السبت، 3 نوفمبر 2012

الحقيقة والعلم تشهد بوجود الإله


http://img59.imageshack.us/img59/1006/image015cb.jpg
إن أكبر دليل على وجود الإله هو مخلوقه ، هذا الذي نجده أمامنا وأوثق ما علمنا من حقائق الطبيعة يدعونا إلى الإيمان بأنه لا ريب أن لهذه الدنيا إلها واحدا. ونحن لا نستطيع أن نفهم أنفسنا وأن نفسرها بله الكون كله- مجردين من الإيمان بوجود الإله.

إن وجود الكون والنظام العجيب الذي اشتمل عليه وأسراره الدقيقة لا يمكن تفسير ذلك كله إلا بأنه قد خلقته (قوة) وأن هذه القوة (عقل) لا حدود له وأنها ليست بقوة عمياء.

أولا-نظرية التشكيك في الوجود:

هناك جماعة من المفكرين هزيلة العدد جدا ، (تشك) في مجرد وجود مثل هذه القوة. وتعتقد هذه الجماعة أنه لا وجود للإنسان ولا للكون وأن الوجود عبارة عن عدم محض و لا شيء غير ذلك.

فلو سلمنا بهذه الفكرة لالتبس علينا أمر الإله دون شك . . ولكننا حين نؤمن بأن الكون موجود نضطر تلقائيا أن نؤمن بالإله أو بالقوى الخالقة - كما نسميها- فليس بمعقول أن نؤمن بالوجود من العدم المحض ، ذلك قياس باطل ! !

فهذا التشكيك في وجود الكون والذي يتخذ أحيانا شكل نظرية الـ(لا أدرية)=- يمكن أن يعد نكتة فلسفية لا علاقة لها بالحقيقة. فنحن حين نفكر يكون فكرنا هذا دليلا قاطعا في ذاته على أن لنا وجودا. وحين نصطدم في الطريق بحجارة ثم نتألم فهذا الواقع دليل في ذاته على أن هناك عالما موجودا وجودا ذاتيا خارج وجودنا. وهكذا تدرك حواسنا في كل وقت أشياء كثيرة من الفرح والألم والتذوق ، فهذا الإحساس والشعور دليل لكل شخص على أنه موجود في كون ، وعلى أنه يملك وجوده الذاتي وحينئذ فلو قام أحد يشكك نفسه في وجوده الذاتي ووجود الكون فسوف نعتبر ذلك حالة استثنائية مفردة ، لا ترتبط بتجربة الملايين من جماهير الناس. وسوف نقول عن هذا الرجل الفذ: إنه غاب في عالمه الذهني ، حتى نسى نفسه. . .

بل إننا لو سلمنا-جدلا-بأنه ليس للكون في ذاته وجود خارج ذاتنا فلست أعتبر هذا دليلا ملزما بأنه لا وجود للإله.

وعلى كل حال فهذه هي الفكرة الوحيدة التي ترى وجود الإله مشكوكا فيه ، بكل ما تتضمن من السفسطة والجهالة وانعدام الواقعية وهى فكرة لا معنى لها في ذاتها وليست مفهومة لدى جمهور الناس كما أنها لم تحظ بقبول في دنيا العلم.

* * *

الوجود والخلق:

إن الإنسان العادي والعالم العادي يؤمن على كل حال بأن (له) وجودا وبأن للكون أيضا وجودا وعلى هذا الأساس من العلم والإيمان تقوم جميع ألوان النشاط العلمي والحيوي.

فإذا آمنا بوجود الكون فلا بد أن نؤمن بإله هذا الكون منطقيا: إذ لا معنى لأن نؤمن بالمخلوق ونرفض وجود الخالق ، ونحن لا نعلم شيئا جاء إلى الوجود من العدم دون أن يخلق فكل شيء مهما بلغ حجمه عظم أو صغر ، جل أو دق ورائه علة فكيف بنا نؤمن بأن كونا عظيما –مثل كوننا- جاء إلى الوجود ذاتيا دون خالق؟ ؟

ذكر (جون ستيوارت ميل) في سيرة حياته: أن أباه قد علمه أن سؤال (من الذي خلقني؟) لا يكفي لإثبات وجود الإله ، إذ ينجم تلقائيا سؤال: (فمن ذا الذي خلق الإله؟) ، وقد اعتد (برتراند رسل) هذا الاعتراض الثاني كافيا لرفض مدلول السؤال الأول(47).

ونحن نعرف أن هذا الاستدلال قديم جدا لدى الملحدين ؛ ومقتضاه:أننا لو افترضنا خالقا للكون فسوف نضطر أن نتصوره أزليا! !

الأزلي: الخالق أم المادة؟

وإذا كان لا مناص من افتراض أزلية هذا الخالق فلماذا لا نؤمن بأزلية هذا الكون؟ وهذا الكلام لا معنى له ، لأننا لم نعثر على صفات للكون أية كانت تثبت أنه خالق نفسه.

ولقد كان لهذا الاستدلال حسنه ورواؤه حتى القرن التاسع عشر ولكنا اليوم وبعد كشف (القانون الثاني للحرارة الديناميكية)Second Law of Thermo Dynamics نجد أن هذا الاستدلال فقد كل أساس كان يقوم عليه.

وهذا القانون الذي نسميه (قانون الطاقة المتاحة) أو (ضابط التغير)Law of Entropy يثبت أنه لا يمكن أن يكون وجود الكون أزليا ، فهو يصف لنا أن الحرارة تنتقل دائما من (وجود حراري) إلى (عدم حراري) ، والعكس غير ممكن وهو أن تنتقل هذه الحرارة من (وجود حراري قليل) أو (وجود حراري عدم) إلى (وجود حراري أكثر ) ، فإن ضابط التغير هو التناسب بين (الطاقة المتاحة) و (الطاقة غير المتاحة).

وبناء على هذا الكشف العلمي الهام فإن (عدم كفاءة عمل الكون) يزداد يوما بعد يوم ، ولابد من وقت تتساوى فيه حرارة جميع الموجودات ، وحينذاك لا تبقى أية طاقة مفيدة (للحياة والعمل) ، وسيترتب على ذلك أن تنتهي العمليات

الكيماوية والطبيعية ، وتنتهي-تلقائيا-مع هذه النتيجة (الحياة).

وانطلاقا من هذه الحقيقة القائلة بأن العمليات الكيماوية والطبيعية جارية وأن الحياة قائمة ، يثبت لدينا قطعا أن الكون ليس بأزلي ، إذ لو كان الكون أزليا لكان من اللازم أن يفقد طاقته منذ زمن بعيد بناء على هذا القانون ، ولما بقى في الكون بصيص من الحياة.

يذكر هذا التحقيق العلمي الحديث عالم أمريكي في علم الحيوان ، هو الأستاذ (إدوارد لوثر كسيل) فيقول:

(وهكذا أثبتت البحوث العلمية -دون قصد-أن لهذا الكون (بداية) فأثبتت تلقائيا وجود الإله ، لأن كل شيء ذي بداية لا يمكن أن يبتدئ بذاته ، ولابد أن يحتاج إلى المحرك الأول-الخالق الإله)(48).

وقد قال نفس الكلام السير جيمس: (تؤمن العلوم الحديثة بأن عملية تغيير الحرارة) Entropy سوف تستمر حتى تنتهي طاقتها كلية ، ولم تصل هذه العملية حتى الآن إلى آخر درجاتها ، لأنه لو حدث شيء مثل هذا لما كنا موجودين على ظهر الأرض حتى نفكر فيها. إن هذه العملية تتقدم بسرعة مع الزمن ومن ثم لابد لها من بداية ولابد أنه قد حدثت عملية فى الكون ، يمكن أن نسميها (خلقا في وقت ما) حيث لا يمكن أن يكون هذا الكون أزليا)(49).

* * *

وهناك شواهد طبيعية كثيرة تثبت أن الكون لم يكن موجودا منذ الأزل وأن له عمرا محدودا ، وعلى سبيل المثال نجد (علم الفلك) يقرر أن الكون يتسع بالتسلسل الدائم ، وأن كل مجاميع النجوم والأجرام والأجسام الفلكية تتباعد بسرعة مدهشة بعضها عن بعض. ويمكن أن نفسر هذه الحالة تفسيرا جيدا إذا نحن سلمنا بوقت للبدء ، كانت فيه كل الأجزاء التركيبية مركزة ومجتمعة بعضها مع بعض ثم بدأت الحركة والحرارة. ويقدر العلماء أن هذا الكون قد وجد نتيجة (لانفجار) فوق العادة ، وقع منذ 5000.000.000.000 سنة.

فالإيمان بهذا الكشف العلمي ، وهو أن للكون عمرا محدودا يتعارض مع إنكار موجده ، ومثل من يؤمن بحدوث الكون مع إنكاره لوجود خالقه كمثل من يزعم أن (تاج محل) قام بنفسه من غير بنائين ومهندسين ، مع تسليمه بأنه بني فى القرن السابع عشر الميلادي ولم يكن موجودا منذ الأزل.

* * *

ثانيا- الكشوف الفلكية:

يدلنا علم الفلك على أن عدد نجوم السماء مثل عدد ذرات الرمال الموجودة على سواحل البحار في الدنيا كلها ، منها ما هو أكبر بقليل من الأرض ولكن أكثرها كبير جدا حتى يمكن أن نضع في واحد منها ملايين النجوم في مثل حجم الأرض التي نعيش عليها ولسوف يبقى فيه مع ذلك مكان خال ! !

إن كوننا هذا فسيح جدا. ولكي نفهمه نتصور طائرة خيالية تسير بسرعة (186.000) ميلا في الثانية الواحدة وأن هذه الطائرة الخيالية تطوف بنا حول الكون الموجود الآن. إن هذه الرحلة الخيالية سوف تستغرق (1000.000.000) سنة ، يضاف إلى ذلك أن هذا الكون ليس بمتجمد ، وإنما هو يتسع كل لحظة حتى إنه بعد (1.300.000.000) سنة تصير هذه المسافات الكونية ضعفين ! ! وهكذا لن تستطيع هذه الطائرة الخارقة في سرعتها الخيالية أن تكمل دورانها حول هذا الكون أبدا ، وإنما سوف تظل تواصل رحلتها في نطاق هذا التوسع الدائم في الكون(50).

عندما تكون السماء صافية نستطيع أن نرى بالعين المجردة خمسة آلاف من النجوم ، ولكن هذا العدد يتضاعف إلى أكثر من (2.000.000) من النجوم حيث نستعمل تلسكوبا عاديا. وأقوى تلسكوب في العالم هو الذي يوجد في مرصد ماؤنت بالومار) في الولايات المتحدة الأمريكية ويستطيع أن يشاهد بلايين من النجوم.

إن الفضاء الكوني فسيح جدا ، تتحرك فيه كواكب لا حصر لها بسرعة خارقة ، بعضها يواصل رحلته وحده ومنها أزواج تسير مثنى مثنى ومنها ما يتحرك في شكل مجموعات. ولو انك لاحظت ضوء الشمس الذي يدخل غرفتك من الشباك فسترى أن هناك ذرات كثيرة من الغبار تتحرك وتسير في الهواء ، فلو استطعت أن تتخيل هذا في شكل أعظم لأمكنك أن تحظى من الفهم بشيء عن السيارات والكواكب في الكون مع الفرق الهائل المتمثل في أن ذرات الغبار تتحرك ويتصادم بعضها مع بعض ، ولكن الكواكب مع كثرتها يواصل كل واحد منها سفره على بعد عظيم يفصله عن الكواكب الأخرى. ومثلها مثل بواخر عديدة تمشى في أعالي البحار متباعدة حتى إن إحداها لا تعرف شيئا عن الأخرى. إن هذا الكون يتألف من مجموعات كثيرة من الكواكب والنجوم ، تسمى (مجاميع النجوم) وكلها تتحرك دائما.

* * *

وأقرب حركة منا هي حركة القمر التي تبعد عنا (240.000) ميلا ، وهو يدور حول الأرض ويكمل دورته في مدة تسعة وعشرين يوما ونصف يوم. وكذلك تبعد أرضنا هذه عن الشمس (93.000.000) ميلا وهى تدور في محورها بسرعة ألف ميل في الساعة في دائرة (190.000.000) ميلا وتستكمل هذه الدائرة مرة واحدة في سنة كاملة. وكذلك توجد تسعة كواكب مع الأرض وكلها تدور حول الشمس بسرعة فائقة. وأبعد هذه الكواكب السيار (بلوتو) الذي يدور في دائرة (7.500.000.000) ميلا حول الشمس وحول هذه الكواكب يدور واحد وثلاثون قمرا أخرى ، وتوجد غير هذه الكواكب حلقة من ثلاثين ألفا من (النجيمات) وآلاف من النجوم ذوات الأذناب ، وشهب لا حصر لها ، وكلها تدور وفى وسطها ذلك السيار العملاق (الشمس) وقطرها (865.000) ميلا وهى أكبر من الأرض (1.200.000) مرة ! !

ثم إن هذه الشمس ليست بثابتة أو واقفة في مكان ما وإنما هي بدورها مع كل هذه السيارات والنجيمات تدور في النظام الرائع بسرعة (600.000) ميلا في الساعة.وهناك آلاف من الأنظمة غير هذا النظام الشمسي ، يتكون منها ذلكم النظام الذي نسميه (مجاميع النجوم) ، أو المجرات وكأنها جميعا طبق عظيم تدور عليه النجوم والكواكب منفردة ومجتمعة ، كما يدور الخذروف الذي يلعب به الأطفال.. ومجرات النجوم هذه تتحرك بدورها أيضا ، والمجرة التي يقع فيها نظامنا الشمسي تدور على محورها بحيث تكمل (دورة واحدة) في(200.000.000) سنة ضوئية.

* * *

ويقدر علماء الفلك أن هذا الكون يتألف من خمسمائة مليون من مجاميع النجوم مضروبا هذا العدد في (500.000.000.000.000) من الملايين وفي كل مجموعة منها يوجد (مائة مليار) من النجوم ، أو أكثر أو أقل ويقدرون أن أقرب مجموعة من النجوم وهي التي نراها في الليل كخيوط بيضاء دقيقة تضم حيزا مداه ألف سنة ضوئية. ونحن –سكان الأرض- نبعد عن مركز هذه المجموعة بمقدار ثلاثين ألف سنة ضوئية ، وهذه المجموعة جزء من مجموعة كبيرة تتألف من سبع عشرة مجموعة وقطر هذه المجموعة الكبيرة (ذات السبع عشرة) مليونان من السنين الضوئية.

ومع هذا الدوران تجري حركة أخرى وهي أن هذا الكون يتسع من كل جوانبه كالبالون المتخذ من المطاط حين ينفخ فيه الأطفال ، وشمسنا هذه –وهي تدور حول نفسها- تدور بنا أيضا على الحاشية الخارجية للمجرة وهي تتباعد عن هذه الحاشية الخارجية بمقدار اثني عشر ميلا كل ثانية كما تتبعها في هذه العملية جميع النجوم الداخلة في النظام الشمسي. وهكذا جميع السيارات تسير إلى جانب أو آخر مع دورانها الخاص طبقا لنظامها ، فمنها ما يسير بسرعة ثمانية أميال في الثانية ، ومنها ما يسير بسرعة ثلاثة وثلاثين ميلا في الثانية ، ومنها ما يسير بسرعة أربعة وثمانين ميلا في الثانية. وجميع النجوم على هذا النحو تبتعد في كل ثانية بسرعة فائقة عن مكانها. هذه الحركة المدهشة تحدث طبقا لنظام وقواعد محكمة بحيث لا يصطدم بعضها ببعض ولا يحدث اختلاف في سرعتها.

* * *

إن حركة الأرض حول الشمس منضبطة تمام الانضباط بحيث لا يمكن أن يحدث أدنى تغير في سرعة دورانها حتى بعد مرور قرن من الزمان. وهذا القمر الذي يتبع في حركته الأرض يدور في فلك مقرر ومنضبط مع تفاوت يسير جدا ، يتكرر بعد كل ثمانية عشر عاما ونصف عام بدقة فائقة ، وتلك هي حال جميع الأجرام السماوية. ويرى علماء الفلك أن مجرات النجوم يتداخل بعضها في بعض فتدخل مجرة تشتمل على بلايين من السيارات المتحركة في مجرة أخرى مثلها (وتتحرك سياراتها هي الأخرى) ثم تخرج منها بسياراتها جميعا دون أن يحدث أي تصادم بين سيارات المجرتين.

وإن العقل حين ينظر إلى هذا النظام العجيب والتنظيم الدقيق الغريب ، لا يلبث أن يحكم باستحالة أن يكون هذا كله قائما بنفسه ، بل إن هنالك طاقة غير عادية هي التي تقيم هذا النظام العظيم وتهيمن عليه.

* * *

الأنظمة المعقدة :

إن هذا النظام الذي يوجد في العوالم الكبرى نجده –في صورته الكاملة- في أصغر عالم عرفناه ، فنحن نعرف –طبقا لأحدث معلوماتنا- أن الذرة أصغر عالم وأنها قد تناهت في صغرها حتى لايمكن أن نشاهدها بالمنظار الذي يكبر الأشياء ملايين المرات فهي –بناء على هذا- ليست شيئا ، بل إنها (لا شيء) بالنسبة إلى أدنى ما يستطيع البصر الإنساني أن يراه ولكن هذه الذرة –مع ما وصفناها به- تحتوي بصورة رائعة على نظام الدوران العجيب الموجود في النظام الشمسي ؛ فالذرة اسم لمجموعة من الإلكترونات وهذه الإلكترونات لا يتصل بعضها ببعض وإنما يوجد بينها فراغ كبير الحجم (نسبيا). ولنأخذ مثلا قطعة من الحديد التي توجد فيها الذرات متصلا بعضها ببعض اتصالا شديدا. وسنجد أن هذه الإلكترونات لا تشغل أكثر من 1/1.000.000.000 من مساحة الذرة وبقية المجال يكون خاليا ، ولو أننا أخذنا صورة مكبرة لجزيئين من الإلكترون والبروتون فسوف يكون الفاصل بينهما ما يقرب من ثلاثمائة وخمسين ياردة. ولقد نتصور الذرة من حيث هي في الغبار غير مرئية ومع هذا فإن حجم دوران الإلكترون داخلها يبلغ حجم كرة قدم قطرها ثمانية أقدام.

والإلكترون –الذي هو الجزيء السلبي في الذرة- يدور حول البروتون-الذي هو الجزيء الإيجابي فيها-وهذه الجزيئات التي لا حقيقة لها أكثر من نقط وهمية سابحة في الشعاع ، تدور حول مركزها بنفس النظام الذي تتبعه الأرض في مدارها حول الشمس بحيث لا يمكن تصور وجود الإلكترون في مكان محدود لسرعة دورانه وإنما هو يتخيل فقط موجودا على طول مداره في وقت واحد. وذلك لأنه يدور حول مداره بلايين المرات في الثانية الواحدة ! !

هذا النظام الذري يستحيل قيامه بنفسه ولا طريق إلى مشاهدته ولا يمكن تفسير عمله داخل الذرة بغير العلم أما وقد تبناه العلن فعلا فلماذا لا نأخذ منه دليلا على وجود منظم قائم على هذا التنظيم؟ إنه يستحيل قيام هذا التنظيم في الذرة دون منظم قائم عليه.

* * *

إننا نتحير إذا رأينا النظام المعقد لأسلاك التليفون و نتحير إذا وجدنا أن مكالمة من لندن إلى ملبورن باستراليا تتم في بضع ثوان ؛ فإذا كان تعقيد نظام أسلاك التليفون يوقعنا في هذه الحيرة فما بالنا بنظامنا العصبي وهو أوسع من هذا النظام وأشد تعقيدا؟ ! إن ملايين الأخبار تجري على أسلاك نظامنا العصبي –الذي أوجده الله تعالى- من جانب إلى آخر ليل نهار. وهذه الأخبار التي توجه القلب في تدفقها وفي حركتها وتتحكم في حركات الأعضاء المختلفة وتتحكم في الحركات الرئوية. ولو لم يكن هذا النظام موجودا في أجسامنا لصارت الأجسام تلفيقا لأشياء مبعثرة تسلك كل منها مسلكها الخاص.

ومركز هذا النظام للمواصلات مع مخ الإنسان ، وفي هذا المخ يوجد ألف مليون خلية عصبية ومن كل هذه الخلايا تخرج أسلاك تنتشر في سائر الجسم وتسمى هذه الأسلاك (الأنسجة العصبية) وفي هذه الأنسجة يجري نظام استقبال وإرسال للأخبار بسرعة سبعين ميلا في الساعة. وبوساطة هذه الأنسجة نتذوق ، ونسمع ، ونرى ، ونباشر سائر أعمالنا ؛ بل إن هنالك ثلاثة آلاف من الشعيرات المتذوقة وتسمى Taste Buds . ولكل منها سلك عصبي خاص متصل بالمخ. وبوساطة هذه الشعيرات يحس بالمذاقات المختلفة. وتوجد في الأذن عشرة آلاف خلية سمعية. ومن خلال نظام معقد يسري من هذه الخلايا يسمع مخنا. وفي كل عين مائة وثلاثون مليونا من الخلايا الملتقطة للضوء Light Roceptors ، وتقوم بمهمة إرسال المجموعة التصويرية إلى المخ وهناك شبكة من الأنسجة الحسية على امتداد جلدنا فإذا قربنا إلى الجلد شيئا حارا ، فإن ثلاثين ألفا من الخلايا الملتقطة للحرارة تحس بهذه العملية وترسلها فورا إلى المخ. وإذا قربنا إلى الجلد شيئا باردا فإن ربع مليون من الخلايا التي تلتقط الأشياء الباردة تحس به وعندئذ يمتلئ المخ بأثرها ويرتعد الجسم وتتسع الشرايين الجلدية فيسرع مزيد من الدم إليها ويزودها بالحرارة وإذا أحست هذه الخلايا بحرارة شديدة فإن مخابرات الحرارة توصلها إلى الدماغ وحينئذ تفرز ثلاثة ملايين من الغدد العرقية –تلقائيا- عرقا باردا إلى خارج الجسم.

والنظام العصبي يشتمل على عدة فروع. منها: (الفرع المتحرك ذاتيا)Autonomic Branch ويقوم بأعمال تحدث ذاتيا في الجسم كعملية الهضم والتنفس وحركات القلب. ويندرج تحت هذا الفرع نظامان: أحدهماSadالنظام الخالق للحركة)Sympathetic System والآخر هو المانع لها Payasympathetic . وهذا الأخير يقوم بعملية المقاومة والدفاع. ولو ترك الأمر للنظام الأول لازدادت حركة القلب زيادة يترتب عليها موت صحبه ولو سيطر النظام الثاني لتوقفت حركة القلب توقفا تاما. وأقسام هذين النظامين تباشر أعمالها في دقة فائقة وفي توازن عام ، ولكن هنالك حالات يزداد فيها نشاط أحد النظامين ، فالنظام الأول يتغلب عند الضغط واحتياج القلب إلى قوة مسعفة وعندئذ تزيد سرعة عمليات القلب والرئة ، والنظام الثاني يتغلب عند النوم. فيسود السكون جميع الحركات الجسمية.

* * *

تقليد الطبيعة:

إن أحسن الآلات من صناعة الإنسان لا يمكن أن تقف أمام النظام العجيب الذي يوجد في الكون. ولهذا فإن تقليد نظام الطبيعة قد أصبح اليوم موضوعا خاصا في العلم ، يولى أهمية خاصة للسير بالآلات الميكانيكية وفق ذلك النظام.وأصبحنا نرى علما جديدا يسمى (بيونيكس)Bionics لهذه الدراسة. وكانت مقتصرة من قبل على اكتشاف القوى الكامنة في الطبيعة واستغلالها.

واليوم يسلك النظام البيولوجي سبلا كثيرة للحصول على معلومات تساعد على حل مسائل الهندسة.

ومن أمثلة استغلال نظام الطبيعة في الصناعة آلة التصوير ، وهى في الواقع تقليد ميكانيكي لعين الإنسان ، فعدسة الكاميراLens هي كالشبكة الخارجية للعين ، والحجاب الحاجز Diaphragm هو قزحية العينIris والفيلم الذي يتأثر بالضوء. إنما هو شاشة العين التي توجد فيها خطوط وأشكال مخروطية ترى الأشياء معكوسة(51).

لقد ابتكرت جامعة موسكو آلة نموذجية لالتقاط وقياس (الذبذبات تحت الصوتية) Infra-Sonic Vibrations. وهذه الآلة تستقبل وتلتقط أخبار الفيضانات والزلازل وما أشبهها من الكوارث قبل حدوثها بمدة تتراوح بين اثنتي عشرة ساعة. وهى أقوى من الآلات المستعملة خمس مرات. فمن أين جاء هذا التفكير إلى العلماء؟ لقد استنبطوه من سمكة قنديل البحر التي تسمى (هلامي)Jelly Fish فقلد المهندسون أعضائها وهى شديدة الحساسية حتى لتحس بالذبذبات تحت الصوتية(52)!

وهناك أمثلة كثيرة جدا غير هذه يمكن عرضها وهى تؤكد أن علماء الطبيعة والتكنولوجيا يقلدون- في تفكيرهم الحديث- النماذج الحية في الطبيعة.

وقد شغلت بال العلماء مسائل كثيرة من أزمان مضت على حين حلتها الطبيعة منذ زمن بعيد. وإن كانت أجهزة التصوير وتلقى الأخبار (التليبرنتر) لا يمكن وجودها بغير عقل إنسانى ، فمن المستحيل أن نتصور أن نظام الكون-الذي هو أكثر تعقيدا من أي نظام-قد قام بنفسه بغير عقل وراءه ؛ بل لابد أن له مهندسا منظما-هو الإله ولا يمكن أن يتصور العقل نظاما دون منظم ، فليس من اللامعقول أن نعتقد بوجود منظم للكون ، بل إن من اللامعقول أن ننكر خالق هذا النظام ، فالحقيقة أن العقل الإنساني لا يملك أساسا عقليا لإنكار الإله.

ثالثا-روح الكون الغريبة:

ليس الكون كسلة المهملات وإنما هو منطو على روح غريبة. وهذه الروح لا يمكن أن تصدر إلا عن عقل قام بخلق الكون ويقوم بتدبيره.

وليس من الممكن أن يوجد نظام وروح في عملية مادية عمياء ، حدثت اتفاقا فالكون متوازن ومتناسب إلى حد لا يمكن تصوره. لقد قال (شادفاشChadvalsh : (إن من الممكن أن نسأل أي رجل- مؤمنا بالله كان أو منكرا له-نسأله أن يثبت كيف يمكن أن يكون هذا التوازن في صالحه إذا كان الكون قد وجد بمحض الصدفة؟)(53).

لابد للحياة فوق الأرض من أحوال كثيرة يستحيل اجتماعها بنسبها الخاصة رياضيا. ولكننا نجد أن هذه الحالات المستحيل اجتماعها رياضيا موجودة على سطح الأرض فعلا. وذلك يحتم علينا أن نؤمن بأن هنالك طاقة عظيمة عاقلة وراء الكون ؛ هي المتسببة في وجود هذه الحالات.

* * *

التوازن المدهش في الأرض:

الأرض أهم عالم عرفناه إذ توجد فيها أحوال لا توجد في شيء من هذا الكون الواسع ، وهى في ضخامتها (كما تبدو لنا) لا تساوى ذرة من هذا الكون العظيم ، ولو أن حجمها كان أقل أو أكثر مما هي عليه الآن لاستحالت الحياة فوقها ، فلو أنها كانت في حجم القمر مثلا ؛ بأن كان قطرها ربع قطرها الموجود فعلا. لكانت جاذبيتها سدس جاذبيتها الحالية ، ونتيجة لذلك لا يمكن أن تمسك الماء والهواء من حولها ، كما هي الحال في القمر الذي لا يوجد فيه ماء ولا يحوطه غلاف هوائي لضعف قوة الجاذبية فيه. وانخفاض الجاذبية في الأرض إلى مستوى جاذبية القمر سيترتب عليها اشتداد البرودة ليلا حتى يتجمد كل ما فيها واشتداد الحرارة نهارا حتى يحترق كل ما عليها.

وكذلك يترتب على نقص حجم الأرض إلى مستوى حجم القمر أنها لن تمسك مقدارا كبيرا من الماء. وكثرة الماء أمر ضروري لاستمرار الاعتدال الموسمي على الأرض ومن ثم أطلق أحد العلماء على هذه العملية لقب (عجلة التوازن العظيمة)Great Balance Wheel (54) وكذلك سيرتفع الغلاف الهوائي للأرض في الفضاء ثم يتلاشى. ويتبع ذلك أن تبلغ درجة حرارة الأرض أقصى معدلها ، ثم تنخفض إلى أدنى درجاتها على ما سبق ذكره.

وعلى العكس من ذلك إذا كان قطر الأرض ضعف قطرها الحالي لتضاعف جاذبيتها الحالية ، وحينئذ ينكمش غلافها الجوى-الذي هو على بعد خمسمائة ميل-إلى ما دون ذلك. وسيرتب على هذا أن يزيد تحمل كل بوصة مربعة من خمسة عشر رطلا إلى ثلاثين من الضغط الجوى وهو ضغط يؤثر أسوأ الأثر في الحياة.

ولو أن الأرض تضاعف حجمها فصارت مثل حجم الشمس مثلا لبلغت قوة الجاذبية فيها مثل جاذبيتها الحالية مائة وخمسين مرة ، ولاقترب غلافها الهوائي حتى يصير منها على بعد أربعة أميال فقط بدلا من خمسمائة ميل ، ولارتفع الضغط الجوى إلى معدل طن واحد على كل بوصة مربعة. وذلك يؤدى إلى استحالة نشأة الأجسام الحية. وهو من الناحية النظرية يعنى أن يصير وزن الحيوان الذي يزيد رطلا واحدا –تحت الكثافة الهوائية الحالية- خمسمائة رطل. كما يهبط حجم الإنسان حتى يصير في حجم فأر كبير ، ولاستحال وجود العقل في الإنسان ، لأنه لابد للعقل الإنساني من أنسجة عصبية كثيرة في الجسم ، ولا يوجد هذا النظام إلا إذا كان حجم الجسم بقدر معين.

* * *

نحن قائمون على الأرض ظاهرا ولكن الأصح أن نقول: نحن ملقون على رؤوسنا ، ولتوضيح ذلك نقول: إن الأرض مثل كرة معلقة يسكنها الإنسان فوضع الناس بعضهم بالنسبة إلى بعض على هذه الكرة ، أن سكان أمريكا سيكونون تحت سكان أهالي الهند ، وسكان الهند سيكونون تحت أقدام سكان أمريكا.

فأرضنا هذه ليست بثابتة وإنما هي تدور بسرعة مقدارها ألف ميل في الساعة ، وذلك يجعل وضعنا فوقها أشبه بحصاة وضعت على محيط عجلة تدور بسرعة ، يوشك أن تقذف بها في الفضاء ولكن الأرض لا تقذفنا ؛ بل نحن مستقرون عليها فكيف تمسكنا وهى تدور بهذه السرعة؟ ! ! . .

إن في الأرض جاذبية غير عادية وهى بهذه الجاذبية تشد كل شيء إليها فجاذبية الأرض وضغط الهواء المستمر يمسكانا فوقها بنسبة معلومة ، وهكذا صرنا مشدودين بهاتين العمليتين إلى كرة الأرض من كل ناحية.

وضغط الهواء الذي يكون على كل بوصة مربعة ما يقرب من 15 رطلا معناه: أن كل إنسان يتحمل ما يقرب من 228.40 رطلا من الضغط الجوى على جسمه ، ولكن الإنسان لا يحس بهذا الوزن ، لأن الهواء يضغطه من كل ناحية كما يحدث عندما نسبح في الماء. ثم أن الهواء-وهو علم على مركب معين من الغازات-ذو فوائد كثيرة ، لا يمكن حصرها فى كتاب.

* * *

لقد توصل نيوتن ، من خلال مشاهداته ومطالعاته إلى أن الأجسام يجر بعضها بعضا ، ولكنه لم يستطع تعليل هذا ، ولذا سلم بأنه لا تفسير لديه لهذه العملية.

ولقد ذكر هذه المسألة (وهايت هيد) قائلا:

( لقد كشف نيوتن-حين سلم بهذا-عن حقيقة فلسفية عظيمة ؛ هي أن الطبيعة لو كانت بغير روح فلن تفسر نفسها ، كما أن الشخص الميت لا يستطيع أن يحكى لنا واقعا. إن جميع التفسيرات الطبيعية والمنطقية لم تزد أخيرا على أن تكون إظهارا لهدف ، لأن الميت لا يمكن أن يكون حامل(55) أهداف).

وسوف أدفع حديث (وهايت هيد) إلى الأمام ، قائلا: إنه إذا لم يكن هذا الكون تحت سلطان (وجود ذي إدراك) فلماذا توجد فيه هذه الروح المدهشة؟

* * *

إن الأرض تتم دورة واحدة حول محورها ، في كل أربع وعشرين ساعة. ومعنى ذلك أنها تسير حول محورها بسرعة ألف ميل في الساعة ، فإذا فرضنا أن هذه السرعة انخفضت إلى مائتي ميل في الساعة ، لطالت أوقات ليلنا ونهارنا عشر مرات بالنسبة إلى ما هي عليه الآن ، ويترتب على ذلك أن تحرق الشمس-بشدة حرارتها- كل شيء فوق الأرض ، وما بقى بعد ذلك ستقضى عليه البرودة الشديدة في الليل.

وهذه الشمس التي نعدها اليوم وسيلة حياتنا تبلغ حرارة سطحها اثني عشر ألف درجة فهرنهيت ؛ والمسافة بينها وبين الأرض تبلغ ما يقرب من 93.000.000 ميلا ، وهذا البون الهائل دائم لا يتغير أبدا لزيادة أو نقص وفى ذلك عبرة عظيمة لنا ؛ لأنه لو نقص واقتربت الشمس من الأرض بمقدار النصف مثلا من الفاصل الحالي فسوف يحترق الورق على الفور من حرارتها ، ولو بعد هذا الفاصل فصار ضعف ما هو عليه الآن فإن البرودة الشديدة التي تنجم عن هذا البعد سوف تقضى على الحياة في الأرض ، ولو أنه حل محل الشمس سيار آخر غير عادى يحمل حرارة تزيد على حرارة الشمس عشرة آلاف مرة فسوف يجعل من الأرض تنورا رهيبا. .

ثم إن هذه الأرض دائرة في الفضاء وهى تؤدى عملها بزاوية 33ْ درجة ، الأمر الذي تنشأ عنه المواسم ، ويترتب عليه صلاحية أكثر مناطق الأرض للزراعة والسكنى ، فلو لم تكن الأرض على هذه الزاوية لغمر الظلام القطبين طول السنة ؛ ولسار بخار البحار شمالا وجنوبا ، ولما بقي على الأرض غير جبال الثلج ، وفيافي الصحراوات ؛ وهكذا تنجم مؤثرات كثيرة تجعل الحياة على ظهر الأرض مستحيلة.

* * *

فلو كان قياس العلماء صحيحا وهو: أن المادة قد نظمت ذاتها على هذه الهيئة المناسبة المتوازنة ، فما أعجب هذا القياس وما أكثر إثارته للدهشة! ! . يقولون: إن الأرض انشقت من الشمس ومعنى هذا: أن درجة حرارتها كانت في مبدأ أمرها ، نفس حرارة الشمس ، وهى اثنا عشر ألف درجة فهرنهيت ثم بدأت الأرض تبرد ؛ إذ لا يمكن اتصال الأوكسجين بالهيدروجين إلا بعد أن تنخفض الحرارة إلى أربعة آلاف فهرنهيت-وفى هذه المرحلة وجد الماء ، وهكذا استمرت عمليات التقلب على سطح الأرض ملايين السنين حتى جائت الأرض في صورتها الحالية منذ أكثر من بليون سنة مضت ، وذهبت الغازات من فضاء الأرض إلى فضاء الكون وتحولت بقايا الغازات بعد ذلك إلى المركب المائي أو انجذبت إلى الأشياء الأرضية أو بقيت في صورة الهواء ؛ وأكثرها في صورة الأوكسجين أو النتروجين. وهذا الهواء في كثافته يعد جزءا واحدا من 2.000.000 من أجزاء الأرض. ولم تنجذب كل الغازات إلى الأرض كما أنها كلها لم تتحول إلى (هواء).ولو أنه حدث ، لاستحالت حياة الإنسان ، فلو أننا فرضنا المستحيل ووجدت الحياة في ظروف كهذه-تتحمل فيها البوصة المربعة آلاف الأرطال من الضغط الجوى- لكان من المستحيل أن توجد الحياة في صورة الإنسان الحالية.

ولو كانت قشرة الأرض أكثر سمكا بمقدار عشرة أقدام من سمكها الحالي ، لما وجد الأوكسجين (56) ، وبدونه تستحيل الحياة الحيوانية.

وكذلك لو كانت البحار أعمق بضعة أقدام ، أكثر من القاع الحالي ، لانجذب (ثاني أكسيد الكربون) ، والأوكسجين (57) ، ولاستحال وجود النباتات على الأرض ؛ فضلا عن الحياة.

ولو كان الغلاف الهوائي للأرض ألطف مما هو عليه الآن ، لاخترقت النيازك كل يوم غلاف الأرض الخارجى ،ولرأيناها مضيئة في الليل ولسقطت على كل بقعة من الأرض وأحرقتها ، فهذه النيازك تواصل رحلتها بسرعة أربعين ميلا في الثانية ، ونتيجة لهذه السرعة العظيمة ، فإنها ستحرق كل شيء يمكن احتراقه على الأرض ، حتى تصبح الأرض غربالا فى وقت ليس ببعيد. .

فلولا أن غلاف الأرض الهوائي يقينا من هذه الشهب لاحترقنا. فإن سرعتها أكثر من سرعة طلقة البندقية تسعين مرة كما أن حرارتها الشديدة كافية لإهلاك كل شيء بما فيه الإنسان. فنحن إذن في حماية هذا الغلاف الكثيف الموزون الذي لا تخترقه (الأشعة الشمسية ذات الأهمية الكيماوية)Actinic Rays إلا بالقدر الذي يكفي لحياة النبات وإيجاد الفيتامينات والقضاء على الجراثيم الضارة وما إلى ذلك. .

إن هذا التوازن للكميات المحتاج إليها عجيب جدا ؛ فالغلاف الذي فوق الأرض مكون من ستة غازات ؛ منها 78 في المائة من النتروجين ، و 21 في المائة من الأوكسجين ، والغازات الأخرى توجد بنسب قليلة ، وهذا الغلاف يضغط الأرض بنسبة 15 رطلا في البوصة المربعة ، ونسبة الأوكسجين الموجود اليوم قد انجذبت إلى الأرض ، وهي تمثل 0.8 من الماء الموجود على سطح الأرض ، والأوكسجين هو الوسيلة الوحيدة لتنفس سائر حيوانات الأرض ولا طريق إلى ذلك من غير الفضاء.


قانون الضغط والتوازن:

وهنا يظهر سؤال هام ، وهو : كيف تجمعت هذه الغازات الشديدة الحركة ، مع احتفاظها بمقاديرها المتناسبة التي لابد منها للحياة في الفضاء؟

والجواب: أنه لو كانت نسبة الأوكسجين 50% أو أكثر بدلا من 21% لزادت قابلية الاحتراق بما يساوي ارتفاع هذه النسبة . . . فإذا احترقت شجرة واحدة في غابة حينما تكون نسبة الأوكسجين 21% فإن الانفجار الخاطف الناجم عن ارتفاع هذه النسبة إلى 50% يجعل احتراق الغابة كلها أمرا حتميا في لحظات!

ولو أن هذه النسبة انخفضت فأصبحت 10% لكان من الممكن على مدى القرون أن تعتاد الحيوانات الحياة مع انخفاض نسبة الأوكسجين إلى هذا الحد ، ولكنه يكون من المستحيل أن تزدهر الحضارة الإنسانية كما هي عليه في الظروف الحالية (58).

ولو أن الأوكسجين الموجود على سطح الأرض انجذب مع الأوكسجين الذي انجذب قبل ذلك في الأرض ، لكان من المستحيل (الوجود الحيواني الحسي).

إن الأوكسجين والهيدروجين وثاني أكسيد الكربون ، وغازات الكربون الأخرى على اختلاف أشكالها تتركب معا فتصبح عنـاصر عظيمة الأهمية للحياة الحـيوانية ، وللأسس التي تقوم عليها الحياة الإنسـانية ، وبناء عليه لا يوجد احتمال 1/10.000.000 أن تجتمع هذه الغازات في تناسبها المطلوب وبجميع خصائصها اللازمة للحياة على كوكب معين بطريق الصدفة.

ولذلك يقول أحد كبار علماء الطبيعة:

(Science has no explanation to offer for the facts,

and to say it is ‘accidental’ is to defy mathematics.)

(إن العلم لا يملك أي تفسير للحقائق ، والقول بأنها حدثت (اتفاقا) إنما يعتبر تحديا وتصادما مع الرياضيات).

إن هناك وقائع كثيرة جدا لا طريق لنا إلى فهمها أو تفسيرها إلا إذا سلمنا بأن للعقل يدا عليا في إحداثها . .

فمن الخصائص المهمة التي توجد في الماء : أن كثافة الثلج Density تقل بنسبة كبيرة عن كثافة الماء فالماء إذن مادة معلومة تقل كثافتها بعد التجمد ، ولهذا الأمر قيمة عظيمة بالنسبة إلى الحياة ؛ إذ يترتب على هذه الخاصة أن الثلج يطفو على سطح الماء ولا ينزل إلى قاع البحار والأنهار ، ولولا ذلك لكان الماء كله قد تجمد في البحار والأنهار والخزنات المائية ؛ إن الثلج يقوم بدور الحاجب للماء الذي تحته ، كيما تبقى حرارته دون درجة التجمد فتبقى الأسماك والحيوانات المائية على قيد الحياة. فإذا ما جاء موسم الربيع ذاب الثلج ، ولولا خاصة الثلج هذه لعانى سكان الأقطار الباردة الكثير من المتاعب والمصائب الناجمة عن عدم ذوبان الثلج.

* * *

لقد أصاب مرض الإندوثيا Endothia في أوائل القرن العشرين ، أشجار (شاه بلوط) الثمينة في غابات أمريكا ، وانتشر بسرعة فائقة، فقال بعض من رأى تلك المواضع الخربة الكبيرة في (مظلة الغابات): إنها لن تمتلئ أبدا ! !

ولم يكن أي نوع من الأشجار- حتى ذلك الحين- قد انتزع هذا الامتياز كان خاصا بهذا النوع من أشجار البلوط ذات الأخشاب الثمينة الغالية حتى كان يلقب : ( ملك أشجار الغابات الأمريكية) قبل وصول وباء الإندوثيا من آسيا سنة 1900م تقريبا.

أما الآن فلا توجد هناك أية آثار لشاه بلوط ، ذلك الشجر العظيم في الغابات الأمريكية.

ولكن سرعان ما امتلأت تلك المواضع في غابات أمريكا بنوع آخر من الأشجار يسمى: (التيوليب) كانت لا تحتل من الغابات إلا حيزا صغيرا ولم تكن مزدهرة.

لقد انتهزت أشجار (التيوليب) هذه الفرصة فازدهرت وحلت محل شاه بلوط. واليوم لا يتذكر أي تاجر أخشاب أمريكي وجود أشجار شاه بلوط فقد حلت محلها أشجار (التيوليب) التي تتضخم كل سنة بنسبة بوصة واحدة في الجزع وترتفع ست بوصات في الفروع والأغصان ، كما تعطي خشبا ممتازا يستعمل في جميع الصناعات الدقيقة.

* * *

ومن الأحداث العلمية الهامة التي وقعت في هذا القرن ما حدث في استراليا . . لقد زرعوا نوعا خاصا من (الصبار) في مزارعها لكي يحميها ، ولم يكن في استراليا أي نوع من الدودة يعادى ويأكل هذا النبات ذا الشوك ، فأخذ ينتشر انتشارا رهيبا ومروعا حتى استولى على منطقة توازى مساحة جزر بريطانيا كلها ، لقد هاجم الصبار القرى والمدن وخرب المزارع والحقول حتى استحالت الزراعة ، ولم يتمكنوا من استئصاله بأية طريقة لقد أصبح جيشا جبارا يزحف لكي يسيطر على استراليا كلها وهى لا تجد ما تقاوم به ؛ واستمرت هذه الحال حتى خرج علماء الحشرات يبحثون عن دودة تأكل الصبار. فاكتشفوا دودة لا تعيش إلا عليه ولا غذاء لها سواه ،وقد كان نسلها يزيد بسرعة ولا عدو لها في حشرات استراليا وسرعان ما تغلبت هذه الدودة الصغيرة على جيش الصبار العظيم وانتهت مصائب استراليا! ! .

أيمكن أن يكون هذا القانون-(قانون الضبط والتوازن Checks and Balances( قد حدث دون تخطيط واع هكذا صدفة واتفاقا؟ !

* * *

السنن الرياضية المحكمة:

وفى الكون سنن رياضية محكمة بصورة تدعو إلى الدهشة والإكبار ، وحتى المادة الجامدة التي لا تملك شعورا لا يمكن أن تجرى على غير نظام وإنما هي تتبع قوانين صارمة معلومة ، ولفظ الماء أينما كان على هذه الأرض الواسعة لن يكون معناه سوى مادة سائلة تحتوى على 11.1%من الهيدروجين ، و88.9% من الأوكسجين.ولذلك يستطيع أي عالم يجرى عملية تسخين الماء في معمله أن يقول بكل قطعية: إن درجة حرارة غليان الماء هي (100) سنتي جراد ، دون أن يرى مقياس الحرارة ما دام ضغط الهواء760م.م. فإذا كان ضغط الهواء أقل فسوف نحتاج طاقة أقل لتوفير الحرارة التي تدفع جزئيات الماء. وتعطيها صورة البخار. وحينئذ سوف تنخفض درجة غليان الماء ، وعلى العكس لو كان ضغط الهواء أكثر من 760م.م. فستزداد درجة غليان بمقدار زيادة ضغط الهواء. لقد جربوا هذه العملية مرارا إلى أن تمكنوا من البت في أمر الغليان حتى قبل تسخين الماء والتنبؤ بدرجة غليانه دون استعمال المقياس. ولو لم يكن هذا النظام والضبط في المادة وعمليات الطاقة لما وجد الإنسان أسسا يقيم عليها كشوفه ومنجزاته العلمية.ولولا هذا النظام والضبط لحكمت عالمنا الاتفاقات والصدف المحضة! ولكان من المستحيل على علماء الطبيعة أن يقولوا:إنه بمباشرة عمل ما في حالة معينة تحصل نتيجة كذا. .

نظام العناصر والدورية:

إن أول شيء يشاهده الطالب في معمل الكيمياء هو نظام العناصر ودوريتها ، وقد وضع العالم الروسي (ماندليف) خريطة للعناصر الكيماوية بمقاديرها الجوهرية وسميت ب(الخريطة الدورية(Periodic Chart ، وفى ذلك الوقت لم تكن كل العناصر قد تم كشفها حتى تملأ كل الخانات الموجودة في الخريطة ، فتركها (ماندليف) خالية ؛ إلى أن ملأها العلماء فيما بعد ، كما تخيلها العالم الروسي من قبل كشفها بسنين طويلة ، وهذه الخريطة تحوى جميع العناصر الجوهرية بأرقام وقوائم مختلفة. ومعنى الأرقام الجوهرية هو العدد الخاص الذي يوجد في مركز الذرة ، من الشحنات الكهربية الإيجابية (البروتون) وهذا العدد هو الفارق بين ذرة عنصر وذرة عنصر آخر ؛ فالهيدروجين الذي نعتبره أبسط عنصر يوجد في مركز ذرته شحنة واحدة من الكهربية الإيجابية ، وكذلك توجد في العنصر المسمى (هيليم) شحنتان ، وفى (ليثيم) ثلاث شحنات. وما كان لنا أن نتمكن من وضع خرائط العناصر المختلفة إلا بناء على قوانينها الرياضية العجيبة. وهل هناك مثال للضبط أفضل من أننا عثرنا على العنصر رقم (101) بمجرد معرفة شحناته الكهربية الخمسة عشر؟ ! !

ليس من الممكن أن يطلق العلماء على هذا النظام الرائع في الطبيعة عبارة: (الصدفة الدورية(Periodic Chance وإنما هو (القانون الدوري(Periodic Law . وليس من الممكن أن نتنكر لما تطلبه هذه الضوابط والنظم من وجود إله ومهندس. . فإن عدم إيمان العلم الحديث بالإله إنكار في الواقع لكشوفه كنتيجة حتمية!

* * *

(سوف يحدث كسوف للشمس يوم 11 أغسطس سنة 1999م ويمكن رؤيته كاملا في كورنفال(59)) ، ليس هذا مجرد تنبؤ قياسي ولكن علماء الفلك يؤمنون بأنه لابد من هذا الكسوف بناء على نظام دوران الشمس الموجود حاليا.

ولكم نتحير عندما نرفع أعيننا إلى السماء ونشاهد الكواكب والنجوم التي لا حصر لها ؛ إن هذه الكرات السماوية التي لا تزال معلقة في الفضاء منذ قرون لا نعرف عدتها ، تدور في الفضاء الفسيح السحيق على نظام معين معلوم بحيث يمكننا معرفة جميع الوقائع المستقبلة قبل وقوعها بقرون.إنه نظام لا مثيل له من الذرة إلى قطرة الماء إلى الكواكب السحيقة في أجواز الفضاء. . نظام تستنبط على أساسه قوانين علمية!

إن نظرية (نيوتن) تفسر دوران الكرات الفلكية وبناء علي هذه النظرية استطاع العالمان: آدمز ولا فريير أن يتنبآ بوجود كوكب لم يكن معروفا وجوده في وقتهما ، وبناء على قولهما وجه مرصد برلين في ليلة من ليالي سبتمبر سنة1846 تلسكوبا إلى الجهة التي أشارا إليها وسرعان ما وجد المرصد الكوكب الذي نسميه اليوم (السيار نبتون)، في أسرة الشمس! !

* * *

خصائص حكيمة:

إن أبعد الأمور عن القياس وأعظمها استحالة هو أن نؤمن بأن الكون وقطعيته الرياضية ، قد جاءا نتيجة (صدفة(!

فمن الخصائص الحكيمة في هذا الكون كونه صالحا لتصرفات الإنسان عند الضرورة ، ولنأخذ النتروجين على سبيل المثال. . فإن 78%من النتروجين توجد في كل هبة من الرياح ، وكذلك توجد في أجزاء كيماوية أخرى ونسميها حينئذ (النتروجين المر كب) ، وهذه كلها يستغلها النبات لكي يهيئ لنا الجزء النتروجينى في غذائنا ؛ فلولا هذه العملية لهلك الحيوان والإنسان وكل ما يعتمد على النبات في أكله جوعا وفاقة ؛ فإن أي نبات غذائي لا ينمو بدون هذا التحليل الكيماوي.

إن هناك طريقتين لا ثالثة لهما لتحليل النتروجين في الأرض ، والطريقة الأولى: هي (العملية الجرثومية) وتقوم بأدائها الجراثيم التي تعيش في جذور الشجرة تحت الأرض ، وهذه الجراثيم تأخذ النتروجين من الهواء وتصنع منه (النتروجين المركب)، ويبقى هذا النتروجين تحت الأرض بعد الحصاد مع الجذور. وأما العملية الثانية التي تصنع النتروجين المركب فهي (الرعد). . فكلما احتك الرعد في الفضاء مزج شيئا من الأوكسجين في النتروجين ، ويصل هذا النتروجين المركب إلى الحقول عن طريق الأمطار التي تلي العملية ، والكمية التي تحصلها الحقول من هذا المركب بسهولة كل سنة هي ما يقرب من خمسة أرطال لكل (ايكر)(60) من الأرض وهى تساوى ثلاثمائة رطل من نترات الصوديوم(61).

ولكن هذه الكمية من النتروجين المركب لا تكفى لأن الحقول التي تزرع لمدة طويلة ينفذ ما فيها منه. ولذلك نرى الزراع يحولون المواسم الزراعية من حقل لآخر بعد وقت معلوم. وأعجب ما حدث في هذا القرن-عندما ضاقت الأرض بما رحبت على سكانها ، وقل النتروجين لكثرة الزراعة ، وخافت الإنسانية من القحط والفاقة- اكتشافنا في هذه المرحلة الخطيرة (طريقا ثالثة) لاستمداد النتروجين من الهواء وكانت الجهود الأولى التي بذلت في هذا الصد ، أنهم جربوا عملية خلق رعد صناعي في الفضاء باستعمال آلات قوتها3.000.000 حصان ؛ غير أنهم لم ينجحوا إلا في صناعة كمية ضئيلة من النتروجين المركب. وتقدم الإنسان بهذه التجارب حتى كشف الطريق الثالثة ؛ وهى استخدام الهواء في صناعة النتروجين المركب في صورة (السماد). . وهكذا استطاع أن يهيئ لغذائه جزءه الضروري ، الذي لولاه لهلك جوعا. وهذا حدث عجيب في تاريخ الأرض ؛ فإن الإنسان كشف للمرة الأولى في تاريخه حلا لأزمة الغذاء وابتعدت أشباح الكارثة عن سكان الأرض ، حين كان من المستحيل أن يتجنبوها! !

* * *

إن هناك أمورا كثيرة تؤكد وجود الحكمة والروح في الكون وكل ما لدينا من علم يؤكد لنا أن ما قد كشف أقل بكثير مما لم نستطع حتى الآن الكشف عنه! وبرغم ذلك فإن ما كشفه الإنسان كثير جدا ، حتى إننا لو أردنا فهرسة عناوين هذه العلوم فسنحتاج إلى سفر ضخم جدا ، بالنسبة إلى هذا الكتاب الذي بين يدي القارئ ، وسوف يبقى بعد ذلك أيضا الكثير منها دون فهرسة. .

إن كل ما يمكن للسان الإنساني أن يلفظ عن آلاء الله وآياته سوف يكون غاية في النقص فمهما فصلناها وأسهبنا في تفسيرها ، فسنخرج آخر الأمر مقتنعين بأننا لم نحط بها ، وإنما تناولنا منها (بعض الشيء).

والحق أنه لو قدر أن تنكشف للإنسان جميع العلوم الكونية ثم يجلس سكان المعمورة ، وقد هيئت لكل فرد منهم جميع الوسائل في أكمل صورها ، فإن هؤلاء جميعا لن يستطيعوا تدوينها أبدا. .أليس هذا هو مصداق قوله تعالى:

(ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام ، والبحر يمده من سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله): وقوله تعالى: (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا)(62) ! !

إن كل من أتيحت له الفرصة كي يطالع صفحة من هذا الكون ، سيتعرف مصدقا أنه لا مبالغة في هذه الكلمات الإلهية وإنما هي تعبير بسيط عن الحقائق الموجودة فعلا.

* * *

صدفة أم عمليات حكيمة؟

إن معارضي الدين يسلمون بكل ما طرحناه في الصفحات الماضية من الأنظمة العجيبة والحكمة غير العادية والروح التي تسرى في الكون ، ولكنهم يفسرونها بطريقة أخرى ؛ إنهم عاجزون عن أن يجدوا رمزا أو إشارة لمنظم ومدبر. . فإذا بهم يرون أن كل هذا جاء نتيجة (صدفة محضة).

واستمع إلى قول (هكسلى):

(لو جلست ستة من القردة على آلات كاتبة ، وظلت تضرب على حروفها لملايين السنين فلا نستبعد أن نجد في بعض الأوراق الأخيرة التي كتبوها قصيدة من قصائد شكسبير! فكذلك كان الكون الموجود الآن نتيجة لعمليات عمياء ، ظلت تدور في (المادة) لبلايين السنين(63)).

إن أي كلام من هذا القبيل (لغو مثير) بكل ما تحويه هذه الكلمة من معان ؛ فإن جميع علومنا تجهل-إلى يوم الناس هذا-أية صدفة أنتجت واقعا عظيما ذا روح عجيبة ، في روعة الكون فنحن نعرف بعض الصدف وما ينشأ عنها من آثار فعندما تهب الرياح تصل (حبوب اللقاح) من وردة حمراء إلى وردة بيضاء ، فتأتى بوردة صفراء. . هذه صدفة لا تفسر قضيتنا إلا تفسيرا جزئيا استثنائيا. فإن وجود الوردة في الأرض بهذا التسلسل ، ثم ارتباطها المدهش مع نظام الكون لا يمكن تفسيره بهبة رياح صدفة. إنها تأتى بوردة صفراء ولكنها لا تأتى بالوردة نفسه! إن الحقيقة الجزئية الاستثنائية التي توجد في مصطلح (قانون الصدفة) باطلة كل البطلان ، إذا ما أردنا تفسير الكون بها.

يقول البروفيسور ايدوين كونكلين:

(إن القول بأن الحياة وجدت نتيجة (حادث اتفاقي) شبيه في مغزاه بأن نتوقع إعداد معجم ضخم نتيجة انفجار صدفي يقع في مطبعة(64)).

وقد قيل:إن تفسير الكون بوساطة (قانون الصدفة) ليس (بكلام فارغ). بل هو كما يعتقد السير جيمس جينز ينطبق على (قوانين الصدفة الرياضية المحضة)

Purely Mathematical Laws of Chance (65)

ويقول أحد العلماء الأمريكيين:

(إن نظرية الصدفة ليست افتراضا وإنما هي نظرية رياضية عليا ، وهى تطلق على الأمور التي لا تتوفر في بحثها معلومات قطعية ، وهى تتضمن قوانين صارمة للتمييز بين الباطل والحق ، وللتدقيق في إمكان وقوع حادث من نوع معين وللوصول إلى نتيجة هي معرفة مدى إمكان وقوع ذلك الحادث عن طريق الصدفة (66)).

* * *

ولو افترضنا أن المادة وجدت بنفسها في الكون وافترضنا أيضا أن تجمعها وتفاعلها كان من تلقاء نفسها (ولست أجد أساسا لأقيم عليه هذه الافتراضات) ففي تلك الحال أيضا لن نظفر بتفسير الكون ، فإن (صدفة) أخرى تحول دون طريقنا. . فلسوء حظنا: أن الرياضيات التي تعطينا نكتة (الصدفة) الثمينة هي نفسها التي تنفى أي إمكان رياضي في وجود الكون الحالي بفعل قانون الصدفة.

لقد استطاع العلم الكشف عن عمر الكون وضخامة حجمه ، والعمر والحجم اللذان كشف عنهما العلم الحديث غير كافيين في أي حال من الأحوال ، لتسويغ إيجاد هذا الكون عن قانون الصدفة الرياضي.

ويمكننا أن نفهم شيئا عن قانون الصدفة من المثال التالي:

(لو تناولت عشرة دراهم ، وكتبت عليها الأعداد من1 إلى 10 ، ثم رميتها في جيبك وخلطتها جيدا ثم حاولت أن تخرجها من الواحد إلى العاشر بالترتيب العددي ، بحيث تلقى كل درهم في جيبك بعد تناوله مرة أخرى. . فإمكان أن نتناول الدرهم المكتوب عليه(67) في المحاولة الأولى ه واحد على عشرة ؛ وإمكان أن تتناول الدرهمين (2،1) بالترتيب واحد في المائة وإمكان أن تخرج الدراهم (4،3،2،1) بالترتيب هو واحد في العشرة آلاف. . حتى إن الإمكان في أن تنجح في تناول الدراهم 1إلى 10 بالترتيب واحد في عشرة بلايين من المحاولات! !).

لقد ضرب هذا المثال العالم الأمريكي الشهير (كريسى موريسن) ، ثم استطرد قائلا:

(إن الهدف من إثارة مسألة بسيطة كهذه ، ليس إلا أن نوضح كيف تتعقد (الوقائع) بنسبة كبيرة جدا في مقابل (الصدفة) (68).

* * *

ولنتأمل الآن في أمر هذا الكون فلو كان كل هذا بالصدفة والاتفاق ، فكم من الزمان استغرق تكوينه بناء على قانون الصدفة الرياضي؟

إن الأجسام الحية تتركب من (خلايا حية) وهذه (الخلية) مركب صغير جدا ومعقد غاية التعقيد ، وهى تدرس تحت علم خاص يسمى (علم الخلايا)Cytology. ومن الأجزاء التي تحتوى عليها هذه الخلايا: البروتين وهو مركب كيماوي من خمسة عناصر هي الكربون والهيدروجين والنتروجين والأوكسجين والكبريت. . ويشمل الجزيء البروتيني الواحد أربعين ألفا من ذرات هذه العناصر! !

وفي الكون أكثر من مائة عنصر كيماوي كلها منتشرة في أرجائه ، فأية نسبة في تركيب هذه العناصر يمكن أن تكون في صالح قانون (الصدفة)؟ أيمكن أن تتركب خمسة عناصر-من هذا العدد الكبير-لإيجاد (الجزيء البروتيني) بصدفة واتفاق محض؟ !إننا نستطيع أن نستخرج من قانون الصدفة الرياضي ذلك القدر الهائل من (المادة) الذي سنحتاجه لنحدث فيه الحركة اللازمة على الدوام ؛ كما نستطيع أن نتصور شيئا عن المدة السحيقة التي سوف تستغرقها هذه العملية.

لقد حاول رياضي سويسري شهير هو الأستاذ (تشارلز يوجين جواي) أن يستخرج هذه المدة عن طريق الرياضة. . فانتهى في أبحاثه إلى أن (الإمكان المحض) في وقوع الحادث الاتفاقي-الذي من شأنه أن يؤدى إلى خلق كون ، إذا ما توفرت المادة-هو واحد على 60/10 (أي 10×10 مائة وستين مرة). وبعبارة أخرى:نضيف مائة وستين صفرا إلى جانب عشرة! ! وهو عدد هائل وصفه في اللغة.

إن إمكان حدوث الجزيء البروتيني عن (صدفة) يتطلب مادة يزيد مقدارها بليون مرة عن المادة الموجودة الآن في سائر الكون ، حتى يمكن تحريكها وضخها ، وأما المدة التي يمكن ظهور نتيجة ناجحة لهذه العملية فهي أكثر من 243/10 سنة (69)!

إن جزيء البروتين يتكون من (سلاسل) طويلة من الأحماض الأمينيةAmino-Acids وأخطر ما في هذه العملية هو الطريقة التي تختلط بها هذه السلاسل بعضها مع بعض فإنها لو اجتمعت في صورة غير صحيحة سما قاتلا ، بدل أن تصبح موجدة للحياة.

لقد توصل البروفيسور ج. ب. ليتزG.B.Leathes إلى أنه لا يمكن تجميع هذه السلاسل فيما يقرب من 48/10 صورة وطريقة. وهو يقول: إنه من المستحيل تماما أن تجتمع هذه السلاسل-بمحض الصدفة-في صورة مخصوصة من هذه الصور التي لا حصر لها ، حتى يوجد الجزيء البروتيني الذي يحتوى أربعين ألفا من أجزاء العناصر الخمسة التي سبق ذكرها.

ولابد أن يكون واضحا للقارئ أن القول بالإمكان في قانون الصدفة الرياضي لا يعنى أنه لابد من وقوع الحادث الذي ننتظره ، بعد تمام العمليات السابق ذكرها ، في تلك المدة السحيقة ؛ وإنما معناه أن حدوثه في تلك المدة محتمل لا بالضرورة ، فمن الممكن على الجانب الآخر من المسألة ألا يحدث شيء ما بعد تسلسل العملية إلى الأبد!

* * *

هذا الجزيء البروتيني ذو وجود (كيماوي) لا يتمتع بالحياة إلا عندما يصبح جزءا من الخلية ، فهنا تبدأ الحياة ، وهذا الواقع يطرح أهم سؤال في بحثنا: من أين تأتى الحرارة عندما يندمج الجزيء بالخلية؟ . . . ولا جواب عن هذا السؤال في أسفار المعارضين الملحدين.

إن من الواضح الجلي أن التفسير الذي يزعمه هؤلاء المعارضون ، متسترين وراء قانون الصدفة الرياضي لا ينطبق على الخلية نفسها وإنما على جزء صغير منها هو الجزيء البروتيني وهو ذرة لا يمكن مشاهدتها بأقوى منظار بينما نعيش ، وفي جسد كل فرد منا ما يربو على أكثر من مئات البلايين من هذه الخلايا! !

لقد أعد العالم الفرنسي (الكونت دى نواي) Le Cotme de Nouy بحثا وافيا حول هذا الموضوع وخلاصة البحث:أن مقادير (الوقت ، وكمية المادة ،والفضاء اللانهائي) التي يتطلبها حدوث مثل هذا الإمكان هي أكثر بكثير من المادة والفضاء الموجودين الآن ، وأكثر من الوقت الذي استغرقه نمو الحياة على ظهر الأرض وهو يرى: أن حجم هذه المقادير الذي سنحتاج إليه في عمليتنا لا يمكن تخيله أو تخطيطه في حدود العقل الذي يتمتع به الإنسان المعاصر ، فلأجل وقوع حادث-علي وجه الصدفة-من النوع الذي ندعيه ، سوف نحتاج كونا يسير الضوء في دائرته82/10 سنة ضوئية (أي:82 صفرا إلى جانب عشرة سنين ضوئية! !) وهذا الحجم أكبر بكثير جدا من حجم الضوء الموجود فعلا في كوننا الحالي ؛ فإن ضوء أبعد مجموعة للنجوم في الكون يصل إلينا في بضعة (ملايين) من السنين الضوئية فقط. . وبناءا على هذا ، فإن فكرة أينشتين عن اتساع هذا الكون لا تكفى أبدا لهذه العملية المفترضة.

أما فيما يتعلق بهذه العملية المفترضة نفسها ، فإننا سوف نحرك المادة المفترضة في الكون المفترض ، بسرعة خمسمائة (تريليون) حركة في الثانية الواحدة ، لمدة243/10 بليون سنة (243 صفرا أمام عشرة بلايين) ، حتى يتسنى لنا حدوث إمكان في إيجاد جزيء بروتيني يمنح الحياة.

ويقول (دى نواي) في هذا الصدد:

(لابد ألا ننسى أن الأرض لم توجد إلا منذ بليونين من السنين ن وأن الحياة-في أي صورة من الصور-لم توجد إلا قبل بليون سنة عندما بردت الأرض)(70).

هذا وقد حاول العلماء معرفة عمر الكون نفسه ، وأثبتت الدراسة في هذا الموضوع أن كوننا موجود منذ5.000.000.000.000 سنة. . وهى مدة قصيرة جدا ولا تكفي على أي حال من الأحوال لخلق إمكان ، يوجد فيه الجزيء البروتيني ، بناء على قانون الصدفة الرياضي.

وأما ما يتعلق بأرضنا التي ظهرت عليها الحياة ، فقد عرفنا عمرها بصورة قاطعة ، فهذه الأرض كما يعتقد العلماء جزء من الشمس انفصل عنها نتيجة لصدام عنيف وقع بين الشمس وسيار عملاق آخر ، ومنذ ذلك الزمان أخذ هذا الجزء يدور في الفضاء ، شعلة من نار رهيبة ، ولم يكن من الممكن ظهور الحياة على ظهره حينئذ لشدة الحرارة ، وبعد مرور زمن طويل أخذت الأرض تبرد ثم تجمدت وتماسكت ، حتى ظهر إمكان بدء الحياة على سطحها.

ونستطيع معرفة عمر الكون بشتى الطرق وأحسن طريقة عرفناها لهذه الدراسة ، هي التي توصلنا إليها بعد كشف (العناصر المشعة)Radio-Active Elements فإن الذرات الكهربية تخرج من هذه العناصر بنسبة معلومة بصفة دائمة ؛ وهذا (التحلل) Disintegration يقل الذرات الكهربية في هذه العناصر ، لتصبح تلقائيا عناصر غير مشعة عبر الزمان ، واليورانيوم أحد هذه العناصر المشعة ، وه يتحول إلى معدن (الرصاص) بنسبة معينة نتيجة لتحلل الذرات الكهربية ، وهذه النسبة في الانتشار لا تتغير تحت أي ظروف من أدنى أو أقصى درجات الحرارة أو الضغط ، ولهذا سنكون على صواب لو اعتبرنا أن سرعة تحول اليورانيوم إلى (الرصاص) محددة وثابتة لا تتغير.

إن قطع اليورانيوم توجد في كثير من الهضبات والجبال منذ أن تجمد في شكله الأخير ، عند تجميد الأرض. . وعلى جانب هذا اليورانيوم نجد قطعا من الرصاص ، ولا نستطيع أن ندعى أن كل هذا الرصاص نتج عن تحلل اليورانيوم. والسبب في هذا أن الرصاص الذي يتكون من تحلل اليورانيوم يكون أقل وزنا من الرصاص العادي ، وبناء على هذه القاعدة الثابتة يمكننا أن نجزم بما إذا كانت أية قطعة من الرصاص من اليورانيوم ، أو أنها قطعة رصاص عادى ونحن هنا نستطيع أن نحتسب المدة التي استغرقتها عملية تحلل اليورانيوم بدقة ، فهو يوجد في الجبل من أول يوم تجمد فيه ونستطيع بذلك معرفة مدة تجمد الجبل نفسه!

لقد أثبتت التجارب أنه قد مر ألف وأربعمائة سنة على تجمد تلك الجبال التي تعتبر-علميا- أقدم جبال الأرض ، وقد يظن البعض منا أن عمر الأرض يزيد ضعفا أو ضعفين عن عمر هذه الجبال ولكن التجارب العلمية تنفي بشدة هذه الظنون الشاذة ، ويذهب البروفيسور (سوليفان) إلى أن (المعدل المعقول) لعمر الأرض هو ألفا مليون سنة(71)!

* * *

ولنتأمل الآن ، بعدما تبين لنا أن المادة العادية غير ذات الروح تحتاج إلى بلايين البلايين من السنين ، حتى يتسنى مجرد إمكان لحدوث (جزيء بروتيني) فيها بالصدفة! فكيف إذن جاءت في هذه المدة القصيرة في شكل مليون من أنواع الحيوانات ، وأكثر من 200.000 ألف نوع من النبات؟ وكيف انتشرت هذه الكمية الهائلة على سطح الأرض في كل مكان؟ ثم كيف جاء من خلال هذه الأنواع الحيانية ذلك المخلوق الأعلى الذي نسميه (الإنسان)؟ ولا أدرى كيف نجرؤ على مثل هذه الاعتقادات في حين أننا نعرف جيدا أن نظرية النشوء والارتقاء تقوم على أساس (تغيرات صدفية محضة)؟ ! وأما هذه التغيرات فقد حسبها الرياضي (باتو)Patau وانتهى إلى أن اكتمال (تغير جديد) في جنس ما قد يستغرق مليونا من الأجيال(72):

فلنفكر في أمر (الكلب) الذي يزعمون أنه جد (الحصان) الأعلى ، كم من المدة على قول الرياضي باتو سوف يستغرقها الكلب حتى يصبح حصانا؟ !

وما أصح ما قاله عالم الأعضاء الأمريكي مارلين ب. كريدر:

(إن الإمكان الرياضي في توفر العلل اللازمة للخلق-عن طريق الصدفة- في نسبها الصحيحة هو ما يقرب من (لا شيء)(73).

* * *

لقد أطلت في هذا البحث حتى نتبين مدى سخافة فكرة الخلق بالصدفة وبطلانها ولست-في الحق- أشك في أنه يستحيل وجود الجزيء البروتيني والذرة عن الصدفة كما لا يمكن أن يكون عقلك هذا-الذي يتأمل في أسرار الكون وخفاياه-من ثمار الخلق الصدفي ، مهما بالغنا في افتراضنا عن المدة الطويلة التي استغرقتها عملية المادة في الكون. ونظرية الخلق هذه ليست مستحيلة في ضوء قانون الصدفة الرياضي فحسب وإنما هي لا تتمتع بأي وزن منطقي في نفس الوقت.

وأي كلام من هذا القبيل سخيف ومليء بالصلافة. . ومثاله كمن يزعم أن سقوط كوب مملوء بالماء أو بالقهوة سوف يرسم خريطة العالم على الأرض! ! لا مانع من أن أسأل هذا الرجل: من أين جاء بهذا الفرش الأرضي والجاذبية والماء والكوب حتى يقع هذا الاتفاق الغريب؟ !

* * *

ولقد ولغ عالم البيولوجيا (هيكل)Haeckel في زعمه حين قال:

(إيتونى بالهواء وبالماء وبالأجزاء الكيماوية وبالوقت وسأخلق الإنسان). ولكن (هيكل) نسى أو تجاهل في هذه القالة: أنه بتقريره احتياجه إلى المادة والأحوال المادية ينفى زعمه من تلقاء نفسه!

يقول الأستاذ (كريسى موريسن)(74) في هذا الصدد:

(إن هيكل يتجاهل في دعواه: الجينات الوراثية ومسألة الحياة نفسها فإن أول شيء سيحتاج إليه عند خلق الإنسان ، هو الذرات التي لا سبيل إلى مشاهدتها ، ثم سيخلق (الجينات) ، أو حملة الاستعدادات الوراثية بعد ترتيب هذه الذرات ، حتى يعطيها ثوب الحياة. . ولكن إمكان الخلق في هذه المحولة بعد كل هذا لا يعدو واحدا على عدة بلايين ، ولو افترضنا أن (هيكل) نجح في محاولته فإنه لن يسميها (صدفة) ، بل هو حاكمه ومديره ومدبره ، بل سوف يقررها ويعدها نتيجة لعبقريته) (75).

* * *

ولنختم هذا البحث بقول عالم الطبيعة الأمريكي (جورج إيرل ديفيس):

(لو كان يمكن للكون أن يخلق نفسه فإن معنى ذلك أنه يتمتع بأوصاف الخالق ، وفي هذه الحال سنضطر أن نؤمن الكون هو الإله. . وهكذا ننتهي إلى التسليم بوجود (الإله) ؛ ولكن إلهنا هذا سوف يكون عجيبا: إلها غيبيا وماديا في آن واحد! ! إننى أفضل حاكمه ومديره ومدبره ، بدلا من أن أتبنى مثل هذه الخزعبلات).



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق