الأربعاء، 12 ديسمبر 2012

محمد رسُول الله وخاتم الأنبياء والرُسلّ الجزء الثاني

 

محمد رسُول الله وخاتم الأنبياء والرُسلّ

 

المبحث الثاني: منطقية وحتمية صدق نبوة ورسالة محمد وكونه خاتم الأنبياء والرسل وصاحب الرسالة الإلهية النهائية الموجهه لكل البشر في كل زمان ومكان

 

السؤال المطروح:

 

١)  ما هی الأدلة المنطقية لصدق نبوة ورسالة محمد؟

٢)  ولماذا هو خاتم الأنبياء والمرسلين؟

٣)  وهل هو صاحب الرسالة النهائية المتوقعة؟ وهل هی موجه لكل البشر وعالمية بطبيعتها؟

٤)  هل هذا منطقي وما هو الدليل؟

 

                  

         

البحث المنطقي للإجابة:     

 

١)  لقد ذكرنا في المبحث السادس في القضية الأولی الأدلة المنطقية والعقلية التي تدل علی وتحتم صدق الأنبياء والرسل جميعاً ووجوب تصديقهم...ومحمد هو أحد هؤلاء الأنبياء والرسل ولذا فهذه الأدلة كلها تنطبق تماماً عليه وتدل علی وتحتم صدقه ووجوب تصديقه هو أيضاً أي أن صدق نبوة ورسالة محمد هی جزء من صدق نبوة الأنبياء جميعاً كما أثبتنا...ولقد سبق أن قلنا وأثبتنا أن الأنبياء والرسل كلٌ لا يتجزء فإما أن نؤمن بهم كلهم جميعاً أو نكذبهم كلها جميعاً وليس هناك وسط ، وتصديق بعضهم وتكذيب بعضهم أو أحدهم غير منطقي ومرفوض بحكم العقل والفكر السليم والمنطق الإنساني ويكاد أن يكون مستحيل شكلا ً وموضوعاً...فإذا توصلنا سابقاً لحتمية صدق الأنبياء والرسل فمعنی هذا منطقياً صدق محمد وصدق رسالته وهذا منطقياً لا إشكال فيه ولا يحتاج إلی إثبات جديد أو برهان...وهنا ننصح القارئ المفكر أن يعيد مراجعه بنود المبحث السادس في الفضية الأولی وبالذات البنود ٧ & ١٠ & ١٢ & ١٣ & ١٤ & ١٥ &١٦ & ١٧ & ١٨ & ١٩ & ٢٠ وسيتأكد القارئ بعدها أن كل هذه البنود تشهد وثبت وتؤكد وتحتم صدق نبوة ورسالة محمد كما هی تشهد وتؤكد وتحتم صدق نبوة ورسالة غيره من الرسل والأنبياء وهی كلها تنطبق عليه تماماً كما تنطبق عليهم جميعاً ولذا فهی شاهد صدق منطقي وعقلي وحتمي لمحمد ولنبوته ولرسالته.

 

٢)  ولقد روی التاريخ الكثير وشهد المعاصرون مع إختلافهم علی الكثير مما يؤكد صدق محمد ويشهد علی حتمية ومنطقية صدقه ووجوب تصدقية والإيمان به وبرسالته...فحياة محمد في مجتمعة ما قبل النبوة والرسالة كانت حياة هادئة كريمة إشتهر فيها بين أفراد مجتمعه وقبيلته ومدينته بالصدق والأمانة والحكمة والعقل والرشد ولم يعهد عليه كذب قط أو سفه قط أو جنون قط ولم يتهمه أو يصفه أحد بهذا أبداً...بل علی العكس لقد كان محط إحترام وتقدير الجميع...ولقد نشأ يتيماً محروماً من حنان الأبوين وفقيراً يتولی تربيته عمه وهو كثير العيال وفي ضائقة مالية...ثم تعود منذ الصغر علی أن يكسب قوته بنفسه فخرج للعمل وهو صغير وتدرج بين كافة الأعمال الشاقة والبسيطة والكبيرة وذاق صعوبة وشظف العيش والحياة...ومع هذا ورغم كل تلك الظروف القاسية لم يعهد عليه كذباً قط أوسغة أو خيانه أو فساداً وهذا ما أكسبه الإحترام والتقدير...فكيف يعقل أن يقوم إنسان بهذه الصفات العالية والأخلاقيات الكريمة بالكذب الفاضح فجاءة علی الإله الخالق ويدعی النبوة...إن هذا يخالف المنطق والعقل تماماً...إن كان هذا كذباً فلم يعهد عليه فيما سبق من حياته كذباً ولو بسيطاً ولو مقدمات لكذب...وإن كان هذا جنوناً أو مرضاً عقلياً أو نفسياً فلم يعهد عليه فيما سبق من حياته جنوناً أو شذوذاً عقليا أوً نفسياً ولا مقدمات أو أعراض لذلك من أي نوع. والمعروف لدی البشر والمشهود والمنطقي أن الكذب والجنون والشذوذ العقلي والنفسي والسلوكي لا يأتي فجأة ولكن عادة يبدء بأعراض بسيطة تزداد مع السن والعمر حتی تصل إلی الصورة الكاملة ولكنه يستحيل ولم نری أبداً هذه الأشياء تبدء فجأءة بدون سابق أعراض أو بوادر من أي نوع...فهذا إذن يشهد علی صدق محمد فيما إدعاة من النبوة والرسالة. ولقد شهد التاريخ ومعاصرو محمد أيضاً علی الكثير من المعجزات والخوارق التي تؤكد صدق نبوته ورسالته فمثلا ً تظليل الغمام له حتی قبل أن يبعث رسولا ً وتعرف بعض الرهبان عليه من صفاته أيضاً قبل أن يبعث ، وشق القمر مادته الإسراء والمعراج ، وتكليمه للشجرة وللغزالة وإستجابتهم له ، وإشفاء المرضی ، وإخباره عن الكثير من الأحداث الغيبية الحاضرة والمستقبلة ووقوعها تماماً مثلما تنبأ وأخبر بما أطلعه عليه ربه...ثم الكتاب الذي أوحاه إليه ربه مباشرة وسماه القرءان والذي هو معجزة لغوية ومعنوية وفكرية شهد لها وبها جميع علماء اللغة العربية التي أنزل بها بلا إستثناء في القديم والحديث ولم يستطيع أحد أبداً أن يأتي بمثلها أو يضاهيها لا من حيث الشكل ولا المضمون ولا التأثير برغم أن العرب من أكثر الشعوب تمكناً من لغتهم وإتقاناً لها ولإساليبها وتفنناً في إستخدامها ومع كل مهارتهم لم يستطيع علی مر الأجيال منذ زمن محمد وحتی الأن أن يأتوا بمثله أو بما يشبهه بأي صورة من الصور برغم أن فيهم من حاول لأن كثيراً منهم كانوا كافرين وملحدين ومعاندين ومشككين ومع هذا وقفوا عاجزين أمام هذا التحدي الذي هو إذن معجزة خارقة بكل المنطق والقوانين العقلية.  والمعجزة اللغوية بكل المقاييس المنطقية هی كأي معجزة أخری وهی ملزمة لكل من رأها أو سمع بها حتی ولو لم يكن من أهل هذه اللغة فكل ما هو معجزة لأمة كاملة هو معجزة لكل الأمم مجتمعة.  كل تلك المعجزات وهی مجرد أمثله ومنها الكثير الذي لم نذكر...تقف شاهدة علی صدق محمد وتصديق ربه له وتأييده بمثل هذه المعجزات والخوارق التي أعطاها الله للأنبياء من قبله لتؤيد صدقهم أمام أقوامهم...والناس في كل زمان ومكان أمام المعجزات الإلهية نوعان قسم يصدق ويؤمن ويتبع وقسم يخالف عقله ويكذب ويرفض ويعاند ويختلق لذلك الأسباب الواهية التي لا هی منطقية ولا يقبلها العقل والفكر...وأن يكذب البعض والمعجزة أمام عينه ليس ذلك ضعفاً أو عيباً في المعجزة نفسها ولكنه عيب فيهم أنفسهم إما بضعف العقل والتدبر وإما بوجود المصلحة وإما بالإستكبار عن التصديق وإما بالمعاندة لمجرد المعاندة وكلها عيوب شخصية وعقلية وذاتية.  فوجود مكذبين إذن ممن شاهد المعجزة ليس دليل إطلاقاً علی عدم صدقها أو إعجازها ، هذا منطقي وواضح.  ولقد كان أعداء محمد كثيرون جداً من أهله وقبيلته وقومه وأمته...ولقد وقفوا أمامه وأذوه وأخرجوه من بلده ثم حاربوه حرباً شديدة إستمرت سنوات كان هو فيها الأضعف والأقل عدداً وعدة بكثير ولكن ومع هذا كان ينتصر دائماً وفي كل مرة بطريقة غريبة وضد كافة القواعد العقلية مما يدل علی أن في كل مرة كانت هناك قوة إلهية تتدخل لإنقاذه ونصره رغم قوة أعداءه وضعف صفوفه...حتی حين كان وحيداً في بلدته والمؤمنون به والمصدقون له قلة قليلة كما كان الحال مع كل نبي ورسول من قبل...وقف صلباً أماما أعدائه بطريقة غريبة ليس لها مثيل ولوتتبعت التاريخ وأحداثه في هذه الفترة وهذا المكان لتعجبت كيف نفذ هذا الإنسان البسيط الضعيف من بين براثن أعدائه وكيف أفلت منهم  وهم كانوا القوة والسلطة والكثرة فمن ذا الذي أنقذه وأفلته منهم ومكنه من إتمام دعوته ورسالته ونشر دينه الذي أتی به من الله العظيم...لا بد بلا شك أن الإله العظيم القادر الذي أرسله هو الذي أنقذه وحفظه ونصره في معاركه علی عكس كل القوانين والمقاييس الأرضية المتعارفة...فهذا وحده دليل قوي عقلي ومنطقي ولا ينازع وواضح ولا يقبل الجدال علی صدق محمد وصدق نبوته وصدق رسالته.

 

٣)  وتاريخ الأنبياء والرسل يشهد في أحياناً كثيرة بأنهم أخبروا وتنبأوا سواء مباشرة أو من خلال الكتب والألواح التي جاءوا بها من الإله الخالق بظهور النبي الخاتم وزمانه ومكانه وأوصافه بالضبط وعلامات نبوته...وكل هذه الأوصاف وتلك العلامات إنطبقت تماماً علی محمد بشخصه وبدنه وزمانه ومكانه فأدم ونوح وإبراهيم أنبياء الله عليهم السلام تنبأوا وأخبروا عن ظهورة وأوصافة وصلوا لربهم ودعوة لكي ينصره ويبعثه ويسهل له أداء رسالته وليجعل قلوب الناس تهفوا إليه...وهذه التوراة...الكتاب الذي أنزله الله لموسی عليه السلام تحدد أوصاف محمد الشخصية والزمانية والمكانية بدقة شديدة وتدعو الناس لاتباعه عند ظهوره والإيمان به ونصره ومساعدته...وها هو نبي الله عيسی عليه السلام بيشر به من بعده مباشرة ويحدد حتی أسمه...ولذا فلا عجب أن نجد أن كلا ً من علماء اليهود والنصاری في الجزيرة العربية عندما أهل زمان محمد وقبل بعثه...يروجون لظهور نبي في المنطقة مذكور في كتبهم وكانوا يحددون صفته...وبعضهم لما رأی محمد وهو بعد صبي مع عمه في أسفاره عرفه من صفاته وطلب من عمه أن يرعاه ويحفظه لأنه النبي الخاتم المنتظر...وبعد أن جاءته النبوة والرسالة جاءه الكثير من الأحبار والرهبان ليسمع منه ويتعرف عليه ويمتحنه والبعض منهم أمن لما رأی علامات نبوته المذكورة علی لسان النبيين وفي الكتب الإلهية وتعهد بنصره وتأييده والبعض الأخر أشهر إسلامه ودخل في الدين الذي أتی به محمد من ربه...والبعض فضل مصالحه وعصبيته وشهواته.  وواضح منطقياً هنا أن من أمن وصدق من هؤلاء الأحبار والرهبان ممن معهم علم الكتب السماوية والرسالات الإلهية السابقة ووصايا الأنبياء هم حجة علی من غيرهم من أمثالهم ممن لم يؤمن وكذب وليس العكس...لأن الدافع والمصلحة مفقودة تماماً عند من أمن وصدق بل علی العكس فهو سيتضرر من إيمانه وتصديقه في حين أنه متوفرعند من كذب وخالف...ولنضرب مثالا ً علی ذلك لنفترض هذه القصة البسيطة:  "رجلا ً" ثرياً أختفی منذ سنوات عديدة فورثه بعض أقاربه...وبعد مدة جاء رجلا ً وأدعی أته ذلك الثری الذي إختفی وطالب بأمواله من أقاربه...وليتأكد القاضي من شخصية هذا الرجل إن كان هو فعلا ً الثری المفقود أم لا...إستدعی سبعة من يعرفون الثری ويعرفون صفاته وسماته تمام المعرفة وطُلب منهم أن يتعرفوا علی الرجل...فتعرف عليه تماماً ثلاثة منهم وأقروا بأنه هو فعلا ً الثری المفقود...أما الأربعة الأخرون فأنكروه وقالوا ليس هوه ولكن هؤلاء الأربعة كانوا من الأقارب الذين ورثوا منه وأثروا بفقدانه...فماذا تظن سيكون حكم القاضي في القضية؟  هل سيظل في شك أم سيأخذ بشهادة الثلاثة العديمي المصلحة ويعتبرها حجة علی الأخرين لأنهم أصحاب مصلحة ويحكم بثبوت شخصية الرجل علی أنه الثری المفقود ويأمر برد ماله إليه...ماذا ستفعل أنت أيها القارئ المفكر لو كنت مكان هذا القاضي وكيف ستتخذ قرارك بناء علی الحكمة والمنطق والفكر السليم...وماذا سيكون حكمك لو علمت أن الثلاثة الذين شهدوا بثبات شخصية الرجل وصحة إدعاءه هم أيضاً من أقاربه الذين ورثوا منه وإستفادوا من فقدانه وغيابه ولكنهم فضلوا شهادة الحق علی مصلحتهم الشخصية ومنفعتهم الذاتية وعلی الضرر الذي قد يصبهم فهل يبقی بعدها لديك أدنی شك في صحة شهادة الثلاثة وحجتها علی المكذبين أصحاب المنفعة والمصلحة...سنترك الحكم علی هذا لك أيها القارئ المفكر...وسيتضح لك بعدها منطقية القضية ووضوح الحق والبرهان فيها.

 

فأولا ً:  هذا عبد الله بن سلام أحد كبار علماء بني إسرائيل في يثرب وخيبر والجزيرة العربية كلها وكان مشهود له بالعلم والفقه بين كافة الأحبار...عندما تأكد من علامات النبوة في محمد التي يعرفها جيداً من التوراة لم يتردد في إشهار إسلامه وإتباع محمد والإيمان به والدخول في الدين الجديد وكان يقول لمحمد بعد ذلك "لقد كنا نعرفك يا رسول الله كما نعرف أبناءنا وأهلنا وأكثر لكثرة ما ورد من أوصافك في كُتبنا."

 

وثانياً:  هذا سلمان الفارسي رجل تنقل بين الأديان ودرسها حتی إذا كان مع راهب نصراني في الشام أقام معه فترة من الزمان أخبره ذلك الراهب العالم بأن النبي الخاتم الموجود في الكتب المقدسة أوشك أن يظهر وأنه سيهاجر إلی مكان بالجزيرة العربية يسمی يثرب وأوصی الراهب وهو علی فراش الموت سلمان بأن يذهب إلى يثرب ليلتقی بالنبي الخاتم ويؤمن به ويتبعه وينصره ويحارب معه وأعطاه علامه يعرف بها النبي وفعل سلمان بالوصية لأنه كان رجلا ً محباً للإله الخالق ومطيعاً له ولم يتوانی من أن يذهب إلی يثرب وعندما إلتقى بمحمد أراد أن يتأكد من العلامة التي أعطاها إياه الراهب وبينما هو يفكر كيف يتحقق من ذلك إذا بمحمد يرفع إزاره ويكشف عن ظهره ويطلب من سلمان بأن ينظر بين كتفيه وما أن نظر سلمان حتی رأی خاتم النبوة وهو العلامة التي دله عليها الراهب بين كتف محمد  عند ظهره فعرف حينئذٍ وتأكد بأنه النبي الخاتم المنتظر الذي جاء من أجله فأمن به وصدقه ودخل في دينه وحارب معه وأبلی خير البلاء وهو علی ثقة من ربه ونبيه ودينه.

 

وثالثاً:  هذا النجاشي ملك الحبشة وأحد علماء المسيحية وأحد المتعصبين لها عندما سمع القرءان يتلی من جعفر إبن أبي طالب بكی وبكی من حوله من الرهبان النصاری وقال “إن هذا والذي جاء به عيسی نبي الله ليخرج من مشكاة واحدةٍ وأمن بنبوة محمد وإن لم يدخل في الإسلام وأكرم أتباع محمد وأرسل إليه يؤيده ويناصره ويعترف بأن ما جاء به هو الحق من الله تماماً مثلما جاء به عيسی هو الحق من الله.

 

ورابعاً:  هذا قيصر ملك الروم عندما يأتيه أبو سفيان زعيم مكة وقائد القوی المكذبة المحاربة لمحمد يطلب مساعدته...يسأله عن صفات هذا الرجل الذي أدعی النبوة ويطلب من أبي سفيان أن يصفه له ويسأله أسئلة محددة ومن خلال إجابات أبو سفيان الذي هو عدو لدود لمحمد يتأكد قيصر الروم من صدق محمد ويعرف أنه النبي الخاتم المنتظر...وبعد أن يخرج أبو سفيان يجمع قيصر أعوانه ومستشاربيه السياسيين والدينين ويعرض عليهم الحقائق التي عرفها من أبو سفيان ويطلب منهم الدخول في الدين الجديد والإيمان بنبوة محمد وتصديقه وإتباعه ومناصرته...ولكن القوم ينكرون علی قيصر ذلك ويهددوه بالإنقلاب عليه وخلعه وتنحيته إن هو فعل ذلك بدافع من العصبية العمياء والمصلحة المجردة...ولم يجد قيصر بُداً مِن الإنسياق ورائهم وإتباع رغباتهم وغض البصرعما عرفه من الحق من نبوة محمد وصدقه وصدق رسالته ودينه.

 

وخامساً:  هذا وفد نصاری نجران وعلماءهم جاء يفاوض ويناظر محمد...ولما طلب منهم المباهلة (أي الدعاء إلی الله ليهلك الكاذب) بناء علی أمر من الله وحدد لهم موعداً ومكاناً وقبلوا بذلك ، ولكن لما رأوه خارجاً في الموعد المحدد ومعه إبنته وأحفاده وإبن عمه وهُم أهل بيته قال كبيرهم وأعلمهم ناصحاً لهم...لا تباهلوا هذا الرجل فإني أری أقواماً أعرفهم بسيماهم ووالله لو أنهم أقسموا علی الشمس لتشرق من الغرب لأقرهم الله وإستجاب لهم وفعل لهم ذلك فانجوا بأنفسكم وإرجعوا وإلا فقدتم حياتكم وأضعتم دين النصاری معكم...وهاكذا ولی القوم وهربوا وامتنعوا من لقاء محمد والمباهلة إلی الله أمامه.

 

وسادساً:  هذا ورقة بن نوفل...كان عالماً بأمور الأديان السماوية والأنبياء وقد تنقل بين الأديان يدرسها بدقة ثم إعتنق المسيحية لأنها أخر ما نزل من الرسالات وعندما ذهب إليه محمد مع زوجته خديجة وهی قريبة لنوفل ليقص عليه كيف بدء نزول الوحي عليه وليأخذا رأيه في الموضوع بإعتباره خبيراً وعالماً في أمور الأديان...فإذا بورقة يخبر محمد ويؤكد له أنه نبي أخر الزمان المنتظر وأنه أخر الأنبياء ويؤكد له أن ما أتاه هو نفس الملك الناموس الذي كان يتنزل بالوحي علی الأنبياء ووعده بأن يكون أول من يؤمن به ويدخل في دينه عندما يبلغ بنشر دينه...ولكن ورقة لم يعيش حتی هذا لأنه كان كبير السن وبلغ من العمر أرذلة.

 

وسابعاً:  وهذا يهودي عادي يأتي لمحمد يسأله ويتفحصه ويمتحنه ثم لما يتمالك نفسه وأعلن دخوله في الإسلام وإيمانه وتصديقه بمحمد  أخر الأمر لما رأی من خلقه وحلمه وحكمته وأدرك بعلمه وبعقله أن هذه الدرجة الأخلاقية العالية وهذه الحكمة الملهمة لا يمكن أن تتوفر إلا في نبي مرسل من ربه تماماً كما كان الأنبياء من قبل.

 

 وثامناً:  وهذه جماعة من علماء بني إسرائيل عندما جاءهم وفد من مكة يسألهم إن كان محمد صادقاً فطلب العلماء من وفد مكة أن يمتحنوا محمد ويواجهوا إليه عدة أسئلة معقدة لا يعرف إجابتها إلا نبي مرسل من ربه حقاً وصدقاً...أسئلة عن الروح وعن أهل الكهف وعن ذي القرنين وعن قصة يوسف عليه السلام...وأكد هؤلاء العلماء لكفار مكة بأنه لا يستطيع أن يجيب علی هذه الأسئلة إلا نبي يوحی إليه من السماء وأكدوا لهم بأن محمد لو أجاب فهو نبي ورسول ولا شك في صدقه وعليهم إتباعه والإيمان به ولما طرح الكفار هذه الأسئلة علی محمد التي كانت بمثابة إمتحان معقد لنبوته ورسالته وصدقه لم يعرف عن إجابتها شيئاً وتوجه ودعا ربه ليوحي إليه بالإجابة...وفعلا ً تنزل الوحي من الله بأيات من الكتاب "القرءان"  تحدد بكل دقة وتروي بالتفصيل إجابات هذه الأسئلة التي لا يعرف إجابتها إلا من يأتيه الخبر من السماء ومن الإله الخالق العظيم صدقاً وحقاً...فبهت الكفار وأمن منهم من أمن وأصر علی الكفر من أصر لما عرضت الإجابات علی علماء بني إسرائيل فأقروا بصحتها وبصدق نبوة من قالها وأنه المبلغ عن الإله وأنه الرسول الخاتم المنتظر وأن كتابه هو الكتاب الخاتم الموجود ذكره عندهم في التوراة وفي الأخبار المتواترة.  فهل يبقی بعد هذا شك أيها القارئ المفكر في منطقية وعقلانية صدق محمد وصدق نبوته ورسالته وما أتی به من ربه الخالق الواحد العظيم؟!

 

٤)  لو تأملنا وتتبعنا قصة نبي الله إبراهيم عليه السلام وهو يعتبر أبي الأنبياء لأن الكثير منهم جاء من نسله لأن الله وعده بهذا وهذا متفق ولا خلاف عليه...ولقد رزق إبراهيم بعد كبر سنه بولدين أولهما إسماعيل وأسكنه وأمه هاجر مكة بأمر من الله وكانت وقتها أرضاً جرداء لا حياة ولا ماء فيها وثانيهما إسحاق وقد بقی معه وإذا كان الله وعد إبراهيم بأن يأتي الأنبياء من نسله وصلبه وولده والله عدل مطلق...ولإبراهيم ولدان كلاهما نبي مرسل...فكان لا بد ومنطقي إذن ويتمشی مع العدل الإلهي أن يأتي أنبياء من نسل كلا من ولدی إبراهيم ، أي كلا من إسماعيل وإسحاق حتی يتم الله ويصدق وعده لنبيه إبراهيم بعدل وقسط.  أما ما يدعيه بعض بني إسرائيل من أن الله وعد إبراهيم أن يأتي الأنبياء من نسله من إسحاق فقط فهذا غير مؤكد وغير متواتر وغير مُجمع عليه ثم يخالف المنطق والعقل الذي يقول بأن الأقرب للتصديق ولصفات الإله العدل المطلق أن يأتي أنبياء من كلا طريقي  نسل إبراهيم عليه السلام طالما أن كلا الولدين طاهرين ونبيين ورسولين فالأكثر منطقية وعقلية إذن أن نقول بأنه لا بد أن الإله العدل سيجعل من كلا ً من ولدی إبراهيم الذان هما معاً يسميان نسل إبراهيم أنبياء ورسل طالما أنه وعده بهذا والله صدق مطلق ووفاء مطلق وعدل مطلق...فهذه الصفات تدل علی منطقية وتوقع حدوث هذا.  فإذا كان إسحاق رزق بيعقوب إسرائيل وكان نبياً ويعقوب رزق بيوسف وكان نبياً ومن نسله موسی وهارون وداود وسليمان ويحيی وزكريا وعيسی وكلهم أنبياء ورسل إذن فقد تحقق الوعد في نسل إسحاق إبن إبراهيم حتی يتم وفاء وصدق وعدل الله المطلق...ولكن لم يأتي من نسل إسماعيل إبن إبراهيم أي نبي أو رسول إلا محمد فقط فكان لا بد تماماً لوفاء وصدق وعدل الله أن يكون هو صدقاً وحقاً النبي والرسول من نسل إسماعيل المنتظر والمتوقع وبذا يكون الله قد تم وعده لإبراهيم وبعدل مطلق بين ولديه فأصبح كل منهم أباً لأنبياء ورسل ولكي يكون العدل تاماً شاملا ً وهذا ملائم مع صفة العدل المطلق لله وازی الله بين كثرة الأنبياء من ولد ونسل إسحاق وبين ان يكون النبي من ولد ونسل إسماعيل واحد فقط ولكنه الخاتم وحامل الرسالة الشاملة النهائية...فكان لا بد وأن نتوقع هذا ليتزن ميزان العدل المطلق بين الولدين إسماعيل وإسحاق فالأخير هو أبا أنبياء كثيرون متعددون لأمم وأقوام شئ والأول هو أبا نبي واحد ولكنه الخاتم والشامل والمكمل والنهائي لكان الأمم والأقوام والشعوب...فهل هناك أروع ولا أنصف من هذا العدل الإلهي الذي سوی وعدل بين الولدين النبيين من نسل إبراهيم عليه السلام في الوعد له في النبوة من نسله...أليس هذا العدل يوافق المنطق الإنساني والعقل والتفكير البشري...هل إذا أردت أن تعدل بين أبنائك هل ستفعل أكثر من هذا وهل سيتوقع منك أقل من هذا...فنبوة محمد وصدقه وصدق رسالته وخاتميتها واضحة إذن من هذا الطريق وتلك الناحية وتوافق المنطق والفكر والعقل السليم والتدبر الحاذق...وعداها لا هو منطقي ولا عقلي ولا يتفق مع صفات الله المطلقة التي سبق وأن عرفناها وأثبتناها وأمنا بها وصدقناها.

 

٥)  ولقد أمر الله نبيه إبراهيم كما ذكرنا بأن يأخذ زوجته هاجر وإبنه الرضيع إسماعيل ويتركهم في بقعة جدباء وسط الصحراء القاحلة حيث لا ماء ولا حياه لحكمة لا يعلمها إلا الإله الخالق ويرجع وحيداً...ونفذ إبراهيم أمر الله وقلبه يتقطع علی إبنه الوحيد الذي جاء بعد كبر سنه ودنو أجله...ولكنه نبي...وإن لم ينفذ أمر الله فمن سينفذه؟  ثم فجر الله المياه وسط الصحراء لينقذ هاجر وإسماعيل من الهلاك المحقق وبوجود الماء بدأت الحياة تدب في المكان وبدء الزرع ينموا ثم جاءت قبائل لتستقر في المكان بجانب هاجر وإبنها وبدءت تُنشأ مجتمع صغير ثم رجع إبراهيم بعد مدة ليری ماذا حدث لزوجته وإبنه وأمره الإله أن يبني له بيته الحرام في تلك البقعة بمساعدة إبنه الناشئ إسماعيل..وبنی إبراهيم وإسماعيل بيت الله الحرام وأمر الناس بالحج إليه من كل البقاع كما أوحی إليه الإله.  ثم نشأ مجتمع كامل ومدينة حول البيت سميت مكة ثم نشئت أمة كاملة في المنطقة المحيطة هی الأمة العربية...هذه الأمة التي نشئت من لا شئ في مكان لم تكن به حياة نشئت بأمر الله وبقدرته وبتدخله والمباشر من خلال القصة السابقة ومن خلال بناء بيته الحرام في هذا المكان...ولو لم يختار الله هذا المكان لما كان هناك مكة ولا أمة عربية علی الإطلاق...ثم إن الإله بعث بعد ذلك وقبل ذلك رسلا ً لكل الأمم والأقوام علی الأرض تقريباً إلا هذه الأمة العربية فلم يأتيها رسولا ً أو نبياً يتحدث إليها بلغتها ويكون واحداً منها...مثل باقي الأمم.  فهل يعقل أن يترك الإله هذه الأمة التي أنشأها بقدرته وبحكمته المباشرة كما رأينا وجعلها محيطة وراعية لبيته  ولا يبعث إليها وفيها رسولا ً ونبياً منها وبلغتها...فمن المتوقع إذن عقلياً ومنطقياً أن يبعث وأن يظهر نبي في هذه الأمة منها وأن يكون ظهوره من جانب بيت الإله الحرام في مكة الذي ملئُ بالأصنام والضلال والشرك...كل هذا مفهوم ومتوقع منطقياً حتی وإن لم يحدث...فإن لم يظهر أي نبي أو رسول في هذه الأمة العربية إلا محمد لا قبله ولا بعده أحد...فمنطقي إذن أن يكون هو...أي محمد...هو نبي هذه الأمة التي صُنعت وأُنشأت بقدرة ربها المنتظر ظهوره فيها...ليتساوی حالها بذلك مع حال كافة الأمم وتبلغ لها رسالة السماء علی لسان رجل منها وبلغتها...وهذا طبيعي ومنطقي مع عدل الإله المطلق وحكمته المطلقة وغيره لا يوافق المنطق والعقل والتفكير السليم.

 

٦)  ثم علی ما يدل إنشاء هذه الأمة خصيصاً بهذه الطريقة الإلهية العجيبة التي إنفردت بها دون الأمم؟  فقد أنشأت بوحي من الإله لنبيه إبراهيم عليه السلام...فلا بد إذن وأن يكون هناك حكمة كبيرة جداً من وراء إنشاء هذه الأمة...أكبر من أن تكون مجرد إرسال نبي لها في المستقبل حالها حال بقية الأمم علی الأرض ثم جعلها محيطة ببيته الحرام الوحيد علی الأرض كل هذا ألا يشير لحكمة عالية؟  فإذا جاء النبي في هذه الأمة وقال بأنه خاتم الأنبياء ورسالته موجه للبشر جميعاً في كل مكان وأنها الرسالة الخاتمة ، أليس هذا يصلح فعلا ً لأن يكون الحكمة العالية من إنشاء هذه الأمة في هذا المكان بالذات حول بيته الحرام علی الأرض...إن هذا منطقي وواضح كل الوضوح فالإله أراد أن يمهد لرسالته الخاتمة يعد لها مسرحاً خاصاً للأحداث وينشأ لها مكاناً خاصاً وأمة خاصة ولغة خاصة وهذا الإعداد كله حين أمر نبيه إبراهيم بأن يأخذ زوجته وإبنه قرة عينه إلی هذا المكان الغريب الموحش وبدءت بعدها يد العناية الإلهية في إنشاء الأمة وإعداد مسرح الأحداث للرسالة الخاتمة والنبي الخاتم...ثم أتم الإله كل هذا بإرسال محمد ورسالته إنطلاقاً من هذه الأمة التي أنشأها وأعدها لذلك وإنطلاقا من هذا المكان الذي جعل فيه بيته وإختاره بهذا مكان لإنطلاق هذه الرسالة الخاتمة...فخصوصية الإنشاء والإعداد والتكوين للأمة بيد الإله الخالق علی يد نبيه إبراهيم وإبنه إسماعيل تتوافق تماماً منطقياً وعقلياً مع خصوصية الرسالة المحمدية في كونها خاتم الرسالات الموجهة للبشر جميعاً وليس لأمة بعينها...فهذا دليل واضح وبرهان ساطع منطقي وعقلي علی كون رسالة محمد هی خاتم الرسالات أولا ً وأنها شمولية عالمية لجميع الناس في كل زمان ومكان...وهنا يستطيع العقل أن يتفهم ويتقبل الحكمة العالية للإله بإنشاء هذه الأمة بقدره المباشر وأمره المباشر الواضح  وبقدرته ورعايته المباشرة.

 

٧)  وقد ثبت أيضاً عن الكثير من الأنبياء والرسل أخبارهم بأن رسالة محمد النبي الخاتم ستكون رسالة ليس فقط نهائية ولكنها موجهة للبشر أجمعين وليس لقوم محددين ولذا أوصی كل نبي قومه وإتباعه والمؤمنون به وأمرهم  بإتباع هذا النبي إذا ظهر والإلتزام برسالته لأنها الرسالة الخاتمة الملزمة للبشر جميعاً...فهذا إذن دليل علی عالمية وشمولية رسالة محمد للبشر أجمعين وهذا ما جعل معظم الأنبياء يخبرون عنه هو بالذات ويدعون لإتباعه عند بعثه وإرساله.

 

٨)  ثم إذا تأكدنا وأطمئنا منطقياً إلی صدق محمد في نبوته ورسالته وعدم كذبه فيما جاء به من ربه...فمحمد نفسه أخبر وقال أن رسالته موجهة للناس جميعاً في كل زمان ومكان وأنها عالمية ملزمة للجميع بالإتباع وأن الإله سيسأل البشر عنها وهل إتبعوها أم لا في يوم الحساب...فإن كان صادقاً في رسالته فهذا جزء من رسالته فمنطقياً أن يكون هذا صدقاً أيضاً...ومادمنا صدقناه وأثبتنا صدقه فهذا ينطبق علی كل ما قاله وأخبر به ولا يد إذن منطقياً وعقلياً أن تكون رسالته عالمية وشمولية وملزمة كما قال وأخبر عن ربه.

 

٩)  وعدم ظهور أي نبي أو رسول بعد محمد وحتی الأن ١٤٠٠ سنة  ألا يدل هذا علی صدقه في أنه أخر الأنبياء والمرسلين فعلا ً ولو كان هناك بعده أحد فلما لم يظهر كل تلك المدة؟  فهذا برهان يشير منطقياً وعقلياً علی أن محمد فعلا ً هو خاتم الأنبياء والرسل.

 

١٠)  ثم إن الإنسانية عموماً كانت في عهد محمد قد تطورت وتنظمت بشكل يسمح معه بتنزيل الرسالة الخاتمة الموجهة لكل البشر ، وهذا كان غير ممكن في مراحل سابقه حيث لم تكمل الإنسانية نضوجها وتطورها حتی تكون مستعدة لإستبدال هذه الرسالة السماوية الأخيرة الموحدة للجميع...فمثل هذه الرسالة تحتاج لحد أدنی من التطور  والتنظيم والحضارة والإتصال يسمح لهذه الرسالة الموحدة بالإنتشار والتفهم والإتباع والتطبيق بصرف النظر عن المكان والزمان...فتقابل وتلازم وصول الإنسانية إلى هذه المرحلة والدرجة مع نزول الرسالة الخاتمة فعلا ً هو دليل واضح ومنطقي  علی عالمية وشمول هذه الرسالة الخاتمة ، فالإنسانية في هذا الزمن تميزت بوصولها لدرجة ترسخت معها المفاهيم والقيم الإنسانية النبيلة والأخلاق الفاضلة وعرف الإنسان وتعرف علی الأرض التي يعيش عليها والأكوان التي تحيط بها وعرف كيف يزرع ويصنع ويتاجر ويتنقل وعرف من خلال الأنبياء والرسل خالقه وعرف كيف يتصل بأخيه الإنسان في أماكن نائية وأن يتخاطب معه وتطور الفكر والسياسة والإقتصاد وتطورت الحضارات المختلفة وإزدهرت في مختلف بقاع الأرض كل ذلك جعل الإنسان مؤهلا ً نفسياً وعقلياً وفكرياً ومعنوياً وروحياً لتلقی الرسالة الخاتمة الشاملة بصرف النظر عن مكانة ولونه ولغته وزمانه.  فظهور هذه الرسالة الخاتمة في هذا الوقت بالذات دليل واضح علی شموليتها وعالميتها وإذا كانت ظهرت والإنسان بعد في عصره الحجرية لقلنا كيف تظهر والإنسان لم يكمل تطوره بعد ولم يستعد لها وإن أخر ظهورها حتی زماننا هذا لقلنا لما تأخر ظهورها كل هذا الوقت والإنسان مستعد لتلقيها واتباعها منذ زمن بعيد فالتوافق إذن دليل صحة الشمولية والعالمية.

 

١١)  وإذا نظرنا إلی طبيعة الرسالة المحمدية الخاتمة وما إحتوته وقارناها بما سبقها من رسالات سماوية...لادركنا فوراً الفروقات الكبيرة والكثيرة التي تميزها عن غيرها من الرسائل الإلهية...وأهم هذه الفروقات بإختصار أنها الأكثر تحديداً وتنظيماً للشئون الإجتماعية الإنسانية والأكثر تقنياً للأمور السياسية والإقتصادية والدينية والعسكرية والقضائية والتشريعية والأكثر تدخلا ً في كافة شئون الإنسان الحياتية حتی البسيط منها والروتيني...ولذا فهی تضع منهاجاً متكاملاً للحياة الإنسانية منذ بداية اليوم والإستيقاظ وحتی نهايته في المساء والنوم...ولذا فهی تصلح لأي راغب في الإنتهاج بنهجها وتعطيه برنامجاً حياتياً شاملا ً ودقيقاً لا يترك أي صغيرة أو كبيرة دون أن ينظمها ويقننها ويحددها ولكن أروع ما في هذه الرسالة المرونة الكبيرة الموجودة فيها وهذا بالذات ما يميزها عن غيرها...فأن تضع برنامجاً حياتياً متكاملا ً هذا شئ رائع ولكن الأروع منه أن يكون هذا البرنامج مرِنًا بطريقة تسمح له بأن يشمل كافة الأنماط الإنسانية على إختلاف زمانها ومكانها وتباينها وتبايناً شديداً دون أن يحملها مشقة شديدة في إتباع هذا المنهاج ، والأخذ بهذا البرنامج ووضعه موضوع التنفيذ.  هذه الفروقات الكبيرة بين الرسالة الخاتمة وسائر الرسالات التي سبقتها...وهذا البرنامج الشامل المتكامل والمقنن...وهذه المرونة الرائعة والمقصودة ألا يدل ذلك كله علی منطقية شمولية وعالمية الرسالة الخاتمة ولو كانت محدودة في زمانها ومكانها كمن سبقها من الرسالات ، لتشابهت مع الرسالات السابقة ولما كنا وجدنا تلك الفروقات الكبيرة ولا هذا البرنامج المتكامل الشامل ولا هذه المرونة الكبيرة المتعددة والتي لم توجد في رسالة قبلها...فطبيعة الرسالة المحمدية الخاتمة إذن ومحتواها دليل منطقي وعقلي واضح لا يقبل النقاش علی عالمية الرسالة وشموليتها وخاتميتها وصدقها.

 

١٢)  ولقد سبق وقلنا وناقشنا وأثبتنا بما لا يدع مجالا ً لأي شك بأن من صفات الإله الواحد القهار العظيم...الحتمية والثابتة أنه لا يستطيع أن يكذب عليه أحد أو أن يدعي عليه أحد أو أن يبلغ عنه أحد بما لا يرضی ولا يقبل...وقد أكد جميع الأنبياء والمرسلين هذه الصفة لله...فإن كان الإله لا يقبل أبداً وهذا منطقي تماماً أن يكذب عليه أحد ولو في أتفه الأمور وحق عليه أن يمحق الكاذب في هذا المجال وأن يظهر ويفضح كذبه وإفتراءه...فكيف إذن سيقبل ويرضی برجل ليس فقط يكذب ويدعی أنه نبي أو رسول...لا...إنه يدعی أنه خاتم الأنبياء وحامل رسالة إلی كافة البشر والناس في كل زمان ومكان...فهل يعقل أيها القارئ المفكر أن يقبل الإله هذا الإفتراء الرهيب الكبير عليه من رجل عادي مثل سائر البشر...وهل كان سيمكنه من هذا...وهل سيقبل الإله أن يضلل هذا الرجل برسالته المزعومة كافة البشر وكل الناس في كل زمان ومكان وهو الذي لم يقبل بتضليل أمة واحدة أو فئة محدودة أو أقوام قليلون أما كان حقاً عليه أن يرسل رسولا ً أخر علی الأقل يفضح كذب هذا الرجل وإفترائته علی الإله.  إن هذا غير عقلي وغير مقبول وغير منطقي ويتنافی تماماً مع أبسط صفات الإله المطلقة التي توصلنا إليها وأثبتناها وأكدها الأنبياء والمرسلين عن الإله فإذا كان الإله قبل ونصر وساعد ونشر رسالة محمد ولم يمحقه ولم يظهر كذبه أو تضليله فمعنى هذا منطقياً أنه أي الأله موافق على ما يقول أو أنه أي محمد يقول ويبلغ تماماً ما أمره به الأله وإلا لَما أيده وساعده ونصره ونشر رسالته.  إن العقل والمنطق يقول ذلك يوضوح وفي هذا أوضح بيان ودليل وبرهان علی صدق محمد وخاتمية رسالته وشمولها وعالميتها كما بلغ وأخبر...ولا بأس هنا أن نضرب مثالا ً منطقياً بسيطاً لنقرب الأمور إلی الأذهان...لنفترض أن شخصاً بالولايات المتحدة الأمريكية أدعی كذباً أنه أديباً عظيماً أو أنه رسولا ً لإله وهمي أو أنه مبعوث من الفضاء الخارج أو أنه أميراً لجزيرة نائية...هل سيحاسبه الرئيس الأمريكي علی أدعاءته هذه أو يدير إليه بالا ً علی الإطلاق؟!  إن العقل والمنطق يقول لا ففي هذه البلاد كل إنسان له حرية في إدعاء ما يشاء والترويج لما يشاء من أفكار طالما لن يؤذي الأخرين...ولكن إذا جاء هذا الرجل وإدعی كذباً أنه عضواً أو وزيراً في إدارة الرئيس الأمريكي نفسه وأنه أحد المقربين منه وأنه يتحدث بإسمه...هل سيتقبل الرئيس منه ذلك ويقف مكتوف الأيدي أمام هذا الكاذب الذي يدعي ويفتري عليه ويريد أن يلصق نفسه به وهو كاذب...وهل لن يأمر بالقبض عليه ومحاكمته وإظهار كذبه وبهتانه للجميع ثم إلقائه في السجن وإبعاده خارج البلاد...نعم إن العقل والمنطق يقول بأن هذا المتوقع أن يحدث وإن حدث غير ذلك يكون غير منطقي وغير متوقع وغير عقلي...فما بالك إذا جاء هذا الرجل وأدعی للشعب الأمريكي كله أنه يحمل رسالة ودستوراً جديداً من الرئيس الأمريكي إلی شعبه ويطالبه بإلتزام بهذا الدستور وتلك القوانين الجديدة...فهل يبقی أي شك في أن الرئيس سينبري فوراً لإظهار كذب هذا الرجل الذي فاق كل الحدود في الكذب ويريد أن يضل الأمة كلها...ويدعی لها قوانين ودستور لم يردها الرئيس ولم يقول بها وهی مكذوبة...ومدعية عليه مائة بالمئة...ولو سكت الرئيس علی هذا الرجل فسيكون الرئيس منطقياً هنا أمام ثلاث إحتمالات لا رابع لها...إما أنه موافق بما يقول الرجل والرجل صادق فعلا ً فيما بلغ عنه من الرئيس...وإما أن يكون الرئيس مجنوناً فقد عقله ويريد أن يضل شعبه ويُعبث به ولا يبالي هوه في بيته الأبيض...وإما أن يكون الرئيس ضعيفاً أو ميتاً أو غير موجود من أساسه لينفي الإدعاء عن نفسه ويظهر كذب الرجل...فأي هذه الإحتمالات منطقية أنه سيحدث أيها القارئ المفكر...الأمر واضح وسهل تماماً...فلو كان الرجل كاذباً في هذا الأمر الخطير الذي سيمس الأمة كلها حاضرها ومستقبلها فسيقوم الرئيس فوراً بتكذيب الرجل وكشف زيفة وسيلقيه في السجن وسيحاكمه وينزل به أشد العقاب لإجتراءه عليه إلی هذا الحد الخطير...ولو كان الرجل صادقاً فسيسكت الرئيس وسكوته هو إقرار للرجل علی صدقه ولربما ساعده أيضاً في نشر ما يقول لأنه فعلا ً أتي من الرئيس وبأمره والرجل ما هو إلا مبلغ لما أمر به.  فلو تفحصنا هذا المثال جليا وطبقناه علی موضوعنا لوضح لنا تماماً بما لا يدع مجالا ً لأي شك صدق محمد وصدق تبليغه عن ربه وصدق رسالته وخاتميتها وعالميتها وشموليتها لكل الناس وكل البشر في كل زمان ومكان كما قال وكما بلغ.

 

١٣)  وهناك دليل منطقي أخر بسيط وسهل وواضح لكل ذي عينين وذي عقل حُر ومفتوح ومفكر...فإذا كنا توصلنا وأثبتنا في الإستنتاج الأول في القضية الثانية حتمية ومنطقية ختم النبوات والرسالات الإلهية وحتمي أن يكون هناك نبي ورسول خاتم أخير يحمل رسالة أخيرة شاملة للجميع ونهائية وقلنا إن هذا متوقع الحدوث منطقياً ومنتظر ، وإذا كان لم يدعی أبداً أحد من الأنبياء والرسل أنه هو الرسول والنبي الخاتم وصاحب الرسالة النهائية الشاملة الأخيرة للجميع إلا محمد فقط بدون منازع فهو إذن منطقي وعقلي صاحب الحق الأوحد في هذا الإدعاء حيث لم يشاركه أحد فيه ويكون فعلا ً منطقياً وعقلياً هو النبي والرسول الخاتم  المنتظر والمُتوقع إرساله من الإله ...وقد ظهر فعلا ً كما توقع وإستنتج العقل والمنطق برسالة شاملة كاملة تامة ونهائية للبشر جميعاً...فأي شك يبقی بعد هذا أيها القارئ المفكر في منطقية وعقلانية بل وحتمية صدق محمد وصدق رسالته وصدق خاتميتها وعالميتها وشموليتها لكل الناس في كل زمان ومكان.

 

١٤)  وقد يقول قائل لما لا يكون الرسول الخاتم هو عدة رسل يرسلهم الإله في وقت واحد يحملون رسالة واحدة شاملة كل منهم يتوجه إلی قوم أو أمة أو مجتمع يكون واحداً منهم ، يتحدث بلغتهم وينقل لهم الرسالة الأخيرة الشاملة الواحدة بلغتهم؟  ولما كان لا بد أن يكون الرسول الخاتم شخصاً واحداً بلغة واحده ولكنها موجهه للناس أجمعين علی إختلاف لغاتهم وعاداتهم؟  وهذا تساؤل مقبول منطقياً ولكن لو أمعنا التفكير والتدقيق وحكمنا المنطق الإنساني المتدوال في التعامل مع الأمور...لوجدنا الأتي:

 

أولا ً:  تعدد الرسل في وقت واحد وبرسالة واحدة  نهائية شاملة ولكن في مناطق مختلفة وبلغات مختلفة سيؤدي في النهاية وبعد رحيل الأنبياء وأنتهاء مهمتهم إلی تعدد الرؤيات والتفسيرات والتطبيقات من كل شعب بناء علی لغته وعاداته وميولة وبيئته وهذا بلا شك سيؤدي إلی أن تفقد الرسالة واحدنية مفهومها ومحتواها ومضمونها وتقنينها وسنجد أنفسنا بعد عدة سنوات قليلة أمام عدة رسالات مختلفة وليس رسالة واحدة وذلك منطقي نظراً لتعدد المصدر الذي أتی بالرسالة فالأفضل منطقياً إذن أن يكون مصدر الرسالة الخاتمة واحداً.

 

ثانياً:  سيتحزب كل قوم وكل أمة إلی نبيهم ورسولهم حتی وإن توحدت الرسالة وهذا من طبائع البشر المعروفة والمشاهدة...ومع الوقت ونظراً لهذا التحزب وتلك العصبية فلا يؤمن أن يحاول البعض الإضافة إلى الرسالة أو الحذف منها لجعل نبيهم متميزاً عن الأخرين لأنهم سيعتبروه يمثلهم والبشر ميالون بطبعهم للتحزبات والعصبيات العنصرية...فلكي تمنع  وتتجنب حدوث كل هذا منطقياً الأفضل والأحكم أن يكون الرسول الخاتم واحد للجميع لا خلاف عليه ولا تحزبات.

 

ثالثاً:  لو تعدد مصادر الرسالة الواحدة في وقت فكيف نأمن بعد مدة أن يختلف الناس والشعوب والأمم علی مصدر هذه الرسالة...فهؤلاء القوم يقولون أن نبيهم الأخير ورسالتهم هی من إله غير إله الأمة الأخری ورسالتها الأخيرة وهاكذا وهذا مع الوقت سيدعو ويؤدي إلی الشرك والظن بتعدد مصادر الرسالة الواحدة والبشر أيضاً ميالون لفعل هذا لنزعاتهم العنصرية والإقيلمية والتحزبية فالأمن للواحدنية إذن أن يبلغ الرسالة  الواحدة رسول ونبي واحد عن الإله الواحد هذا حكم المنطق والعقل.

 

ورابعاً: إن الإله يريد لخلقه بلا شك أن يتوحدوا وألا يتفرقوا...فلو أرسل لهم عدة رسل خاتمة برسالة واحدة في وقت واحد لكان كمن يدعوهم للفرقة والتحزب والتشرزم والتعصب وهذا غير صحيح وغير منطقي مع دعوة الإله الناس للتعارف والتكامل والتعاون والتوحد التي جاءت علی لسان جميع الأنبياء ودعوته لهم بنبذ العنصرية والتشزرم والتنابذ والإختلاف والتقاطع الذي يؤدي حتماً علی التنازع والتحارب والإقتتال فمنطقي إذن ليحث الإله الناس جميعاً على التوحد والإجتماع أن يوحدهم على نبي واحد ورسول واحد ينقل لهم الرسالة الأخيرة الشاملة...ومنطقي وعقلي بذا أن نفهم لما أراد الله نبي ورسول واحد وبلغة واحدة للرسالة الشاملة لكل البشر...إن في هذا لفته عظيمة ورائعة للدعوة للوحدة بين البشر وترك الفرقة والعنصرية والإجتماع علی عبادة الإله الواحد الخالق  وإتباع رسالته الشاملة الواحدة وعلی القيم الإنسانية النبيلة والقيم والمثل الإلهية الأخلاقية العليا التي تستطيع أن تجمع بين البشر جميعاً  بغض النظر عن زمانهم ومكانهم ولغتهم وعاداتهم وبيئتهم وألوانهم وأشكالهم...فهل هذا الهدف الرائع يتحقق أكثر أيها القارئ المفكر برسول واحد للرسالة الخاتمة للبشر أجمعين أم بعده رسل مختلفين ومتفرقين حتی ولو كانوا يحملون نفس الرسالة...إن الإجابة منطقية ولا تقبل الجدال فرسول واحد أنفع للهدف وأكثر ملائمة وهو الإختيار الطبيعي للعقل والمنطق في مثل هذه الحالة...ولنضرب مثالا ً واقعياً علی ذلك نتسأل...هل السكرتير العام للأمم المتحددة وهو بطبيعة وظيفته حامل رسالتها العالمية الشاملة لجميع الأمم والدول ومبلغها والأمين عليها...هل هذا السكرتير هو شخص واحد أم هو عدة سكرتيرين كل منهم يحمل نفس الرسالة ويؤدي نفس المهمة ولكنهم من دول مختلفة ولغات مختلفة وشعوب مختلفة؟  إن الدول التي أسست المنظمة الدولية إختارت سكرتيراً واحداً لهذه المهمة وتلك الرسالة العالمية؟  لما؟  لأن هذا هو حكم العقل والمنطق والتفكير الإنساني السليم في مثل هذه الظروف والمواقف طالما أن المطلوب توحيد الأمم وليس تفرقها.

 

 

 

ومن البنود السابقة جميعها ١ إلی ١٤ نستطيع وبعد التفكر والتدبر والتدقيق والتمحيص وبإستخدام العقل المجرد الفكر السليم والمنطق الإنساني نستطيع أن نستنتج الحقيقة الثابتة التالية التي لا يرقی إليها شك ولا تحتمل التخمين أو الظن:

 

 

الإستنتاج الثاني: 

 

          إن المنطق والعقل يحتم ويؤكد صدق نبوة محمد وصدق رسالته وأنه حقاً وفعلا ً خاتم الأنبياء والرسل المنتظر والمتوقع ظهوره وأنه صاحب الرسالة الخاتمة والنهائية...وأن رسالته موجهة لكل البشر ولكل الناس في كل زمان ومكان وأنها شمولية وعالمية التوجه لا يحدها لا زمان ولا مكان...وهذه ضرورة ومنطقية محتمة واقعة ثابتة يستحيل إنكارها أو إثبات عكسها عقلياً ومنطقياً وواقعياً.

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق