المدونة منشأة خصيصاً للرد علي شبهات الملاحدةو اللادينين و الربوبيين
و النصاري و اليهود غيرهم من الطاعنين في الاسلام وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ
الصفحات
▼
الخميس، 24 يوليو 2014
إتهام علمي و نقدي للجين الأناني
الجين الأناني
قال الله تعالى: {إن الذين يجادلون في آيات الله
بغير سلطانٍ أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله إنه هو
السميع البصير} (غافر : 56).
الكِبر هو أول ذنب عُصي الله به، وهو أصل دين الملحد، وهو سوق الشيطان
وقِوام بضاعته، وعليه ينصب رايته، وقلَّ من انتصر على نفسه وتواضع للحق عند
ظهور بيّناته.
نذكر هذا الكلام ونحن في معرض الحديث عن الكِبر الذي يمنع صاحبه من التسليم
للحق، ويدفعه دفعـاً للإغراق في الأُسطورة، بدلاً من الرضوخ للبينـَّات
والهدى، وسنرى من خلال هذه المقالة كيف يدفع الهوى أصحابه من الملاحدة إلى
الإيمان بما لا حقيقةَ له ولا دلائل على ثبوته، في قضيّةٍ يمكن أن نسمّيها
بقضيّة "الجين الأناني"، فما هي القضيّة؟ وما السرّ في وصف الجين
بالأنانية؟ وما علاقة ذلك بالكِبْر والهوى؟ كلّها أسئلةٌ تحاول هذه المقالة
الإجابة عنها.
ولفهم ملابسات القضيّة، ينبغي لنا أن نعود إلى القرن التاسع عشر حيث كانت
العلوم البيولوجية في مهدها، وكانت الخلية في عهد داروين مجرد تكوين هلامي -
بقعة سوداء - تحت الميكروسكوب، أو لطخة بروتوبلازمية Protoplasmic Blot
على حد تعبير البعض ، وكان من السهولة بمكان تمرير صدفويّة نشأتها؛ من أجل
التأثير على عامة الناس الذين لا يُفكِّرون في مثل هذه الأمور.
وبعد أن أظهرتْ الميكروسكوبات الإلكترونية في خمسينيات القرن الماضي آلافَ
العُضيّات المتخصصة specialized organelles داخل كل خلية، وبعد ثورة اكتشاف
الحمض النووي، صار الحديث عن صدفويّة الخلية ضرباً من الجنون .
وملامح النظام الإلهي في الخليّة الحيّة ظاهرةٌ، فالخلية الحيّة تحتوي على
مُركباتٍ مُعقّدة غير قابلةٍ للإختزال، فعلى سبيل المثال: يوجد إنزيم متخصص
في فك شفرة الحمض النووي لتخليق البروتين، وهذا يستدعي وجود الإنزيم
والحمض النووي معاً، والأمر لا يقبل التطور أو التدرج .(1)
ومن المعلوم في علوم البيولوجيا الجزيئية Molecular biology أن لحظة البدء
في عمليّة فك التشفير لها علاقة برسالةٍ تأتي إلى ذلك الإنزيم ليقوم بفك
الشفرة Decode وهذه الرسالة مُحملة على ما يُسمّى بالرسول أو Messenger RNA
والمهم جداً في هذه العمليّة.
ومن ملامح التنظيم الإلهي أن هذه العمليّة –عمليّة فك الشفرة- بحاجةٍ إلى
نظام تبريد، لا نقول: تحدث في مصانع عملاقة، ولكن في نواة خليّة لا يزيد
حجمها عن 6 ميكرو متر -الميكرومتر واحد على مليون من المتر-، وهذه التقنيّة
الحيويّة مهمّة حتى لا يحترق شريط الحمض النووي أثناء هذه العمليّة
السريعة.(2)
إذن هذه عملية مُعقدة غير قابلة للإختزال Irreducible complexity والتعقيد
غير القابل للاختزال :هو نظام مُكوَّن من العديد من الأجزاء المتفاعلة
المترابطة مع بعضها بشكلٍ مناسب، والتي تساهم في الوظيفة الأساسية للنظام،
بحيث أن إزالة أي جزء من هذه الأجزاء سيؤدي إلى توقف النظام عن العمل، مثال
ذلك: تروس الساعة، فلابد أن تتواجد التروس معاً وفي وقت واحد، وإلا لن
تعمل الساعة، فهذه منظومة غير قابلة للإختزال .
وبالمثل فإن هذه العمليات المعقّدة المترابطة داخل نواة الخلية إمـا أن
تنشـأ مرةً واحدة أو لا تنشـأ، فالافتقار لوظيفةٍ واحدة يؤدي إلى توَّقف
عملية تخليق البروتين بالكامل، وبالتالي لا يوجد ذلك الكائن الحي .(3)، وكل
هذا يجري باستمرار في خلية حجمها 1 على 50 من حجم النقطة في نهاية هذه
الجملة.
وللإنسان أن يتسائل قبل كل ذلك: ما هو مصدر التشفير داخل الحمض النووي ؟
فالتشفير عملية واعية غائيّةٌ عقلانية، تهدف لتخزين المعلومات، لإستخدامها
في المستقبل !
كل هذه الأمور المُعقدة غير القابلة للإختزال تجعل الحديث عن صُدفويّة نشأة
الخلية مجرد لغوٍ فارغ، ولذا يقول ويليام ستوكس William Stokes العالم
الدارويني: " لو أحضرنا مليارات الكواكب مثل كوكب الأرض، وامتلأت كل هذه
الكواكب عن آخرها بالأحماض الأمينية، وانتظرنا عليها مليارات السنين، فلن
نحصل على بروتين واحد. " (4)
إذن إنتاج بروتين واحد طبقا لويليام ستوكس William Stokes يتطلب مليارات
الكواكب ممتلئة بالأحماض الأمينية، فما بالنا والخلية الحية يوجد بها آلاف
البروتينات المُتخصصة، التي تعمل معاً في منظومة متكاملة، وليس مجرد بروتين
واحد .(5)
لقد أثبت العلم بوسائله المُتطورة مدى تعقيد الخلية، واحتياجها إلى قانون
متكامل ومتوازن، وهذا بطبيعة الحال يقود إلى الإيمان بالله تعالى - الخالق
الباريء المصور - .
لكن من قال بأن كل عالِم في الطبيعة هو موضوعي ومنصِف ينقاد لما تدلّ عليه
التجارب والبحوث؟ ويتعامل معها بحياديّة؟ بين يدينا مثالٌ لملحد شهير هو
ريتشارد داوكينزRichard Dawkins، وهو عالمٌ بيولوجي إلا أن قناعاته
الإلحادية جعلته يتبنّى أموراً غير منطقيّة فراراً من أية إلزامات تفرضها
عليه الحقائق العلميّة، فاضطر إلى تأسيس فلسفة "الجين الأناني" في كتاب
يحمل نفس الاسم SELFISH GENE ، وهو كتابٌ غارقٌ في الأسطورة والدجل
والشعوذة؛ من أجل إفراز حل بديل لمعضلة الخلق المباشر، وادّعى أُسطورة
الجين الأناني الحريص على ذاته، وعلى الإنتقال من جيل لآخر.(6)
وكأننا بداوكينز لا يقبل فكرة الإله، والخلق المباشر، فافترض أسطورة الجين
الإله، وبالفعل هو يتحدث في كتابه عن مركزية الجين في الطبيعة، وكأن الجين
بيده مقاليد الأمور، وأن الكائنات الحية مُسخَّرة للجين، وتقوم بنقل الجين
للأجيال التالية لا أكثر، وهذا إدخال للأُسطورة في العلم من أجل سحب البساط
من تحت ناقدي الداروينية .(7)
وللإنسـان أن يتساءل : ما الذي يدفع رجل علمي بيولوجي مثل داوكينز لهذا
التصرف الشاذ علمياً؟ فهذه مسألة لا توجد نظرية علمية تدعمها، ولا فرضية،
ولا حتى أكذوبة تؤيدها، فما الذي يدفع ريتشارد دواكينز نحو هذا النفق
المُظلم ؟ (8)، ليس لنا إلا أن نقول: {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله
على علم} (الجاثية : 23).
ونقضاً لفكرة مركزيّة الجين يُقال: إذا كانت الجينـات بهذه المركزية في
الطبيعة، ما الذي جعل الكائنات الحية تنتقل من مرحلة التكاثر اللاجنسي
Asexual reproduction، الذي تحافظ فيه الجينات على نفسها تماما - حيث تنتقل
من الُأم إلى الأبناء كما هي - إلى مرحلة التكاثر الجنسي Sexual
reproduction ، الذي تعجز فيه الجينات أن تُحافظ على نفسها بل تصير تابعة
لإختيارات الإنزيمات أثناء عملية التلقيح ولا تنتقل كاملة أبداً إلى
الأبناء ؟.(9)
والغريب أن داوكينز لم يكتف بذلك في كتابه، فحاول تبرير وجود العقيدة
الدينية عند جميع شعوب الأرض، حتى يخرج من مأزق التسليم بالغريزة الدينية،
فافترض داوكينز وجود شيء يُدعى الميمات Memetics، وطبقاً لتعريفه :
فالميمات هي وحدة التناقل الثقافي بين الأجيال، أي هناك ميم الدين، وميم
العادات، وعن طريق هذه الميمات ينتقل الدين بين الأُمم جميعاً . وبداهةً لا
يوجد في تاريخ العلم التجريبي شيء يُدعى ميمات، فالميمات ليست عُضيات، ولا
جسيمات، ولا ذرات، وإنما هي افتراض نظري مُجرَّد .(10)
ولا ندري إلى الآن كيف خمَّن داوكينز وجود مثل هذه الميمات أصلاً ؟ وكيف
أمكنه ربط الميمات المُعينة بالأوضاع الفكرية المُحددة ؟ ثم كيف يتطرق
داوكينز المادي إلى أشياء غير مادية لا توجد على الصبغيـات-الجينـات -؟
إننا بحق لا نجد مُبرراً واحداً يسمح لداوكينز بالترويج لتلك الأساطير بإسم
العلم .
ولعل البرهان العلمي الحاسم في إبطال قضية الميمات، كان الحصول على خريطة
الجينوم البشري، التي تم الإنتهاء منها في عام 2001 ، فقد تبيَّن مدى خرافة
الميمـات، والجين الأناني، حيث لم يعد للمسـألة سند جيني - صبغي - تعتمد
عليه، وأصبحت أثراً بعد عين.(11)
بل إنه تم تفنيد تلك الخرافة عملياً حتى قبل عمل خريطة الجينوم البشري، على
يد أخصائيين علم نفس واجتماع، وعلم أعصاب الدماغ، فقد أثبت العلماء أن دجل
داوكينز في كتابه "الجين الأناني" مجرد سلسلة من الافتراضات اللامنطقية،
والتي أدت في الأخير إلى نتيجة مجنونة مُفادها أن البشر عبارة عن آلات نسخ
للأفكار أو الميمات، وكأن الإنسان تحت رحمة هذه الميمات .(12)
ويمكن نقض هذه بكل سهولة، إذ يكفي أن نقول: إذا كانت الميمات ثابتةً عبر كل
العصور، فما هو مصدرها، أليس هذا دليل آخر يمكن أن يستخدمه المتدينون في
إثبات غريزة التدين ؟ أليست هذه الميمات حجة لوجود دليل الفطرة ماديا ؟وإذا
كان الأمر كله "ميمات" فلماذا لم تنتقل إلى الملحدين؟ والأسئلة الأهم:
لماذا يدعم الملحد الأسطورة ويرفض العلم؟ لماذا يؤسس الملحد لفلسفة الميمات
والجين الأناني، ويرفض الخلق المباشر، والتدين الغريزي .؟
إن الميمات والجين الأناني ما هي إلا نظريات أسطورية بمقياس العلم يدعمها
الملحد ريتشارد داوكنز .. وهكذا عندما يبتعد الإنسـان عن الإله يفقد
البوصلة، ويضل الإتجـاه، ويتخبّط في هلاوس من الأسـاطير ينسب لها المركزية،
وشيئاً من القداسـة، عسى أن يجد فيهـا بديلا يحـل مكان الإله، يقول الله
تعالى : {ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض ؛ وأسبغ
عليكم نعمه ظاهرة وباطنة؛ ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هُدىً
ولا كتابٍ منير} (لقمان : 20).
نقد علمي مادي مبسط في -الشق البيولوجي-
الذي إستوحى منه دوكاينز نظريته
بهذا المنطق القاصر في حصر كل شيء في الجين وظيفة و حاكمية هو ظهور فرع بدأ
يدق أبواب المختبرات Epigenetics
عوامل هذه الظاهرة لوحدها تنسف نسفا هذه الأسطورة من علم الجينات نفسها!
فلم يعد معنى لشيء إسمه جين أناني لكل مطلع على آخر الإكتشافات الجينية و
الميكروبيولوجي و البيولوجيا الجزيئية و لا لنظرية الميمات كنتيجة حتمية
..
لماذا؟
لأن المتحكم الحقيقي هو النظام الخلوي ككل جين + مكونات و نواقل خلية + بيئة الجسم = تفاعلات متناغمة و بالتالي -> تعليمات متغيرة لكن -مضبوطة-
فالذي يعطي تعبيرا نهائيا ليس معلومة الشفرة بالجين لأن تعبيرها متحكم فيها بحسب تعليمات مجهولة الفهم كليا و حتى المصدر أحيانا!
الإكتشافات الآن تصرخ لتقول يا عالم إهتموا لقاعدة التحكم التعبير الجيني Gene expression قليلا لا الجين فقط !
يمكن لنفس الشفرة الجينية أن تفك بطرق مختلفة بحسب عوامل بيئية تحمل تعليمات معقدة جدا جدا و هي ما يدرس في الفرع الجديد Cell signaling أو علم تأشير الخلية
لتتناغم مع الحمض النووي بطريقة ما فيعيد توجيه الجينة إما تنشيطا تثبيطا
أو تغييرا في الناتج حتى! إذن فهناك عوامل خارجية بحسب وضع و ظروف الكائن
تؤثر و تتواصل مع الحمض النووي ممدة إياه بتعليمات توجيهية على أساسها يصدر
أمره .
فالمعطيات الفاعلة حقا بالجينات و تعبيرها المُراقَب على قدر كبير
من التخصيص و التغير المحكوم بعوامل متنوعة المصدر وكذا الظروف داخل قالب
التعميم المعروف المتعارف عليه Protein...phenotype ... DNA و الذي
إستغله دوكايز متسرعا مدفوعا بفكره الإديولوجي المسبق ليحرجه العلم من
جديد بمعلومات جديدة وسعت المدارك و نحت نحواً معاكسا لما أمله وإتكأ عليه
ليؤسس نظريته بالضبط! ، فلا مانع هنا لديه سبحان الله أن يبني على غيب و
إيمان بل يتعداه لخرق حقائق العلم و التقول عليها دون "إثبات علمي " كافٍ
على قدر المقدمة و النظرية التي وضع و لا عِلم محيط أصلا مع علمه بذلك!
فتأمل عندما يخرص الملحد و يهدم عقيدته عمليّا .
----
أن ظواهر
Epigenetics كافية لهدم أسطورة الجين الأناني تماما مثلما ذكر مجلة Aeon بعنوان معبّر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق