كما هو معلوم فإنّ كوكب الأرض هو جزء
من المجموعة الشمسية، وهذه المجموعة تتألف من كواكب سيارة تدور في فلك حول
الشمس و تعتبر الشمس نجما متوسط الحجم مقارنة بالنجوم الموجودة في الكون
وهذه الكواكب تتبعها أقمار يبلغ عددها حسب آخر الإحصائيات أكثر من مائة
وخمسون قمرا، ويعتبر كوكبنا الأرض الثالث من ناحية بعده عن الشمس.
لنتأمل أولا حجم المجموعة الشّمسية التي ننتمي إليها، فقطر الشمس يبلغ حوالي 109 مرة بقدر قطر الأرض، وبتعبير آخر لو قمنا بتصغير الأرض التي يبلغ قطرها حوالي 12756
كيلومتر حتى تبلغ حجم الكرة الزجاجية التي يلعب بها الأطفال عندئذ تكون
الشمس بحجم ضعفي كرة القدم، ولكن النقطة الغريبة التي تلفت الانتباه هي
المسافة الفاصلة بينهما فلو قمنا بتصغير المسافات والأحجام لكل منهما عندئذ
تصبح المسافة الفاصلة حوالي 280 مترا أما الكواكب البعيدة فتصبح على هذا
المقاس على بعد كيلومترات عديدة فتأمل !
المجموعة الشّمسية و
بالرغم من حجمها الهائل فإنها تتواضع أمام حجم مجرة درب التبانة التي تعتبر
جزءا منها، لأن هذه المجرة تحتوي على نجوم { شموس} كثيرة ومعظمها أكبر
حجما من شمسنا ويربو عددها على 250 بليون نجم وأقرب هذه النجوم إلينا نجم
يدعى ( ألفا سنتوري ).
.
.
ولتوضيح مدى قربه من مجموعتنا نرجع إلى المثال السابق الذي صغرنا فيه المسافة بين الأرض و الشمس إلى 280 مترا بهذا المقياس التصغيري سيكون نجم ( الفاسنتوري ) على بعد يقدّر بـ 78 ألف كيلومتر من الشمس !
ودعونا
نصغر المثال السابق بنسبة أكبر،كأن تصبح الأرض بقدر ذرة غبار تكاد لا ترى
بالعين المجردة، عندئذ تصبح الشمس بحجم ثمرة الجوز وتبعد عن الأرض بمسافة 3
أمتار و نجم الفاسنتوري سيكون في هذه الحالة على بعد 640 كم من الشمس، إذن فمجرة درب التبانة تحتوي على 250 بليون نجم تفصل بينهما هذه المسافات الشاسعة جدا، وتقع شمسنا على أحد أطراف هذه المجرة ذات الشكل الحلزوني.
والأغرب من ذلك أن حجم هذه المجرة يعتبر صغيرا جدا بالمقارنة مع حجم الكون فالكون يحتوي على مجرات أخرى يقدر عددها بـ200 بليون مجرة ... فتأمل ! أما المسافات الفاصلة بين هذه المجرات فأكبر من المسافة بين الشمس والفاسنتوري بملايين المرات.
.
.
والمسافات الفاصلة بين الأجرام السماوية
وطريقة انتشارها في الكون تعتبر ملائمة ولازمة لاستمرار الحياة على الأرض
فهذه المسافات الفاصلة مرتبة وموجودة بطريقة تتلاءم مع القوى المؤثرة
وبالتالي تشكل عاملا ضروريا للحياة على كوكب الأرض، وكذلك تعتبر هذه
المسافات الفاصلة عاملا مؤثرا على باقي الكواكب وأفلاكها تأثيرا مباشرا ولو
كانت هذه المسافات أصغر قليلا لأثرت قوى الجذب الهائلة الموجودة بين كتل
النجوم المختلفة وبالتالي أدى ذلك إلى إحداث خلخلة في أفلاك الكواكب وهذه
الخلخلة كانت ستؤدي حتما إلى تفاوت كبير في الحرارة ولو كانت هذه المسافات
أكبر قليلا لتشتتت المعادن المنطلقة من النجوم العملاقة ولما نشأت كواكب
مثل الأرض.
وتعتبر المسافات الكونية الحالية مثالية وملائمة لنشوء مجموعات شمسية كالتي ننتمي إليها ويقول البروفيسور مايكل دينتون Michael Denton الأخصائي في الكيمياء الحيوية في كتابه ‘’مصير الطبيعة Nature’s Destiny
( إن المسافات الفاصلة بين النجوم العملاقة بل كافة النجوم تعتبر قضية حساسة جدا فهذه المسافات تقدر كمتوسط لها بـ 30
مليون ميل بين نجوم مجرتنا ولو تغيرت هذه المسافات بأن تكون أقل قليلا
لأصبحت مدارات الكواكب غير مستقرة ولو كانت أكبر قليلا لكانت المادة
المنطلقة من قبل النجوم المنفجرة سوبر نوفا متشتتة تشتتا كبيرا للغاية
لدرجة ينعدم معه تشكل مجموعات شمسية مثل التي ننتمي إليها.فإن كنا نريد
كونا صالحا وملائما للحياة لكان من الضروري استمرار النجوم المنفجرة في
الانفجارعلى وتيرة معينة. علما أنّ هذه الانفجارات تعتبر محددة للمسافات
المعينة الفاصلة بين النجوم، وإن هذه المسافات البعيدة والمحددة موجودة
فعليا وتمارس تأثيرها المباشر ) 12
أما البروفيسور جورج كرنشتاين prof. George Greenstein فيتحدث عن هذه المسافات الشاسعة في كتابه الكون التكافلي The Symbiotic Universe قائلا :
(
إذا أصبحت النجوم أقرب مما هي عليه الآن فلا يحدث إلا فرق طفيف في
المفاهيم الفيزيائية الفلكية فقد لا يحدث أي تغيير في العمليات الفيزيائية
الجارية في النجوم وفي الأجرام السماوية الأخرى ولو نُظر إلى مجرتنا من
نقطة بعيدة عنها فلا يمكن تمييز أي تغيير فيها عدا أن عدد النجوم التي
نراها ونحن مستلقين على الأعشاب يصبح أكثر. عفوا أود أن أضيف أن هناك فرقا
آخر يحدث وهو استحالة وجود إنسان مثلي يلقي نظرة على هذه النجوم فهذه المسافات الشاسعة والهائلة الموجودة في الفضاء شرط أساسي لوجودنا ) 13
ويوضح
كرينشتاين سبب هذا بأن الفراغات والمسافات البينية الموجودة في الفضاء
تعتبر عاملا رئيسيا في تأمين المتغيرات الفيزيائية بشكل ملائم لحياة
الإنسان ومن ناحية أخرى فإن هذه الفراغات البينية الواسعة تحول دون ارتطام
أرضنا بالأجرام السماوية العملاقة السابحة في الفضاء. .
.
وملخص القول أن طريقة انتشار وتوزيع
الأجرام السماوية في الكون تتلاءم في أبعادها ومواضعها مع حياة الإنسان و
استمراره وأن هذه الفراغات لم تأت اعتباطا أو بصورة عشوائية بل تعتبر نتيجة
لعملية خلق من أجل غاية معينة و الله عز وجل في آيات عديدة يقول بأن
السماوات والأرض خلقتا من أجل حكمة معينة :
(
وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ
بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ )
الحجر 85
(
وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ
مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا
يَعْلَمُونَ ) الدخان 38-39
12. Michael Denton, Nature's Destiny, The New York: The Free Press, 1998, p. 11.
13. George Greenstein, The Symbiotic Universe, New York: William Morrow, 1998, p. 21, emphasis added.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق