الثلاثاء، 25 يونيو 2013

الصدف التراكمية وجهالة دوكينز (الصدفه لاتصنع قانون)

الصدف التراكمية وجهالة دوكينزمن كتابات الاستاذ عبد الواحد منتدي التوحيد


بسم الله الرحمن الرحيم،

إذا كان الهدف من البحث العلمي هو الاقتراب من الحق، فإن إخراج التصميم الذكي من دائرة العلم ثمنه الانفصام عن الواقع، ومن ذلك الواقع وجود منظومة صناعية متكاملة في عالمنا تعيد تصنيع ونسخ كل أجهزتها تماما كما تعيد الحياة تصنيع كل مكوناتها. لكن ولو طبق الملحد منطقه، وعلى غرار التطور الدارويني الذي لا يقول بوجود طرف عاقل خطط لظهور الكائنات الحية في محيطها الغير عاقل، يصبح "البديل العلمي" الوحيد لتفسير ظهور الأجهزة الإلكترونية مثلا، هو الظهور التلقائي (للدارة الإلكترونية الأولى) كما ظهرت (الخلية الأولى) صدفة، لتتطور ذاتياً الى جهاز معقد له غايات جديدة دون تدخل من أي طرف عاقل مستقل عن تلك الأجهزة، وليصبح عامل التشابه بينها من "أقوى الأدلة" على التطور الذاتي! فإن قيل "نرى مصمم تلك الأجهزة ولا نرى مصمم الحياة".. فهذا يعني أن إنكار الملحد للتصميم الذكي هو أمر مزاجي لم يستند الى أي منطق أو مبدأ ثابت، ويعني أنه يفكر بعينه وحواسه ولا يفكر بعقله! والعقل يقول أن ظهور أي نظام أو قانون جديد عن طريق الصدفة هو مستحيل كما سيتم إثباته إن شاء الله في هذا الشريط بالدليل الرياضي، وبأمثلة قابلة للتجربة الغرض منها فضح مغالطات الملحد بطريقة عَمَلية.

في البدء كانت الطائرة


يناقش ريتشارد دوكينز ثلاثة أقوال متعقلة بظهور النظام البيولوجي: (1) القول بالتصميم الذكي (2) والقول بالصدفة الكبيرة عند خط البداية (3) والقول بالصدف الصغيرة التراكمية. لكنه يستبعد القول الأول كونه ملحد، ويستبعد القول الثاني ربما خجلا، بل ويذهب الى وصف الصدفة الكبيرة عند خط البداية بالفكرة السخيفة، وهي فعلا كذلك، فتجده في مثله عن (تدرج السارق في فك شفرة الخزنة) يتظاهر بالانزعاج من استشهاد الخلوقيين بمثل الإعصار الذي اجتاح خردة لتظهر طائرة بوينج 747. ومما يُفهم من كلامه أن المقارنة السليمة يجب أن تكون بين تعقيد (طائرة البوينج) وبين تعقيد (الغاية النهائية للتطور) التي تمثل سلسلة طويلة من الصدف الصغيرة المتراكمة عبر الزمن. والحقيقة أنه غير صادق في تظاهره بالانزعاج من سؤال الخلوقيين وذلك لسببين: لأن إلحاده لا يستقيم إلا إذا قبل نفس الصدفة الواحدة التي وصفها بالسخيفة والتي أدت الى ظهور (الخلية الأولى) قبل انطلاق أية عملية تراكمية وقبل ظهور نظام التناسخ البيولوجي نفسه. ولأن العالم فريد هويلي قارن صدفة ظهور (طائرة بوينج) بصدفة ظهور (أبسط خلية) وليس بـ(الناتج النهائي للتطور). وأما الافتراض أن "الخلية الأولى كانت أبسط".. لا يلغي مقارنة هويلي، بل يغير فقط من نوعية ودرجة تعقيد الطائرة محل المقارنة.

إذاً كان على دوكينز وضع (درجة تعقيد الطائرة) في الحلقة الأولى من سلسلة الصدف المتراكمة بدل جعلها في آخرها، لكنه اضطر الى مغالطة نفسه وتحريف الحقيقة التي ذكرها هويلي حتى يتسنى له القول أن ("الناتج النهائي الذي يُشكل الكائن هو الذي يحاجج به الخلوقيون بشكل مرهق بأشكاله المختلفة"). وغلف أن الإشكال ليس فقط في ظهور حيوان البطريق في نهاية التراكم بل أيضاً في ظهور الخلية الأولى نفسها قبل انطلاق أية علمية تراكمية. وسواء اختلط عليه الأمر أو تعمد المغالطة، فهو في الحالتين يناقض نفسه: من جهة يخجل من القول بإمكانية ظهور الطائرة نتيجة صدفة خرافية عند خط البداية، ومن جهة أخرى يؤمن بإمكانية ظهور الخلية الأولى عند خط البداية رغم أنها أكثر تعقيدا من الطائرة الغير مجهزة أصلاً بأية آلية ذاتية للتناسخ.

الأمر الثاني الذي غفل عنه دوكينز هو أن الرياح بالفعل لها آثار تراكمية، ومنذ أن تكوّن الغلاف الجوي وهي تعصف بكل المواد على سطح الأرض. وإذا كان يؤمن أن لتراكم الصدف أي دور في ظهور نظام غير عاقل ينسخ الخلايا.. فعليه إذاً أن يؤمن بإمكانية تسبب الآثار المناخية المتراكمة عبر ملايين السنين في نشوء نظام جديد يجعل الطائرات تتناسخ ذاتيا ما دام تصادفها كمواد هو أمر ممكن نظريا في كل حين، بخلاف الخلية الاولى التي يقول الملحد ان ظهورها يحتاج الى ظروف لم تعد متوفرة في الطبيعة. ومعلوم أن الاحتمال الأكبر هو الذي تتوفر ظروفه لمدة أطول!

المقارنة بين نفس درجة اللا احتمالية المفترض أن تكون بين:

• ظهور الخلية الأولى القادرة على التناسخ + تراكم أخطاء النسخ = طفرات تؤدي الى ظهور حيوان أرقى مكون من بلايين الخلايا!

• وظهور الطائرة الأولى القادرة على التناسخ + تراكم أخطاء النسخ = طفرات تؤدي الى ظهور نظام أرقى مكون من بلايين الطائرات!

إذاً خرافة ظهور الخلية الأولى صدفة وتطورها الى حيوان البطريق نتيجة أخطاء في النسخ.. لا تختلف من الناحية الاحتمالية عن خرافة ظهور طائرة أولى قادرة على التناسخ الذاتي، لتتطور الى شركة طيران عملاقة بكل أنظمتها وإداراتها التي تنسق بين بلايين الطائرات نتيجة سلسلة طويلة من الأخطاء في النسخ!

غاية السارق ومنطق البقاء للأصلح


يقول دوكينز: (استعارة أخرى مفضلة عن تطرف اللاحتمالية في حالة قفل خزانة بنك . نظريًا يمكن لسارق أن يكون محظوظًا بالحصول على تسلسل الأرقام الثمانية بالصدفة وحدها . عمليًا التسلسل يصمم بلااحتمالية عالية لدرجة تجعل ذلك أشبه بالمستحيل بنفس درجة فكرة فريد هويلي عن البوينج 747. ولكن تخيل قفلاً مصممًا بشكل سيء وأنه يعطي إشارات استطرادية تعلو كلما قرب الرقم من الرقم الصحيح . افترض أن عند اقتراب القرص من الرقم الصحيح فإن باب الخزنة يُفتح قليلاً وحفنة من النقود تسقط منها . فاللص في هذه الحالة سيحصل على الجائزة الكبرى في وقت قصير جدًا")

الرد: الفكرة الأكثر سذاجة في هذا المثل هي مقارنة التطور الدارويني الذي ليس له غاية مسبقة باللص الذي يسعى لفتح الخزنة. المقارنة السليمة يُفترض أن تكون بين (عبث الطفرات) من جهة وبين (شخصٍ يلهو بالقفل كيفما اتفق) من جهة أخرى. وحتى إن سمع الإشارات الصادرة من القفل، فلن تؤثر في قراره لأنه لا يسعى أصلاً للاقتراب أو الابتعاد من الرقم الصحيح! أما السارق الذي يطمح الى فتح الخزنة، فإنه يدرس العلاقة بين الأرقام التي سبق له تجربتها وبين الإشارات الناتجة عنها.. وبناء على تلك المقارنة يحدد وجهة بحثه القادمة، ثم يعاود تحليل المعطيات الجديدة ليحصر بحثه في مجال أصغر كل مرة.. الى أن يصل الى الرقم الصحيح. وعلى سبيل التنازل يمكن الافتراض أن القفل مكون من رقمين فقط حتى تسهل محاكاة سلوك اللص في هذا الرابط الذي يحتوي على برنامج -رغم بساطته- يستحيل أن يظهر صدفة لأن تصميمه بُني على أساس غاية مسبقة لا تعرفها القوانين الإلكترونية!

أما قول دوكينز : (عمليًا التسلسل يصمم بلااحتمالية عالية لدرجة تجعل ذلك أشبه بالمستحيل بنفس درجة فكرة فريد هويلي عن البوينج 747). فهذا كلام غير دقيق.. لأن احتمال تكون طائرة البوينج صدفة أقل ببلايين المرات من احتمال فك شفرة الخزنة بالصدفة. ومع ذلك يرى كبير الملاحدة أن الاحتمال الأقرب يحتاج الى تراكم للصدفة مع الاستعانة بسارق له غاية مسبقة وقدرات عقلية تمكنه من تحليل نتائج التجارب السابقة في سبيل تقليص مجال البحث بالتدريج. وهنا تكمن المفارقة في كلامه: لأنه يرى أن فك القفل يحتاج الى تدرج والى سارق عاقل.. أما الاحتمال الأبعد أي ظهور (الخلية الأولى) فلا يرى أنها تحتاج الى مصمم ولا حتى الى تراكم ما دامت هي (الحلقة الأولى) التي سبقت أي تراكم بيولوجي!

الصعود الى جبل الأوهام.


يقول دوكينز: ((في كتابي الصعود إلى جبل اللااحتمال وضحت هذه النقطة بمثال : تخيل جبلاً أحد طرفيه منحدر بشكل حاد من المستحيل تسلقه ، والطرف الاخر منحدر بشكل متدرج لطيف حتى القمة . في القمة يجلس نظام معقد كالعين مثلاً أو البكتريا ذات المحرك المروحي . الفكرة السخيفة أن تعقيدًا كهذا يتجمع بشكل آني يرمز بالانتقال من وادي الجبل لقمته بقفزة واحدة . التطور - على العكس من ذلك - يذهب حول الجبل من الناحية الأخرى ويصعد المنحدر البطيء زحفًا")).

الرد: بعد أن أنكر التصميم الذكي وبعد أن تبرأ -خجلا- من الصدفة في خطوة واحدة، أصبح ريتشارد دوكينز يعيش أكبر أحلامه الوردية على الإطلاق. فظن أن تقسيم (الصدفة الواحدة الأقل احتمالاً) الى (صدفٍ صغيرة أكثر احتمالاً) تتراكم عبر الزمن.. سيزيد من إمكانية الحصول في نهاية المطاف على (ناتج نهائي) أكثر تعقيداً. وفي قوله هذا جهل مزدوج:

• أولا: تقسيم الصدفة الكبيرة الى صدف مرحلية صغيرة لن يخفف من (اللا إحتمالية) إلا في حالة واحدة: حين تتحول (الصدفة المرحلية) الى (قانون ونظام لا يُسأل عن احتمال احترامه بعد ذلك)! وهذا الانتقال المستحيل رياضيا من -الصدفة الى القانون- هو الذي أوهم دوكينز أنه متى ظهرت الصدفة المرحلية الصغيرة فإنها ستتحول الى خطوة يُرتكز عليها في رحلة التطور ولا داع من السؤال عن احتمال تكرارها بعد أن أصبحت قانونا مُسَلّما به! وهذا بالطبع منطق خاطئ لأن التحول التلقائي (لأبسط صدفة آنية) الى (أبسط قانون جديد) هو أمر مستحيل رياضيا!

• أما الخلل الثاني في منطق دوكينز هو في خلطه بين إمكانية (التراكم الكمّي) وبين استحالة (تراكم قوانين تظهر صدفة)!

فهناك فرق شاسع:

1- بين إمكانية تراكم المواد والكميات والأشكال الهندسية.. كتراكم الترسبات الجيولوجية أو التراكم الهندسي للــfractals إلخ... وهذا أمر ممكن!

2- وبين استحالة تراكم قوانين جديدة تظهر نتيجة صدف عمياء لتشكل في نهاية المطاف نظاما متكاملا له غايات جديدة... !

أصل الإشكال: ظهور شروط جديدة


تقييم أي نظام لا يتم إلا بتقييم الشروط المؤسسة له.. ودراسة إمكانية ظهور نظام جديد = لا يتم إلا بدراسة إمكانية ظهور شروط جديدة تُحترم بالضرورة! والهدف هو دراسة أي نظام أو جهاز جديد سواء كان الحديث عن الخلية الأولى أو أي جهاز بيولوجي أو ميكانيكي أو حتى مصنع أو إدارة.. في جميع الأحوال هناك قاسم مشترك بينها وهو احترام شروط تقول بضرورة تواجد كل عنصر في مكانه وزمانه المناسب -طبقا لغاية جديدة- حتى يتمكن الجهاز من تأدية مهمته والوصول الى تلك الغاية.

مثال: النظام الرقمي في هذا الرابط لا يحرص على وضع كل رسالة في الظرف الذي يحمل نفس العلامة، فهذا الشرط لا تكترث له القوانين الإلكترونية التي توزع الرسائل كيفما اتفق، ونتائجه تعتبر عشوائية بالنسبة لمرجع يتجاوز الغاية الإلكترونية! تماما كما أن وضع كل عنصر كيميائي في مكانه المناسب بيولوجيا في الخلية، يمثل شرطاً لا تكترث له القوانين الفيزيائية.

وبما أن قواعد الاحتمال التي تسري على (الجزيء الأولي للمادة/وظرفه الزمكاني) تسري أيضاً على (الرسالة/وظرفها) في الرابط السابق.

• فإن السؤال عن إمكانية انتقال الطبيعة تلقائيا: من (نظام فيزيائي لا يحرص على تحقيق اي غاية بيولوجية)

الى (نظام فيزيائي) + (نظام جديد يحرص على نسخ وضمان سلامة وفعالية أجهزة لها غايات جديدة).

• هو نفس السؤال عن إمكانية انتقال الحاسوب تلقائيا: من (نظام إلكتروني صرف)

الى (نظام إلكتروني) + (نظام جديد يضمن وضع كل رسالة في الظرف الذي يحمل نفس العلامة).

تطبيق منطق دوكينز على المثل السابق


حسب منطقه، فالسؤال عن إمكانية انتقال النظام الرقمي الذي يوزع الرسائل كيفما اتفق.. الى نظام جديد يضع كل رسالة في ظرفها، هو سؤال "خاطئ وسخيف ومزعج" ولا ينبغي أن تسأل عن (الكل) لأنه سؤال عن الصعود الى قمة الجبل دفعة واحدة، ويقترح أن تبدأ بالسؤال عن سفح الجبل ثم تصعد بالتدريج وببطء شديد نحو القمة. ثم ماذا؟ لنفترض أن (الرسالة ج) تواجدت صدفة في (الظرف ج)! فهل تحولت تلك الصدفة الى قانون جديد يُلزم الحاسوب بتكرار نفس التوافق في المرات القادمة؟ بالطبع لا! لكن دوكينز يحتاج الى هذه المغالطة حتى يستقيم منطقه، ويحتاج أن يخلط بين (التراكم الكمّي) وبين (تراكم تعليمات تظهر صدفة).. ويخلط بين (صدفة تواجد الرسالة ج في الظرف ج في لحظة ما) وبين (تحول الحاسوب الى نظام يضمن كل مرة وضع الرسالة ج في الظرف ج)! وبناء على هذه المغالطة، يصعد الحاسوب أول درجة ثابتة في سلم التطور، وهكذا نتوهم أنه لا داعي للسؤال بعد ذلك عن احتمال تكرار الصدفة المتعلقة بالرسالة (ج). وبالطبع يمكن تفنيد هذا الوهم بالتجربة العَمَلية في الرابط السابق.

الفرق بين (ظهور توليفات جديدة) وبين (ظهور قوانين جديدة)


لنفترض أن الحاسوب بتوزيعه للمربعات حصل على النتيجة -في الصورة التالية- والتي تتوافق مع (الشرط أ) :

(الشرط أ) = (وجود حيز خاص بالمربع الاحمر.. يُطرد منه كل مربع كبير، وتُجلب إليه كل المربعات الزرقاء الصغيرة.)

بمجرد النظر الى النتيجة المتمثلة في هذه الصورة لا يمكن الحكم:

1- هل هذا التوافق بين (الصورة) و (الشرط أ) ظهر نتيجة صدفة آنية؟

2- أم ظهر نتيجة قانون يُلزم الحاسوب على احترام (الشرط أ) كل مرة؟

والفرق بين (1) و (2) هو نفس الفرق بين النظامين في هذا الرابط حيث:

1- النظام الأول: يوزع العناصر (المربعات) كيفما اتفق، دون أن يخالف بالطبع القوانين الإلكترونية.

لكنه نظام لا يكترث (للشرط أ)، فكما أن هناك إمكانية لتوافقه صدفة مع النتيجة.. هناك إمكانية لمخالفتها.

2- أما النظام الثاني: فهو شبيه بالأول، علاوة على احترامه (للشرط أ) الذي فرضه الإنسان على الحاسوب كقانون جديد.

وعند تحديثك للصفحة ستحصل كل مرة -في النظام الثاني- على حالات مختلفة كلها تحترم (الشرط أ).

لا منهجية الملحد في خلطه بين الصدفة والحتمية


أحيانا يرى الملحد أن من مصلحته الخلط بين (الحتمية) و (الصدفة) بحجة أن في النظام المادي كل حدث له أسبابه التلقائية وبالتالي لا فرق بين الصدفة والحتمية. وهذا الخلط يرجع لجهله بتعريف الحتمية، الذي لا يستقيم دون تحديد الشرط محل الدراسة، وتحديد المحيط الذي تحقق فيه ذلك الشرط:

1- فالصدفة تعني إمكانية توافق (النتيجة) مع (شرطٍ لا يمثل أي قانون في ذلك المحيط).

2- أما الحتمية فتعني عدم مخالفة (النتيجة) لأي (شرط يمثل قانونا مُلزما لذلك المحيط).

وعليه يصبح الفرق بين الحتمية والصدفة في الرابط السابق كالتالي:

1- توافق نتيجة (النظام الأول) مع (الشرط أ) يحتاج الى صدفة.. لأن (الشرط أ) لا يمثل أي قانون في (النظام الأول)!

2- أما توافق النتيجة في (النظام الثاني) مع (الشرط أ) فهو أمر حتمي.. لأن (الشرط أ) يمثل قانونا في (النظام الثاني)!

بعبارة أخرى: التوافق الآني بين (النتيجة في النظام الأول) وبين (الشرط أ)

لا يعني أن ذلك الشرط يمثل قانوناً أصيلاً في المحيط الذي ظهر فيه!

ولا يعني أن (النظام الأول) تحول تلقائيا الى ما يشبه (النظام الثاني)..

تطبيق1: مكعب "روبيك" وغاية الأعمى.


ما يسري على المثل السابق يسري أيضاً على البروتين... فكما أن التوافق الآني (للنتيجة) مع (الشرط أ) لا يعني تحوله الى قانون، كذلك التوافق الآني لأية حالة مادية مع أي (شرط بيولوجي) لا يعني ظهور (القانون البيولوجي). وليتضح الأمر أكثر يمكن الاستشهاد بكلام فريد هويلي الذي قارن:

• احتمال الحصول على البروتين عن طريق تصادف توليفة من الأحماض الأمينية.

• بنظام شمسي مليء برجال عُمي يحلّون في نفس الوقت لعبة "مكعب روبيك".

ربما (البروتين الأول ) أقل تعقيداً.. إذاً لتستبدل بلايين الرجال الذين يشغرون مكانا بحجم المجموعة الشمسية، بعدد أقل بكثير: فقط خمس رجال! لا أكثر!!! ومع ذلك يبقى حلهم لمكعب روبيك في نفس الوقت احتمالا خرافيا، لكن إمعانا في تحدي الملحد، لتفترض أن تلك الصدفة تحققت بالفعل، أي أنه في لحظة ما أصبحت كل المكعبات مرتبة بطريقة صحيحة. ثم ماذا كان؟ هل ظهرت قوانين جديدة؟ بالطبع لا! لن يظهر أي قانون جديد يسعى الى الحفاظ على تلك الصدفة وتميزها عن غيرها، لأن الفرق بين الترتيب الصحيح والغير صحيح للمكعب لا معنى له إلا في عين من له غاية مسبقة، بحيث يكون (معيار الخطأ) هو (مخالفة تلك الغاية). ولا يوجد أي سبب لتوقف العُمي عند تلك الصدفة ليبحثوا عن آلية جديدة للحفاظ على غنيمتهم! بل سيستمر سلوكهم التلقائي نفسه لتضيع تلك الصدفة بعد ثانية واحدة. نفس الأمر بالنسبة للأحماض الأمينية فهي ليس كائنات عاقلة حتى تفضل نوعية من التوليفات دون غيرها، بل الحالات الصالحة والغير صالحة من المنظور البيولوجي كلها توليفات ممكنة وصالحة فيزيائيا.

والفرق بين:

1- ظهور مجموعة من (مكعبات روبيك) في شكل توليفة معينة.

2- وبين ظهور (نظام مادي جديد) يعتني بتلك التوليفة ويسخر لها لغة تشفير ليدونها وينسخها بعد ذلك!

هو نفس الفرق:

1- بين ظهور (البروتين الأول) كتوليفة من الأحماض الأمينية!

2- وبين ظهور (القانون البيولوجي الأول) الذي يعتني بتلك التوليفة ويسخر لها لغة تشفير ليدونها وينسخها!

استحالة ظهور قانون جديد عن طريق الصدفة!


من العبث الجدال حول إمكانية أو استحالة الانتقال التلقائي من الحالة (1) الى (2) في محيط لا إرادة فيه..

دون ضبط العلاقة بين (القانون كتعريف) وبين (الاحتمال كقيمة)، ودون فهم معنى كلمة "قانون" على الأقل!

فالقانون -في محيطه الآلي- يمثل مجموعة من الشروط، احتمال احترامها يساوي واحد (أي 100%)

• وإذا كان الاحتمال أكبر من صفر وأقل من واحد، فهذا يمثل (الصدفة) التي لا ترقى الى صفة (القانون).

• أما إذا كان الاحتمال يساوي صفر: فهذا يمثل (المستحيل) الذي لا يرقى بالطبع الى (الحالة الممكنة).

وعليه يكون ظهور قانون جديد صدفة هو انتقال (للشرط الجديد)

1- من كونه صدفة (أي احتمال احترامه أقل من واحد)

2- الى قانون مُلزم (أي احتمال احترامه يساوي واحد)!

لكن الانتقال التلقائي من (1) الى (2) مستحيل لأنه:

مهما ألّفت بين (الاحتمالات الأقل من واحد) فلن تحصل أبداً على (احتمال يساوي واحد).

بـيـت الـقـصـيـد!


(قيمة الاحتمال) التي تبحث عنها .. تتوقف على ما تريد إثباته من (إستحالة/أو إمكانية/أو حتمية)

1- فإذا كان السؤال عن ظهور صدفة آنية.. يكفي حينها أن تثبت أن احتمال تحققها هو أكبر من (صفر)!

2- أما إذا كان السؤال عن ظهور قانون جديد.. فلا بد أن تثبت أن احتمال احترامه أصبح يساوي (واحد)!

المشكلة أنك لو راجعتَ حوارات أي ملحد في هذا المنتدى وغيره فستجده يعاني من نفس الحول الفكري المزمن:

تسأله عن (2) يجيب على (1) !!! وهذا دليل على عدم استيعابه لحقيقة الصدفة التي يؤمن بها!! .

تطبيقا لما سبق، يصبح الفرق-من المنظور الرياضي هذه المرة- بين (النظام الأول) و (النظام الثاني) في المثل السابق كالتالي:

1- احتمال توافق نتائج النظام الأول مع (الشرط أ) هو: أقل من واحد!

2- أما احتمال التزام النظام الثاني (بالشرط أ) كقانون: فيساوي واحد!

نتيجة بديهية!

تطبيق2 Matching problem


لمناقشة صدفة تواجد عناصر الجهاز في أماكنها المناسبة التي تمكّنها من تأدية مهام وغايات معينة.. يمكن العودة الى مثل الحاسوب الذي يوزع الرسائل كيفما اتفق. ثم تدرس احتمال ظهور قانون جديد يضع كل رسالة في ظرفها المناسب. وتنازلا مع الخصم يمكن استبدال عبارة (كل رسالة) بــ(رسالة واحدة فقط) حتى لا يتحجج أحد "بالصدف التراكمية"! وليقتصر السؤال فقط على:

• إمكانية الظهور التلقائي لقانون جديد يُلزم الحاسوب على وضع الرسالة (أ) في الظرف (أ).. كخطوة أولى في "رحلة الارتقاء".

فإن قيل "لا تحدد الصدفة التي ينبغي على النظام الآلي الانطلاق منها". حسناً لا بأس من تنازل آخر.. ليقتصر السؤال على:

• إمكانية ظهور قانون جديد يُلزم الحاسوب على وضع رسالة واحدة على الأقل في ظرفها .. دون تحديد الرسالة مسبقاً!

لأن تحديد الرسالة سيغير من طريقة حساب الاحتمال. ولأن قيمة الاحتمال في السؤال الأخير أكبر بكثير من قيمة الاحتمال في السؤال الذي سبقه.. وهذا أقصى تنازل يمكن تقديمه للملحد..

النتيجة: احتمال الحصول -على الأقل- على رسالة واحدة توضع في ظرفها هو دائماً أقل من واحد! وللتذكير والتأكيد: إذا كان الهدف هو البحث عن إمكانية تواجد رسالة معينة في ظرفها صدفة في لحظة ما.. فيكفي حينها البحث عن احتمالٍ قيمته أكبر من صفر. أما الهدف الآن هو البحث عن إمكانية ظهور نظام جديد يُلزم الحاسوب على نسخ ذلك التوافق كل مرة! والسبيل الوحيد لإثبات ذلك هو بالبحث عن (القيمة واحد).. وبما أن نتيجة الحسابات السابقة تقول غير ذلك! إذاً لن تحصل أبداً عن طريقة الصدفة العمياء على قانون ونظام جديد رغم كل التنازلات الجدلية التي قُدمت للملحد.

بائس من يظن أن في "العوالم اللانهائية" حل للاستحالة السابقة


من حين لآخر تظهر أفكار وأقوال غريبة غايتها الالتفاف حول الحقائق والمبرهنات التي تتعارض مع بعض النظريات، ثم يأتي دور الملحد العربي ليردد كلام أسياده دون أن يفهم الغاية الحقيقة من وراء ما يروج له بالنيابة. ومن بين تلك الأفكار التي بدأت في الانتشار مؤخراً فكرة "العوالم اللانهائية" التي يعلق عليها الملحد الكثير من آماله في حل الإشكاليات الرياضية، فيتوهم أن (عامل اللانهائية) يمكنه أن يغير نتيجة الحسابات السابقة، لتتحول (الاستحالة في المحيط المحدود) الى (إمكانية في محيط غير محدود). أي أن (استحالة) الظهور التلقائي لقانون جديد ربــــــمـــــــا تتحول الى (إمكانية) إذا كنا نعيش في عوالم غير محدودة. وهذا الوهم يمكن نسفه في أربعة أسطر! يكفي إكمال الاستدلال السابق مع استبدال القيمة n بقيمة لانهائية:

النتيجة: حتى إن كنا نعيش في عوالم لانهائية.. وحتى إن كان هناك عدد لا نهائي من كل شيء!

فلن تصل أبداً الى (القيمة واحد)، ولن تصل أبداً الى إمكانية ظهور أبسط قانون جديد صدفة!

مناسبة أخرى لإثبات الإرادة الحرة.


إن قيل أن هذه النتيجة تخالف حقيقة واقعة: وهي قدرة الانسان -الذي يعيش في هذا العالم- على برمجة ووضع قوانين طارئة على هذا العالم. والجواب: هذا الإشكال يتحمل مسؤوليته الملحد وحده بسبب افتراضه المسبق أن الإنسان مجرد آلة وأنه مجرد جسد ينتمي الى العالم المادي. وأما تجاوز قدرات الإنسان لتلك الاستحالة التي تسري على الأنظمة الآلية.. هو دليل قاطع على تمتعه بإرادة حرة حقيقية يستحيل اختزالها في مجرد "آلية مادية". والعاقل عليه أن يقبل الحقائق الرياضية ويبني عليها أدلته، وليس العكس! ومن عدل الله أن جعل الإنسان يدرك بفطرته وبطريقة بديهية استحالة ظهور نظام جديدة عن طريق الصدفة دون الحاجة الى المبرهنات التي تم اللجوء إليها في هذا الشريط فقط للرد على الملحد المتكبر على الحق.

أين المفر؟


لكن الملحد لن يعدم الحيلة للاتفاق حول أية حقيقة تواجهه، فماذا لو أراد التهرب من الدليل السابق بقوله مثلاً :" أن النظام البيولوجي ليس قانونا بالمفهوم الرياضي الصارم، ولا يمثل شروطاً -احتمال احترامها- يساوي واحد، وبالتالي استحالة انتقال قيمة الاحتمال تلقائيا من (أقل من واحد) الى (واحد) لا علاقة له بإمكانية الظهور التلقائي للنظام البيولوجي".

الرد: لا مشكلة، دع الملحد يُعرّف القانون البيولوجي كما يشاء! ثم ألزمه بالجواب على السؤال التالي:

هل احتمال احترام المادة للشروط البيولوجية: يساوي واحد أم أقل من واحد؟

إن قال أن الاحتمال هو (أقل من واحد) : إذاً ظهور واستمرار الظاهرة البيولوجية تحتاج الى صدف متجددة كل لحظة، وبالتالي لا بد من إخضاع السلوك البيولوجي نفسه لقواعد علم الاحتمال، وبالتحديد لقاعدة برنولي التي لا تنفي إمكانية ظهور البروتين، بل تقول أنه: في حالة الأعداد الكبيرة، النسبة النظرية (1 من 10^950) لا بد أن تقترب من النتيجة في أرض الواقع. وهذا يعني أن مقابل كل (متر مكعب) من البروتين يظهر على الأرض يجب أن تظهر في نفس المحيط توليفات -صالحة وغير صالحة- حجمها يتجاوز بلايين المرات حجم الكون المنظور! وهنا يجد الملحد نفسه أمام أربعة حلول: (1) إنكار قاعدة رياضية وهذا صعب لأن من عادته التجمل بالعلم (2) أو الادعاء أنه أخفى تلك الاحجام في جيبه (3) أو الإقرار بضرورة وجود إرادة حرة اختارت تصميم مجموعة معينة من التوليفات دون غيرها (4) أما الحل الرابع هو الهروب الى الأمام والتراجع عن التعريف السابق للقانون البيولوجي حتى لا تطاله قاعدة برنولي.

فيقول أن احتمال احترام المادة للشرط البيولوجي (يساوي واحد) : وهكذا يهرب من إشكالية برنولي ليسقط في الإشكالية التي تُناقش في هذا الشريط: أي استحالة ظهور قانون جديد عن طريق الصدف وذلك لاستحالة الحصول على (القيمة واحد) مهما ألفت بين الصدف.

اللغة.. وعلاقتها بظهور الحياة!

السؤال عن ظهور الحياة يشمل السؤال عن ظهور (القانون البيولوجي الأول) وبالتحديد ظهور (قانون النسخ الأول) الذي لا يستقيم إلا بظهور (اللغة الأولى) التي تشكلها حروف من نوعية (الأدينين، الغوانين، الثايمين، والسايتوسين) المكوِّنة (للكتاب الأول) من نوعية الـDNA أو الــRNA. لكن لا يوجد أي قانون فيزيائي يربط بين تلك الشفرات وبين الواقع الذي ترمز اليه، كما لا يوجد قانون فيزيائي يربط بين الرسم (ك-و-ا-ل-ا) وبين (حيوان الكوالا)! وبالتالي الظهور التلقائي لأية لغة جديدة هو مستحيل، لأن لكل لغة قوانينها ولأن القوانين الجديدة لا تظهر صدفة كما سبق إثباته!

في غياب قوانين جديدة تفك رموز الذاكرة لن يكون لتلك الرموز أي دور في تسيير الأحداث. فصدفة ظهور (الكتاب الأول) كأشكال هندسية وكمجموعة من (الحروف/أو المركبات الكيميائية) لا يعني أن الفيزياء ستنظر الى تلك الرسوم والشفرات كتعليمات. وجميع كتب العالم لو ظهرت تلقائيا في مكان غني بكل المواد، فلن تتحول التعليمات المُشفرة الى أحداث في غياب إنسان أو أي وسيط آخر يعي قواعد لغة تلك الكتب ويمتلك الإرادة والقدرة على تحويل ما وعاه الى أحداث. ولو تفلسف الملحد ألف سنة فلن يجد أية قوانين فيزيائية أو رياضية تشكل -مجتمعة- نظاما جديدا يُلزم الحاسوب في هذا الرابط مثلاً على [وضع الرسم (ى) في آخر الكلمة]! والعاقل متى وجد هذا النظام الجديد، فليس أمامه سوى الإقرار بوجود مصمم ألزم النظام الإلكتروني بشروط لغوية جديدة. لأن ظهور قانون جديد يتجاوز النظام الأصلي.. هو أكبر دليل على وجود مصمم لذلك القانون.

مغالطة لا يمل الملحد من تكرارها


الذي يدعي أن "بتقصيه وتتبعه للأحداث المادية المتعلقة بالــDNA مثلاً يحق له أن يستنتج كفاية القوانين الفيزيائية في إظهار نظام لغوي جديد".. عليه أن يلتزم بنفس المغالطة ويدعي أيضاً أن بمجرد تتبعه لمسار الشحنات على مستوى الحاسوب، يمكنه أن يستنتج يقيناً كفاية القوانين الإلكترونية في إظهار كل التعليمات والبرامج التي نستعملها دون حاجة الى مصمم ومبرمج "غير رقمي" له إرادة حرة وغايات مسبقة! لكن لماذا يستبعد الملحد فكرة المصمم من حيث المبدأ؟ من أهم الأسباب -بعد الهوى- توهمه أن النظام المادي لا يمكنه أن يخضع لتعليمات من خارجه، وأن أي نظام آلي لابد أن تكون مسبباته كلها من نفس المحيط. وهذه الخرافة يمكن نسفها بمجرد ضرب مثل أي جهاز، إذا تمكنتَ من تدوين القوانين التي تحكمه، فهذا لا يعني غناه عن المصمم! النتيجة: الواقع حولنا يثبت أن المحيط المادي ليس نظاما مغلقا ، بل يمكنه أن يخضع لتعليمات دخيلة على النظام الفيزيائي .. لتتعايش مع القوانين الأصلية.. كتعايش القوانين الإلكترونية مع تعاليم الإنسان الذي إشرط "وضع الرسم (ى) في آخر الكلمة". والمغالطة التي لا يمل الملحد من تكرارها هي استنتاجه غنى النظام عن مصمم بحجة إمكانية دراسة قوانين ذلك نظام.

وجهة التطور الطبعي

في غياب مدبر للأحداث، متى يحق للملحد وصف أي تطور بـ(الطبيعي)؟ إذا كانت وجهته متوافقة مع وجهة (التطور الفيزيائي) الذي يحكم لبنات المادة، وإلا لن يكون لكلمة (طبيعي) أي معنى غير خداع القارئ. وما هي وجهة التطور الفيزيائي؟ هي وجهة القوانين التي تسوق المادة نحو الحالة الأكثر استقرارا، وذلك بسبب تحول طاقة الكون الفاعلة exergy الى طاقة غير فاعلة anergy مع مرور الزمن. كما أن قواعد الاحتمال هي الأخرى تسوق كل نظام آلي الى الحالة الأكثر استقرارا. وما هي الحالة الأكثر استقرارا من المنظور الرياضي؟ هي الحالة الأكثر احتمالا! ومتى تكون الحالة أكثر احتمالا؟ حين تتطلب شروطا أقل! في المقابل انتقال المادة من الموت الى الحياة هو انتقال الى حالة تتطلب شروطا أكثر، لأن المادة الحية تحتاج (للشروط الفيزيائية) علاوة على (الشروط البيولوجية) بخلاف المادة الميتة التي تحتاج فقط (للشروط الفيزيائية)!

إذاً من الخداع وصف أي تطور "بالطبيعي" إذا كانت وجهته معاكس لوجهة كل القوى الفاعلة في الكون. وتلك القوى حسب الفكر الإلحادي لا تخرج عن العوامل الفيزيائية والاحتمالية دون وجود أي مدبر.. فبأي منطق إذاً يصف ريتشارد دوكينز (الصعود الى قمة الجبل) بالتطور الطبيعي إذا كانت قمة الجبل تمثل شروطاً أكثر، بخلاف التطور الفيزيائي والاحتمالي له وجهة معاكسة نحو شروط أقل؟

متى يمكن الصعود "للجبل"؟

فقط عند وجود إرادة حرة قادرة على فرض شروط جديدة تقود الأحداث الى وجهة معاكسة لوجهة (التطور الفيزيائي والاحتمالي).

كما هو الحال في هذا الرابط حيث يمكن المقارنة بين نظامين:

1- النظام الأول: الذي إذا تُرك لقوانين الاحتمال والقوانين الإلكترونية، فلن يمكنه أبداً أن يتحول تلقائيا الى نظام يضع كل رسالة في مكانها، وحتى إن ظهرت تلك النتيجة صدفة وتم الصعود الى قمة الجبل للحظات، فستتم العودة الى السفح بمجرد تحديثك للرابط، أو تحتاج الى صدفة أخرى كل مرة للبقاء في القمة للحظة إضافية.

2- أما في النظام الثاني: فقد دخلت عليه إدارة وإرادة الإنسان التي لها وجهة معاكسة لوجهة تطور النظام الأصلي. وليتم ذلك كان لابد من إنشاء ذاكرة تحتوي على سلسلة من الشروط المسبقة والتعليمات المتعلقة بكيفية التفاعل مع بعض الحالات المحتملة دون غيرها. وبهذه الطريقة ظهر مرجع غير فيزيائي يعتبر الحالة الغير صالحة هي التي لم تحترم الشروط المخزنة في الذاكرة رغم احترامها للشروط الفيزيائية. وهذا يعني أن حدود تأقلم أي جهاز مع الظروف هي حدود المرجع المخزن مسبقا في الذاكرة والذي يخدم غاية "الصعود الى الجبل". أما إذا تُرك الأمر للتطور الفيزيائي، فسيتغير مفهوم التأقلم ولن يخرج معياره عن "التطور" نحو سفح الجبل حيث الشروط أقل كما هو الحال في (النظام الأول).

وجود الذاكرة دليل على وجود المصمم

هناك فرق بين الذاكرة المكوَّنة من حروف وجمل قابلة للمعالجة.. وبين الذاكرة كصفة ذاتية للمادة، كصفة (الكربون 14) العنصر المشع الذي تضمحل كميته الى النصف كل 5730 سنة، الأمر الذي يمكّن الإنسان من تقدير تاريخ توقف إنتاج الكائن الحي للكربون بتوقفه حياته، أو كالذاكرة المتمثلة في الطبقات الثلجية -في القطب الشمالي- التي يُستنتج منها طبيعة الطقس في الماضي بالنظر الى عدد الطبقات وسماكة كل طبقة.. فكل مادة في الكون يمكنها أن تخبرك عن جانب من تاريخها ولا خلاف في ذلك أبداً.. لكن كل ذلك لا يُحدث قوانين جديدة، فالقانون الفيزيائي الذي يحكم سرعة اضمحلال الكربون ويحكم تغير نشاطه الإشعاعي لم يظهر بظهور الحياة. ولا تحتاج الفيزياء الى لغة تشفير وحروف وجمل لتخزن المعادلة التالية حتى تعود إليها كلما واجهت حالة الكربون 14.

أما الذاكرة محل النقاش في هذا الموضوع فتحتاج الى لغة تشفير مكونة من حروف وجمل تشكل مصدرا لتعليمات وقوانين جديدة، كالذاكرة التي يستعملها (النظام الثاني) في الرابط السابق والتي بدونها لن يتمكن من "الصعود الى الجبل"! فلو ضغطت في النظام الثاني على زر (إفراغ الذاكرة) ينهار البناء كله، لأن لبنات ذلك البناء تكونها قوانين ليست جزء من النظام الأصلي، بل هي قوانين وجودها مرتبط بوجود الذاكرة. وهذا يعني أن الجهاز الذي يعتمد نظامه على لغة وشفرات وتعليمات مخزنة، هو بالضرورة نظام طارئ على النظام الفيزيائي وضعه مصمم ذكي.

قبل نسخ أو خلية في التاريخ

من يؤمن بالصدفة، عليه أن يؤمن أن بظهور أول خلية، أصبح محيطها الفيزيائي يتمتع برؤية مستقبلية، فتوقع أن الخلية الأولى لن تبقى متماسكة طويلا إذا تُرك الأمر للتطور الفيزيائي والإحتمالي. فدُقّ ناقوس الخطر وطُلب من الصدفة وضع خطة عاجلة للحافظ على غنيمتها، وذاك بإنشاء قوانين جديدة تحكم (اللغة البيولوجية الأولى) المكونة من حروف مثل (A,T,C,G) . علاوة على إنشاء (الذاكرة الأولى كجهاز) تتناسق هندستها مع قوانين اللغة الأولى. ثم قامت الصدفة باستعمال تلك الذاكرة لتخزين (الكتاب الأول كمعطيات) ضرورية لعلمية النسخ.

وكل تلك الصدف لا تكفي.. لأن وجود المعلومة في الكتاب الأول لا يعني وجود آلية لفك شفرات المخزنة، إذاً لا بد من الاستعانة بالصدفة مرة أخرى ليظهر (القارئ الأول) أي النظام الأول القادر على فك رموز الذاكرة، وهذا أيضا لا يكفي لأن وجود آلية تدوين وقراءة.. لا يعني أبداً القدرة على تحويل ما تم تدوينه وقراءته الى واقع! إذاً لابد من صدفة أخرى تصمم (أول آلية نسخ) توفر المواد الكيميائية المطلوبة بنسبها الصحيحة، ولتتحول شفرات الكتاب الأول من (معلومات مشفرة) الى (واقع يشكل صفات أول خلية منسوخة)! كل ذلك يُفترض أن يتوفر صدفة عند خط البداية وقبل أن تنطلق أول عملية نسخ بيولوجية في التاريخ!

نسخ أول لبنة ونسخ أول بناء.

المراوغة أو التهرب من عامل التعقيد لن يحل المشكلة! فيمكن للملحد أن يجادل في ظهور الطائرة صدفة، ويجادل في إمكانية حل بلايين الرجال العمي لمكعب روبيك في نفس الوقت. لكنه لو وجد تصميما لأبسط طاولة خشبية عليها ملصق يحتوي على تفاصيلها الهندسية وكيفية صناعتها ونسخها، فمن الحماقة الادعاء أن (الطاولة والمُلصق) ظهرا صدفة. بل حتى لو وجد أبسط مكعب خشبي عليه ملصق كُتبت عليه تفاصيله الهندسية، فهذا أكبر دليل على وجود مصمم لذلك المكعب!

وما يسري على المثل السابق يسري على أي تصميم بيولوجي: فحتى لو تم التسليم جدلاً بإمكانية ظهور الخلية الأولى صدفة، يبقى السؤال عن إمكانية نسخها أول مرة. فإن قيل أن الخلية الأولى كانت تحتوي على شفرات تصف كل التفاصيل الهندسية والكيميائية المُراد نسخها!.. إذاً تلك التصاميم الجديدة لم تظهر صدفة. نفس الأمر ينطبق على (أول كائن متعدد الخلايا) مع وجود إشكاليته مزدوجة، فنسخه لا يحتاج فقط الى المعطيات المتعلقة بالتركيبة الداخلية للخلية، بل يحتاج أيضاً الى معطيات إضافية متعلقة بصميم الكائن الحي ككل. لأن معرفة خصائص اللبنة لا تكفي لمعرفة خصائص البناء ككل. فإن قيل "أن المعلومات المخزنة في الخلية لا تقتصر فقط على تصميمها الداخلي بل تشمل أيضاً تفاصيل الكائن المتعدد الخلايا الذي ظهر أول مرة".. إذاً أول كائن متعدد الخلايا لم يظهر صدفة ما دام تصميمه كان مدونا قبل ظهوره! وإلا كيف أمكن -بعد ذلك- نسخه أول مرة؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق