الذي يقبل المتناقضات العقلية على أساس أن حقائق الدين يقبلها القلب وإن رآها مخالفة لصريح العقل !

3- خوض كثير من علماء الدين وغيرهم من المثقفين المتدينين في المسائل الغيبية ، والحديث عنها بمجرد الرأي الذي لا سند له من كتابهم ولا دليل عليه من غيره. من ذلك مثلاً ما كتبه (نيوتن) من كلام مفصل عن طبغرافية جهنم !!

4- تعصب بعض العلماء الطبيعيين المتدينين تعصباً يجعلهم يحاولون ليَّ أعناق الحقائق العلمية لتوافق الدعاوى الدينية:

من ذلك أن:

"المطران (جيمز آشر)، وهو دارس مشهور للكتاب المقدس، … استنتج من تحليل متأن لنصوص الكتاب المقدس أن الأرض خلقت عام 4004 قبل الميلاد. نشرت هذه النتيجة التي توصل إليها رئيس الأساقفة في عام 1650م، ولم تلبث أن ألحقت بهامش سفر التكوين من النسخة المعتمدة للكتاب المقدس، وظلت به حتى زمان فكتوريا، ولا يزال من الممكن وجودها أحياناً حتى اليوم" (1).

----------------

(1) Facts, Milton, p.40.

---------------

لم يكن غريباً أن يأتي هذا الزعم من رجل دين يعتمد على كتابه المقدس، لكن الغريب أن معاصراً لهذا الأسقف، هو مدير جامعة كيمبردج آنذاك أيَّد هذا الزعم بل ذهب إلى أبعد من هذا؛ إذ زعم أن: " الثالوث خلق الإنسان في الثالث والعشرين من أكتوبر عام 4004 عند الساعة التاسعة صباحاً. كما أوضح رونالد ميلر؛ فإن مديراً لجامعة كمبردج هو وحده الذي تبلغ به الجرأة أن يجعل تاريخ خلق الإنسان ووقته موافقاً لبداية العام الدراسي" (1) .

----------------

(1)Facts, Milton, P.40

---------------

5- والخلاف بين العلم والدين لم يقتصر على مسائل الدين الفرعية، بل شمل مسائله الأصولية:

فمن المعروف الآن حتى عند علماء اللاهوت أنه ليس هنالك دليل علمي على أن الكتاب الذي يقوم عليه الدين كله هو من قول المسيح. بل المعروف أنه كتبه أناس آخرون منهم من هو معروف ومنهم من ليس بمعروف، وأنهم كتبوه بعد موته بآماد طويلة، وأن هنالك تناقضاً في أقوال هؤلاء الكتاب، حتى صارت دراسة مثل هذا التناقض تسمى عندهم بالنقد الأعلى.

6- قد شمل التناقض فكرة الإلوهية نفسها :

فبينما يوصف الإله بأنه هو الخالق، ينسب إليه الولد !!

وبينما يقال إن عيسى ابن الله، يقال إنه صلب !!

وبينما يقال إن الإله واحد، يقال إنه مكوَّن من ثلاث أقانيم هي الأب والابن وروح القدس !! وهكذا.

7- رأى بعض المؤمنين من النصارى أن وصفاً كهذا لله إذا أُخذ على ظاهره الذي تدل عليه اللغة جعل الخالق – تعالى – مشابهاً للمخلوقات، ففروا من هذا التشبيه إلى ما كان يسميِّه علماؤنا بالتعطيل :

فلم يكتفوا بتأويل هذه الصفات التي تدل على المشابهة ، بل أوَّلوا كل الصفات الأخرى، فجعلوا الخالق شيئاً مجرداً، فهو لا يوصف بالعلو، ولا بالمباينة للمخلوقات ، ولا بأن له ذاتاً ، ولا شخصاً ولا صورة ! وإنما هو شيء مجرد لا يوصف بصفة من الصفات الثبوتية ، كالحياة والسمع والبصر والكلام !!

كتب احد القساوسة قريباً كتاباً أسماه: (الإله الباطني) ! زعم فيه : أنه ليس لله – تعالى – وجود خارجي !!! وأن الإيمان بالله إن هو إلا إيمان بمجموعة من المُثُل والمبادئ الخُلُقية !!

هذا التصور التعطيلي للخالق، أصبح الآن هو التصور الشائع بين جماهير المثقفين من أهل الديانتين النصرانية واليهودية، بل ربما كان الأمر قريباً من ذلك حتى بين كثير من (المثقفين !) من المسلمين.

إن المسافة ليست بعيدة بين هذا التصور التجريدي للخالق وبين الإلحاد : الإلحاد إنكار لوجود الخالق، وهذا إنكار لكل صفاته.

وهل يكون وجود (أي ذات) إلا بصفات ثبوتية ؟!

فمن أنكر كل الصفات الثبوتية فقد أنكر الوجود شعر بذلك أم لم يشعر؛ ولذا كان مثل هذا التصور لوجود الخالق مقدمة ممهدة للإلحاد .

وقد فطن أئمة علماء السنَّة إلى هذا فكانوا يقولون : " إن المشبه يعبد صنماً ، والمعطل يعبد عدماً " .

المشبه هو الذي يجعل صفات الخالق كصفات المخلوقين، فيده كأيديهم وعينه كأعينهم .. وهكذا ؛ مع فارق واحد هو عظم هذه الصفات حين يوصف بها الخالق.

والمعطل هو الذي يفر من تشبيه الله بالمخلوقات ليقع في تشبيه شر منه هو تشبيهه بالمعدومات !! لأن المعدوم هو الذي يوصف بكل صفة سلبية، كأن تقول هو ليس طويلاً ولا قصيراً ولا عالياً ولا سافلاً ولا مادة ولا روحاً، ولا داخل العالم ولا خارجه .. وهكذا، ولا يوصف بصفة ثبوتية كأن تقول هو كبير وعظيم وسميع وبصير وحي وعالٍ .. وهكذا.

أدرك علماء السنَّة خطر هذا التصور للخالق فألَّفوا الكتب الكثيرة في الرد على أصحابه من الجهمية والمعتزلة وغيرهم، ولولا ذلك لوجد الإلحاد طريقه إلى العالم الإسلامي كما وجده إلى العالم الغربي.

ولكن أنواعاً من هذا التصور التعطيلي تعود الآن فتنتشر بين المثقفين ! في عالمنا الإسلامي بسبب ذلك التاريخ ثم بسبب التأثر بالفكر الغربي.

- ولم يكن الخلاف خلافاً (علمياً) مع الدين فحسب ، بل كان أيضاً خلافاً أخلاقياً وسياسياً مع الكنيسة التي تتحدث باسم هذا الدين. لأسباب مثل هذه اعتقد كثير من المؤمنين بوجود الخالق والمدافعين عن هذا الإيمان؛ أنه ينبغي أن لا يربط الإيمان بالله بالدين.

قال أحد مؤرخي الإلحاد في الحضارة الغربية:

" أن يكون هذا [ أي الدفاع عن وجود الخالق ] من غير لجوء إلى الكنيسة ، كان يبدو بدهياً ؛ فقد كانت الكنيسة جزءاً من المشكلة ، جزءاً من المرض الذي كان يصيب كل معرفة بالله ، لا جزءاً من العلاج . لقد كانت الكنائس هي الأرض التي أنبتت الإلحاد" (1)

--------

(1) Atheism, Buckley, P.38.

--------

9- وكان من أكبر أسباب الإلحاد : بعض القواعد الفكرية التي أصلَّ لها ودافع عنها فلاسفة مشهورون محترمون مؤثرون، كانوا في أنفسهم مؤمنين لكن قواعدهم الفكرية تلك كانت في حقيقتها قواعد للإلحاد؛ ولذلك اقتنع كثير ممن جاء بعدهم بتلك القواعد الفكرية وأسسوا عليها إلحادهم، واعتبروا إيمان أولئك الفلاسفة الذين قعَّدوها أمراً شخصياً لا يتناسب مع ما قعَّدوا من قواعد عقلية.

كان من هؤلاء الفلاسفة (ديكارت) الذي أتى بنظرية للطبيعة ، ومن ثم للعلوم الطبيعية، فحواها : أن الطبيعة – بعد أن خلقها الله – صارت مستقلة تماماً بقوانينها التي أودعها إياها، ولم يعد الخالق يتدخل في شؤونها أو يوقف فاعليتها !!

صار الخالق إذن شيئاً بعيداً عن حياة الناس اليومية واهتماماتهم الحالية !!

صار شيئاً يمكن أن تستمر الحياة من غير لجوء إليه أو حتى تذكره !!

ولم يعد من ضرورة لذكره إلا إذا كان الحديث عن بداية الخلق .

لم يلبث هذا الخالق السلبي أن تحوَّل عند كثير من العلماء الطبيعيين إلى مجرد اسم مجازي للمبدأ أو المبادئ التي يقوم عليها نظام الطبيعة.

إن كثيراً من الناس يظنون أن إينشتاين كان مؤمناً بالله حين يسمعون ذكره لله في عبارات مثل قوله المشهور: " إن الإله الرب لا يقامر". لكن إينشتاين إنما كان يستعمل هذه العبارة مجازاً ليعرب عن رفضه للنظرية التي تقول بان المصادفة حقيقة موضوعية في بنية الكون وليست أمراً نسبياً خاصاً بالمشاهد للكون.

وفي أيامنا هذه قال الفيزيائي (جورج سميث) الذي اكتشف وجود (تجعدات) في الإشعاع الكوني الخلفي ترجع إلى ثلاثمائة ألف سنة الأولى لعمر الكون، والتي كانت النواة التي تكونت منها الأجسام الكونية بحسب نظرية الانفجار العظيم، قال وهو يعلن ذلك الاكتشاف ويشرحه لغير المختصين في مؤتمر صحفي عام 1992:

"إذا كنت متديناً فكأنك ترى الله".

وكانت هذه العبارة من بين كل ما قال في شرح اكتشافه هي التي تناقلتها وسائل الإعلام ونشرتها على نطاق واسع في العالم كله. لكنه حين كتب كتابه المسمَّى: (تجعدات في الزمان) قال – وكأنه يعتذر لإخوانه الفيزيائيين -:

" في علم الكون يتلاقى علم الطبيعة بالفلسفة ، عندما يقترب البحث من السؤال الأقصى عن وجودنا فإن الخطوط الفاصلة بينهما تكاد تنطمس.

إن إينشتاين الذي وهب نفسه للتفسير العقلاني للكون، قال ذات مرة: "إنني أريد أن أعرف كيف خلق الله العالم ؟ أريد أن اعرف أفكارهلقد قصد أن يكون هذا مجازاً، لقد كان يعبر به عن المدى العميق الذي ذهب إليه في البحث. ولقد كانت ملاحظتي التي كثر الاستدلال بها مصوغة في هذا القالب نفسه" (1)

------

(1) تجعدات في الزمان، جورج سميث، ص 289.

------

وكان منهم ( كانط ) الذي زعم أن مبدأ السببية مبدأ خاص بعالمنا هذا.

إن مسلك هؤلاء الفلاسفة يدل على حقيقة ينبغي أن نعتبر بها ، وهي أن الإنسان قد يكون في نفسه مؤمناً – أو منتسباً إلى جماعة المؤمنين – ويكون في بعض فكره كافراً.

وشأن الفكر هنا كشأن السلوك ؛ فالإنسان يكون مؤمناً لكنه يكون منطوياً على جاهلية ، ويتصرف تصرفاً جاهلياً لا يتناسب مع إيمانه ، بل يتناقض مع ذلك الإيمان. ألم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم : " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " (2) ؟ كذلك الفكر ، لكن الانحراف الفكري أعظم خطراً على المنحرف وعلى غيره من الانحراف السلوكي.

------

(2) أخرجه البخاري في كتاب الحدود، باب: الزنا وشرب الخمر، رقم 2475، ومسلم في كتاب

الإيمان، باب: في بيان نقصان الإيمان بالمعاصي، رقم 57.

-------

لقد مر المسلمون في تاريخهم بتجارب من هذا النوع :

لقد كان الجهمية مثلاً معلنين للإسلام بل كان فيهم عُبُّاد ، لكن تصورهم لصفات الله – تعالى – كان تصوراً إلحادياً ، كما ذكرنا قبل هنيهة.

فلولا أن الله تعالى أنقذ الأمة بجهابذة من علماء السنَّة بينَّوا زيف ما يقولون عقلاً ونقلاً لربما كان لهم في تاريخنا أثر مثل أثر أولئك الفلاسفة الغربيين.

لقد استطاع علماء السنَّة أن يبينوا أن القواعد التي قعَّدها الجهمية زائفة عقلاً، وأنه يلزم عنها الإلحاد.

- من المسائل التي يتكرر ذكرها في كتابات الغربيين تعليلاً لنفورهم من الدين: كثرة الحروب والمآسي التي حدثت في تاريخهم بسبب الخلافات الدينية.
يقول عالم الأحياء البريطاني (بيتر مدور) – كما نقل عنه (تيلر) -:

"لقد كان الثمن – الذي اضطرت البشرية في عمومها لتدفعه مقابل الراحة والانتعاش الروحي الذي آتاه الدين قلة من الناس – دماً ودموعاً .
وهو من الغلاء بحيث لا يسوغ لنا أن نأتمن الاعتقاد الديني على … الخلقي" (1).
-----------------
(1) عندما دقت الساعة صفراً، جون تيلر، ص4.
-----------------


لا جدال في أنه حدث باسم ما يسمَّى بالدين حروب ومآس ومظالم في البلاد الغربية وفي غيرها ، ولكن هل يعد هذا مسوغاً لرفض كل دين أياً كان ؟!

فاسم الدين اسم تندرج تحته معتقدات وقيم ودعاوى مختلفة اختلافاً لا يجعل بينها صلة إلا ذلك الاسم، ويستدعي أن ننظر في هذه المعتقدات والقيم والدعاوى المختلفة لنتبين ما هو حق منها وما هو باطل.
وإذا كان بينها أمر مشترك ؛ فهل كان هو السبب في تلك المآسي حتى نحكم على الأديان كلها هذا الحكم العام ؟

أو أن السبب كان أمراً خارجاً عن تلك المعتقدات فلا تحتمل جريرته ؟!

أعني أنه قد يكون :
بسبب استغلال لتلك الأديان
أو بسبب سوء فهم لها
أو بسبب ظلم وقع على الفئة المتدينة.


إن استغلال الدين – كاستغلال كل شيئ حسن – استغلالاً سيئاً أمر وارد بل واقع ، والدين الحق يقرر هذا ويحذرنا منه.

أنا لا أعرف كلاماً أشد في التحذير من الذين يستغلون الدين لتحقيق مآرب دنيوية أو الذين يرتكبون الفظائع بسبب التصور المنحرف للدين مثلما قرأت في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .

خذ مثلاً على ذلك قول الله تعالى :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ }
[التوبة : 34]

وقول الرسول صلى الله عليه وسلم عن الخوارج:

"يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرميَّة، يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل
الأوثان، لئن أنا أدركتهم لأقتلنهم قَتْل عاد" (1).

-----------
(1) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب: قول الله – تعالى -: "وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً [الأعراف : 65]، رقم 3344، ومسلم في كتاب الزكاة، باب: ذكر الخوارج وصفاتهم، رقم 1064
----------



ثم على افتراض أن المعتقدات الدينية هي التي أدت إلى تلك الحروب ؛ فهل توقفت الحروب بعد أن حلت العلمانية في الغرب محل الدول الدينية ؟!

إن القتل والقرح والأذى والتدمير والإفساد الذي حدث بسبب الحربين العالميتين لم يكن له مثيل في تاريخ البشرية كلها؛ فهل كان هذا بسبب الدين ؟!

والحروب التي شنتها الدول الغربية الرأسمالية والشيوعية على الشعوب الضعيفة لاستعمارها وسرقة خيراتها؛ هل كانت حروباً دينية ؟!

والحروب التي حدثت في السنوات الأخيرة:
في العراق ، إيران ، الصومال ، اليمن ، وغيرها؛ هل كانت بسبب معتقدات دينية ؟!

فإذا كانت الحروب والمآسي التي حدثت باسم الدين سبباً في النفور من الأديان كلها وعدم الثقة بها ؛ فلتكن هذه الحروب والمآسي سبباً أقوى للنفور من العلمانية وعدم الثقة بها.

يجب إذن إذا أردنا أن نكون منصفين في تقويمنا للدين : أن نضع كل هذه الأمور في اعتبارنا ، وإلا كان رفضنا له ونفورنا منه أمراً عاطفياً يقوم على الهوى لكنه يتزيا بزي العلم والعقل.

- ومنها أن الملحدين اتبعوا طريقة خدَّاعة هي : أن يضعوا الدين في مقابل العلم الطبيعي ، ثم يتكلموا عن المزايا التي يمتاز بها منهجه العلمي ، وعن الثمار التي جناها الناس من المخترعات التي قامت على أساسه ، وعن توسيعه لدائرة معارف الناس بالكون ، وقضائه بذلك على كثير من الخرافات المتعلقة بطبيعة الكون أو طبيعة الأسباب الفاعلة فيه، وهكذا.

ثم يقولون : إنه لهذا كله ينبغي أن يكون الاعتماد على العلم الطبيعي لا الدين في معرفة الحقائق.

هذه الحجة كانت تصلح لو أن الدين والعلم الطبيعي كانا أمرين متناقضين لا يمكن للعاقل أن يجمع بينهما، وربما كانت تصلح لو أنه كان من الممكن أن يستعمل منهج العلم الطبيعي في كل المجالات التي يحتاج إليها الناس بما في ذلك مثلاً الهدف من حياتهم على هذا الكوكب الأرضي، ومصيرهم بعد هذه الحياة، والقيم التي يستهدون بها في حياتهم.

لكن العلم الطبيعي بطبيعة منهجه ، وباعتراف أساطينه لا يستطيع أن يفصل في هذه الأمور .

فالذي يقول للناس - والحال هذه – : خذوا العلم الطبيعي واتركوا الدين !!

هو كإنسان يقول لك : إن الناس يتفقون على ما يشاهدون بحواسهم أكثر من اتفاقهم على ما يستنتجون بعقولهم .

فإذا ما وافقته على ذلك مضى ليقول: إذن يجب أن نعتمد على الحواس ونترك العقل جانباً !!

الخطأ هنا هو :

أن الحواس ليست طريقاً إلى معرفة كل ما يحتاج الناس إلى معرفته .

وأنه لا تناقض بين الاعتماد على الحس في معرفة ما من شأنه أن يعرف بها، والاعتماد على العقل في معرفة ما لا يعرف إلا به.

إنه لا تقابل بين العلم الطبيعي والدين .

بل إن الدين الحق يعترف بالمنهج العلمي الطبيعي وسيلة إلى المعرفة .

لكنه يقول : إنه ليس وسيلة إلى كل المعارف ، بل هنالك معارف لا تدرك إلا بالرواية ، وأخرى لا تدرك إلا بالاستنتاج العقلي ، ورابعة لا يمكن الوصول إليها إلا عن طريق الرسل.

فالعاقل هو الذي يستفيد من كل هذه الوسائل بحسب نوع المعرفة التي يريدها ، ومن لا عقل له يحصر نفسه في بعضها وينكر غيره.

ولذلك فإن الناس – لشدة حاجتهم إلى تلك المعارف التي لا يوصلهم العلم الطبيعي لها – يفضلون التعلق بأي دين ولو رأوا فيه بعض الأباطيل لأنه يلبي شيئاً من حاجتهم إلى هذه المعارف

.

من هذه المقابلات المفتعلة التي أجدها مضحكة قول الفيلسوف (بوبر) الذي استشهد به (واينبيرج):

"إنه من البديهي جداً أن اللاعقلانية لا العقلانية هي المسؤولة عن كل الحروب والعداوات القومية ، قبل الحروب الصليبية وبعدها ، ولكنني لا أعرف حرباً أشعلت لغاية (علمية) أو بإيعاز من العلماء" (1)

-----

(1) Open, p.244.

-----

يقال لـ (بربر):

كذلك لم تقم حروب بسبب الاختلافات الأدبية والأذواق الفنية ، لكن المتحاربين – متدينين كانوا أم غير متدينين – يستفيدون مما يعرفون من علم بالدنيا في حروبهم. فلئن لم تقم الحروب باسم هذا العلم فقد كان خادماً مسخراً فيها ؛ فأي فضل له على الدين في ذلك؟!

ويقال له:

إنه قد قامت حروب بسبب الاختلافات اللونية والانتماءات العنصرية ؛ فهل يتخلى الناس عن ألوانهم وأجناسهم ؟!!

ويقال أيضاً:

إن الحروب شرٌّ ما في ذلك شك ، ولذلك قال رسولنا صلى الله عليه وسلم للمؤمنين:

" أيها الناس ، لا تتمنَّوا لقاء العدو واسألوا الله العافية " (2) .

لكن هذا الشر قد يكون عملاً صالحاً إذا ما كان الوسيلة الوحيدة للدفاع عن الحق ولدرء شرٍّ أكبر.

------

(2) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب: لا تمنَّوا لقاء العدو، رقم 3025، ومسلم في كتاب الجهاد والسير، باب: كراهة تمني العدو …، رقم 1742، واللفظ له.

- وكان من أسبابه دعاوى ادعاها وما يزال يدعيها الملحدون عن التناقض بين الإيمان وحقائق العلم الطبيعي ، سلَّم بها كثير من المفكرين في الغرب ، وبدأت تجدها تتكرر من جيل إلى جيل ، وتنقل في كتاب بعد كتاب ؛ مع أنها لا تدل على شيء مما أراد لها مدعوها.

ليس هذا مكان تفصيل القول في هذه الدعاوى والرد عليها، لكن لنذكر منها على سبيل التمثيل:

أ- توهمهم أن الإيمان بوجود الخالق مرتبط بتصورات معينة للدنيا كانت شائعة عند الناس في أوروبا ، وأن العلم أثبت عدم صحة تلك التصورات ، فأزال بذلك الأساس الذي كان يقوم عليه ذلك الإيمان!

هذا مع أنه لا علاقة ضرورية بين الإيمان وبين تلك التصورات.

من أكثر ما يذكرونه في هذا المجال :

اعتقاد الناس فيما مضى بأن الأرض هي مركز الكون، وأن (كوبرنكس) جاء فأثبت أن الأرض إن هي إلا كوكب من كواكب عدة، وانه لا ميزة لها على سائر الكواكب والنجوم.

ينسى أصحاب هذا القول أن العلم الطبيعي ارتبط في أذهان كثير من أهله بتصورات للكون ما لبث العلم نفسه أن أبطلها.

ألم يكن كثير من العلماء الطبيعيين يتصورون أن الكون أزلي لا بداية له ولا نهاية، بل يعُّد هذا أمراً لازماً للنظرة العلمية حتى جاءت نظرية (الانفجار العظيم) فسببت لهم حرجاً عظيماً؟!

فإذا كان الدين سيُرفض لأن بعض التصورات قد ارتبطت عند بعض الناس به، وهي ليست بلازمة له لا عقلاً ولا نقلاً ؛ فليرفض العلم الطبيعي أيضاً لارتباطه في أذهان بعض أهله بتصورات تبين بطلانها.

زعم الفيزيائي المشهور (واينبيرج) – في كتاب له حديث (1) – أن المتدينين كانوا يظنون أن الأجرام السماوية ذات طبيعة سامية مختلفة عن طبيعة الأجرام الأرضية ، ولذلك كانوا يعتقدون أنها هي التي تدل على وجود الخالق:

" لكن الشمس وسائر النجوم فقدت مكانتها المتميزة ؛ فنحن نعلم أنها كرات من غاز ملتهب ، متماسك بفعل الجاذبية ، وممنوعة من التقوض بضغط يظل مستمراً بسبب الحرارة الناشئة عن المفاعلات الحرارية النووية الموجودة في قلب النجوم. إن النجوم لا تنبئنا عن عظمة الخالق بأقل ولا أكثر مما تنبئنا به الحجارة الموجودة على الأرض حولنا ".

-------------------

(1) Dreams of Final Theory, Weinbery. P. 193.

-------------------

ويقال لـ (واينبيرج) هذا وأمثاله:

على فرض أن بعض المتدينين كانوا يعتقدون أن الأجرام السماوية ذات طبيعة مختلفة عن المخلوقات لأرضية ؛ فمن الذي قال إن كل المؤمنين بوجود الخالق كانوا يعتقدون هذا الاعتقاد ؟!

وعلى فرض أنهم كانوا جميعاً يعتقدونه ؛ فمن الذي قال إن إيمانهم بوجود الخالق كان متوقفاً على مثل هذا التصور للأجرام السماوية ؟!

ما أكثر ما يتصور الإنسان الشيء ثم يجده على غير ما تصور فلا يؤثر ذلك في إيمانه ولا في ثقته بربه ، بل يعزو ذلك

إلى جهله ، ويَسرُّه أن الله هداه إلى هذا التصور الصحيح.

إن كل إنسان يمر عليه زمان وهو طفل يتصور السماء والشمس والقمر والنجوم على غير حقيقتها ، ثم يشب ويعلم أن هذه القبة الزرقاء ليست كما تصورها جسماً صلداً ، وإنما هي مجرد لون ، وأن الشمس والقمر والنجوم ليست بأحجامها البادية للعين بل هي أكبر من ذلك بكثير، فلا يدعوه ذلك لأن يتحول من الإيمان إلى الكفر؛ فلماذا إذن يكون خطؤه في تصوره لطبيعة الجرام السماوية داعياً لمثل هذا التحول ؟!

إن الملحد لا يتحدث هنا عن واقع مشاهد ، ولا عن لازم عقلي ، بل يعبر عن وهم توهمه ؛ وإلا لو كان الأمر كما زعم لما بقي على ظهر الأرض مؤمن ، ولما كان الناس محتاجين إلى العلم الطبيعي الحديث لينتقلوا من الإيمان إلى الكفر؛ لأنهم كانوا يكتشفون مثل هذه الأخطاء في تصوراتهم حتى قبل مجيىء هذا العلم.

ولو كان اكتشاف الإنسان : أن الأجرام السماوية هي غازات ملتهبة داعياً لأن يقول إن الله لم يخلقها !!

لكان يكفيه أيضاً للوصول إلى مثل هذه النتيجة أن يعلم مثلاً : أن الإنسان هذا برغم عقله ومواهبه وعواطفه وإنجازاته تمثل كمية الماء ستين بالمئة من جسمه !.

ب- ومنها توهمهم وجود تناقض بين فكرة الخلق وفكرة الأسباب:

أي أنه لكي يكون الشيء مخلوقاً لله فلا ينبغي أن تكون لحدوثه أسباب طبيعية ، فإذا اكتشفنا أسباب حدوثه الطبيعية كان هذا دليلاً على أنه لم يحدث بقدرة الخالق !!!

هذه فكرة غالطة رغم شهرتها وانتشارها بين الناس ، مؤمنهم وكافرهم ، في الشرق والغرب ، وعلى مدى تاريخ طويل !!

عرضنا بشيء من التفصيل لهذه القضية في الفصل الخامس من هذا الكتاب فيكفي أن نقرر هنا ما قرره علماء أهل السنَّة من أنه :

لا تناقض بين كون الشيء مخلوقاً وكون لحدوثه أسباب ؛ لأن الله تعالى من سُنَّته وعادته أن يخلق بالأسباب، ولأنه هو – سبحانه – خالق تلك الأسباب وجاعلها أسباباً.

قيل للنبي صلى الله عليه وسلم:

يا رسول الله !

أرأيت أدوية نتداوى بها، ورقى نسترقي بها ، وتقاة نتَّقيها، هل ترد من قدر الله شيئاً؟

قال: "هي من قدر الله" (1)

-----------------------

(1) أخرجه الترمذي، ك/ الطب، ب/ ما جاء في الرقى والأدوية، رقم 2065، وابن ماجه، ك/ الطب، ب/ ما أنزل الله داء إلا انزل له شفاء، رقم 3437، واللفظ له.

-----------------------

إن الغفلة عن هذه الحقيقة هي التي جعلت الملحدين يستطيلون على بعض المؤمنين ويتحدونهم كلما اكتشفوا لبعض الأحداث أسباباً لم تكن معروفة من قبل.

من ذلك ما يقوله صاحب هذا الكتاب في الفصل الذي خصصه للعلاقة بين العلم ووجود الخالق:

" بل إنه حتى القرن التاسع عشر كان تصميم النباتات والحيوانات يعد دليلاً بيناً على وجود الخالق.

ما تزال في الطبيعة أشياء لا حصر لها لا نستطيع تفسيرها ، لكننا نرى أننا نعرف المبادئ التي تحكم الطريقة التي تعمل بها. إن على من يريد السر الغامض الحقيقي اليوم أن يبحث عنه في مجال علم الفلك أو علم الجزئيات الصغيرة" (2).

----------------

(2) Dreams, p. 200.

----------------

يريد (واينبيرج) أن يقول لنا كما قال مئات الفلاسفة والعلماء الغربيين قبله:

إن السر الذي يعتمد عليه الإيمان يكشف – ويزول فتزول بزواله الحاجة إلى وجود الخالق !!– حين نستطيع تفسير حدوث الأشياء تفسيراً طبيعياً !!!

وأنه لم يبق هنالك اليوم من سر – أي : شيء ما زال العلم عاجزاً عن تفسيره – إلا في المجالين اللذين ذكرهما، فهما وحدهما اليوم ملاذ من يبحث عن سرٍّ يُرسي عليه إيمانه !!!

إنه لا تناقض بين كون الشيء مخلوقاً لله وكون لحدوثه تفسير طبيعي كما قدَّمنا، لكن غاية ما يبلغه العلم هو :

أن يفسر لنا الحدوث بأسباب ثانوية ،

أي أسباب هي نفسها بحاجة إلى أسباب.

ونحن محتاجون بلا شك إلى معرفة مثل هذه الأسباب في حياتنا اليومية، لكنها :

ليست الأسباب التي تفسر لنا وجود الأشياء تفسيراً نهائياً.

وهذا هو الموضوع الذي سنشبع الحديث فيه في بحثنا هذا بإذن الله تعالى.من كتاب " الفيزياء ووجود الخالق " : أدلة وجود الخالق .
من كتاب "الفيزياء ووجود الخالق" : ردُّ اعتراضاتٍ وتبديدُ شبهات.
من كتاب "الفيزياء ووجود الخالق" : الإلحاد و نظرية الانفجار العظيم .
من كتاب "الفيزياء ووجود الخالق" : ماذا بعد الإيمان بوجود الخالق؟
من كتاب "الفيزياء ووجود الخالق" : مَن الخالق؟

هناك تعليقان (2):

  1. شكرا لكم على هذا الجهد وجزاكم الله خيرا

    ردحذف
  2. شكرا لكم جهد مهم جزاكم الله على هده المعلومات

    ردحذف