الصفحات

الجمعة، 9 نوفمبر 2012

الوجود الالهي 2 كيف تصل لله

المبحث الثاني: حتمية ومنطقية أن يكون الإله الخالق واحداً وليس أكثر من واحد


السؤال المطروح:

                  

١)  الإله الخالق الذي توصلنا لوجوده...هل هو إله واحد أم هو إثنين أو أكثر؟

٢)  وما هی حتمية وضرورة أن يكون الإله واحداً؟

٣)  وهل يتوافق هذا مع المنطق أم لا؟                  

 

 

البحث المنطقي للإجابة:

 

١)  العقل والمنطق يقول بأن هناك إحتمالين إثنين فقط:

 

الإحتمال الأول {  أن يكون الإله الخالق واحداً لا ثاني له ولا شريك معه ، خلق كل شئ الكون والحياة والأرض والذرة وكل شئ أياً كان...وحده...وهو مسيطر ومهيمن وحاكم وحده...ولو كان هذا الإحتمال صحيحاً وحقيقياً فماذا يتوقع العقل أن تكون الصورة...العقل والمنطق يقول ببساطة أن الأمر لو كان هكذا فمن المفروض أن نجد كل شئ منتظماً وهادئاً...لا إضطرابات ولا خروجاً عن النظام من أي خلق من المخلوقات أو كائن من الكائنات...ولكي نقرب الموضوع إلی الأذهان أكثر نقول...إنظروا إلی نظم الحكم المختلفة في دول العالم...وقولوا لنا ما الفرق بين الحال في الدول التي تحكم بديمقراطية ويشترك في الحكم سلطات مختلفة رئيس ، ومجلس نيابي ، ومجلس قضائي وبين الدول التي تحكم بنظام ديكتاتوري فردي تسلطي...الحاكم المطلق فيه هو شخص واحد أو فرد بعينه...وليس هناك أي سلطة غير سلطته أوكلمة غير كلمته أو قانون غير قانونه...إن ما نشاهده أن الأحوال في الدول المتعددة السلطات والحكام تكون في أحوال كثيرة مضطربه...الإعتراضات والخلافات...والإضرابات والمظاهرات...الإحتجاجات والمجابهات...الرئيس يريد شيئاً والمجلس النيابي لا يوافق ويريد شيئاً أخر...المحكمة العليا تقول أن قرار الرئيس غير دستوري...مواجهة بين المجلس النيابي ومجلس القضاء الأعلی...وهكذا...فالأمور غير مستقرة...يتخذ قرار اليوم ويلغا غداً...تنفذ سياسة هذا العام ثم تنقض في العام التالي...توضع قوانين أو مسودات قوانين ثم يختلف عليها ثم تطرح علی الإستفتاء فيقبلها البعض ويتعصب لها...ويرفضها البعض ويتعصب ضدها...والأمور مختلة والسلطة مفرقة...والنظام مفقود...والفساد يستشري...والإنسان حائر...وأموره مضطربة...أما الدول الديكتاتورية التي تخضع لحكم الفرد المطلق...فالأمور فيها دائماً مستقرة وهادئة...نعم قد تكون الشعوب مقهورة بسبب ظلم الحاكم...ولكن لأن الحاكم شخص واحد...فلا خلافات ولا إضطرابات ولا قرارات متضاربة ولا سلطات متصارعة ولا إضرابات ولا مظاهرات ولا تذبذب في الأسعار ولا تغير في القوانين ولا مواجهات او صراعات سياسية أو فضائح صحفية أو مجادلات إعلامية...ولكنه الهدوء والإستقرار والنظام المفروض بيد من حديد ، لا يستطيع أحد أن يشذ أو يحيد...

إذن فالعقل يقول أن إنتظام الأكوان والحياة والمخلوقات والمظاهر الطبيعية وهدؤها يدل علی أن الخالق واحد والمسيطر واحد والمهيمن واحد والحاكم واحد وحال الكون والمخلوقات كلها يوافق التوقع المنطقي من أن الخالق والحاكم واحد.

 

الإحتمال الثاني {  أن يكون الإله الخالق إثنين أو أكثر...خمسة أو عشرة أو مئة أو ألف...وهنا تبرز أمام العقل عدة أسئلة تستحق التفكر والإجابة...مثلاً...هل هذه الألهة إشتركت وتعاونت مع بعضها في عملية  الخلق ووضع القوانين وتعاضدت مع بعضها...فأي مخلوق إذن بقوانينه هو من صنع هذه الألهة مشتركة؟!  أم أن كل إله خلق شيئاً من الكون ووضع له قوانينه...فهذا إله الشمس وهذا إله القمر وهذا إله النجوم وهذا إله النار وهذا إله الحرب وهذا إله الجمال إلخ...كما كان يظن الفراعنة والإغريق والرومان والقدماء كما تصور بعض الفلاسفة؟!  وهل يعلم هؤلاء الإلهة بوجود بعضهم بعضاً؟  وما هي علاقتهم ببعضهم وكيف يتم تنظيمها وفي أي إطار؟!  وهل هم متساوون في القوة والقدرات والسيطرة والحكمة أم لا؟!  ولو كان هذا الإحتمال كله صحيحاً فماذا يتوقع العقل والمنطق أن تكون الصورة؟!  إذا أعملنا العقل المجرد والمنطق والتدبر في هذه الأسئلة...لوجدنا ما يلي:

 

لقد توصلنا في إستنتاجنا في المبحث الأول إلی حتمية وجود الإله الذي هو قوي وقادر وحكيم ومسيطر وكامل لا نقص فيه...ومنطقياً لو أن هذا الإله كان أكثر من واحد للزم أيضاً أن يكون لكل إله نفس الصفات التي توصلنا إليها في إستنتاجنا الأول...فيجب إذن أن يكون كل إله من الألهه قوی وقادر ومسيطر  وحكيم وكامل لا نقص فيه...هذا عقلي ومنطقي وإذا كان كل واحد منهم قوی وقادر ومسيطر وحكيم وكامل لا نقص فيه ، فلِما إذن يحتاجون للتشارك في صنع الكون والمخلوقات...إن التشارك والتعاضد يأتي من القصور وهذا تفهمه العقول...فأنت عندك قصور في كذا أو ضعف في كذا وعندك قوة وسيطرة في مواقع أخری وأنا عندي قوة في مواقع ضعفك وضعفٌ في مواقع قوتك فنحتاج أنا وأنت للشركة والمعاضدة حتی نكمل بعضنا البعض ونتساعد لننشئ شيئاً أو نخلق شيئاً لا نستطيع كلٌ منا بمفرده أن ننشئه أو نخلقه...أما إذا كنت قادراً وقوياً وكاملا ً لا نقص فيك في أي وجه من الوجوه...فلا معنی إذن أن تحتاج للدخول في الشركة والتعاضد مع ألهة أخرين لخلق كون وحياة ومخلوقات تستطيع أن تخلقها وحدك...فهذا عقلي ومنطقي تماماً ويوافق التفكير السليم...ففكرة التشارك بين الألهة في صنع الخلق أي أن كل مخلوق هو نتاج لخلق مشترك من أكثر من إله هی إذن فكرة مرفوضة لا يقبلها أو يستسيغها العقل والذوق والتدبر السليم.

          أما أن يكون كل إله خلق شيئاً من الكون والمخلوقات ووضع له قوانينه...فإله خلق النجوم مثلا ً وأخر خلق الإنسان وثالث خلق الحيوانات ورابع خلق الماء وهاكذا ، فإذا إفترضنا هذا فمعنی ذلك أن لكلٍ مشئية أو إرادة خاصة به وإلا فلما إنفرد كل منهم بخلق شئ يختلف عن الأخر...هذا واضح ومنطقي...وطالما أننا إفترضنا بتعدد الألهه إذن فسيكون هناك تعدد للمشيئات أو الإرادات...وطالما تعددت المشيئات والإرادات فمنطقياً أن هذه المشيئات قد تتوافق وقد تتنافر وقد تتقارب وقد تتباعد وهذه طبيعة التعدد المنطقية...وهذه الألهه المفترضة بإعتبار أنها بالضرورة والمنطق عالمة ومحيطة كما توصلنا في إستنتاجنا الأول فلا بد إذن أنها تعرف بعضها بعضاً وتحيط ببعضها البعض...ويعرف كل منهم مشيئات ورغبات الأخرين...والأن إذا توافقت وتقاربت مشيئات الألهة فليس هناك مشكلة...ولكن ماذا سيحدث إذا تعارضت وتنافرت وتباعدت الرغبات والمشيئات وهذه كما ذكرنا منطقية لطبيعة التعدد...فماذا سيحدث في هذه الحالة وكيف سيُحل هذا التعارض والتناقض...مع العلم بأن الخلق متواجد مع بعضه والكون واحد...فهل سيفرض أحدها إرادته علی الأخر أم سيقهره أم سيتنازل له أم سيتوصلوا إلی حل وسط أم سيأخذ كل منهم خلقه ويذهب إلی مكان أخر...إن كل هذا منطقياً مستحيل الحدوث لأنه يتناقض مع الصفات التي إفترضناها للإله...فإذا انقهر أو فُرض عليه أو إستسلم أو تنازل لا يصح بعد ذلك أن يُسمی إلهاً لأن كل هذه الأشياء هی من قبيل الضعف والنقص والإله كما توصلنا قوي وكامل غير منقوص...فإذا كان كل هذا منطقياً مستحيل الحدوث ، فالإختلاف إذن مستحيل الحدوث...وإذا كان الإختلاف مستحيل الحدوث فالتعددية أيضاً منطقياً تكون مستحيلة الحدوث ولا بد إذن وأن يكون الإله واحداً فقط...هذا هو حكم المنطق والعقل والفكر السليم.

          وما هی علاقة هؤلاء الألهة بعضهم بعضاً...هل هم أصدقاء؟  هل هم أعداء؟  هل هم لا أصدقاء ولا أعداء؟  إن كانوا أصدقاء فكيف ستستمر صداقتهم وبينهم مصالح ورغبات قد تتضارب وتتعارض وإن كانوا أعداء فماذا سيحدث للكون والخلق نتيجة هذا العداء؟  وإن كانوا لا هذا ولا ذاك فكيف هذا وبينهم مصالح مشتركة؟  إن كل هذه واضح أنها إفتراضات غير منطقية بالمرة وتتنافی مع العقل والمنطق ، وإذا لم يتساوی الألهة في القوة والقدرات والسيطرة والحكمة فالأقل منهم سيكون أضعف وهذا لا يستحق أن يكون إلهاً لأن الإله الخالق كما إستنتجنا من صفاته القوة وليس به ضعف أو نقص...وما الإطار الذي سيحكم علاقة هذه الألهة مع بعضها...هل هناك مجلس مثلا ً يضمهم جميعاً كما تصور البعض قديماً...ولو كان الأمر كذلك فمِن الطبيعي والمنطق أن يكون لهذا المجلس رئيساً منهم مختاراً أو منتخباً وهذا الرئيس سيكون له سلطة علی الباقين أي أنه سيكون أقوی والباقين أضعف ولو أصبحوا أضعف لما إستحقوا أن يكونوا ألهة لإن الأله لا يكون ضعيفاً أبداً كما ذكرنا لإنه من صفاته القوة المطلقة ولا يشوبه ضعف من أي نوع...وهذا الرئيس أيضاً لا يستحق أن يكون إلهاً لأنه سيستمد قوته من إختيار وخضوع الأخرين...إذاً فسيكون فيه نقص لأنه إستمد قوته من الغير والإله الخالق كما توصلنا كاملا ولا يشوبه نقص أبداً...إذن فهذه الإحتمالية يستحيل منطقياً تخيلها أو تصور وجودها...والأن ماذا يتوقع العقل والمنطق أن تكون صورة الكون والخلائق والحياة إذا كان هناك أكثر من إله واحد...إن العقل يتصور ببساطة أن الأمر سيكون مضطرباً أشد الإضطراب والإختلاف علی أشده والقوانين تتضارب والصراعات تشتد ولا حاكم أعلی يُرجع إليه أو يبت في الأمور أو يحسمها وسيسود الفساد في الكون كله وفي الحياة وبين المخلوقات بصورة لا يمكن معها أبداً تصور إستمرار الحياة أو إستمرار نظامية الكون أو وجود المخلوقات أو المظاهر الطبيعية...إن العقل والمنطق يقول هذا بدون أدنی شك ولكن ما نراه هو العكس فالحياة مستمرة بنظامية شديدة والكون يجري بكل نظام وبدقة متناهية والمخلوقات تعيش حياتها بهدوء وترتيب فهذا إذن يتعارض تماماً مع أن يكون الخالق متعددة ألهة ويتنافی معه تنافياً مطلقاً يصل إلی درجة الإستحالة التامة.

          ومن هنا نستنتج أن الإحتمالية الأولی وهی أن الإله الخالق واحداً لا شريك له هی الإحتمالية المنطقية والحقيقية والواقعية التي يقبلها ويفهمها العقل والمنطق والتدبر السليم...أما الإحتمالية الثانية فغير مقبولة بالمرة ومرفوضة نظراً لإستحالتها ومخالفتها للواقع مخالفة تامة واضحة للعقل والمنطق الإنساني والتفكير والتدبر السليم.

 

٢)      والكون والحياة والمخلوقات كلها كما ناقشنا في المبحث الأول مبنية علی قوانين وقواعد ثابتة ومنتظمة...كل خلق من المخلوقات وكل جزء وجسم من الكون الواسع له قوانينه الخاصة...النار لها قوانين خاصة بها...والماء له قوانين خاصة به...وكذلك الإنسان والحيوان والنباتات والمحيطات والهواء والرمال والرياح والجبال والنجوم والكواكب والسحب والكهرباء والحرارة والضوء والصوت إلخ...كل شئ له قوانينه الثابتة الخاصة به التي يعمل بها ومن خلالها ولا وجود له إلا بها...ولكن الأمر لا يقتصر عند هذا الحد...فهناك مجموعة كبيرة جداً أخری من القوانين الثابتة والقواعد التي تنظم علاقات كل هذه المخلوقات مع بعضها البعض وتحدد الإطار الذي تتعامل أو تتفاعل من خلاله مع بعضها البعض...قوانين مثلا ً تنظم علاقة وتفاعل الماء مع النار والنار مع الهواء والهواء مع الماء والحرارة مع الكهرباء والحرارة مع الماء والشمس مع الأرض والأرض مع الزهرة والنجوم مع الكواكب والمجرات مع بعضها...والأحماض مع القلويات...والقطط مع الفئران والطيور مع التعابين والأنعام مع الإنسان والجبال مع الوديان والرياح مع السحاب والسحاب مع الجبال...وهاكذا قائمة لا حصر لها ولا نهاية لها...كل مخلوق تنظم علاقته بالمخلوقات الأخری قواعد وقوانين ثابتة لا تتغير في أي زمان أو مكان...فعلی ما يدل هذا؟  إنه بالعقل والمنطق يدل علی أن خالق كل هذا المخلوقات والأكوان هو واحد فقط بالطبع...وإلا لو كان هناك ألهة مختلفة كل منها خلق شيئاً من الخلق...فلِما إذن كل هذا الحرص علی تنظيم علاقة المخلوقات بعضها البعض...ولو كان كل إله خلق خلقاً من الأكوان والحياة والمخلوقات خاصة به ووضع له قوانينه الثابتة فمن إذن الذي تولی وضع تلك القوانين التي تنظم علاقات الخلق والمخلوقات مع بعضها...فهذا مثلا ً إله خلق النار بقوانينها وهذا إله خلق الماء بقوانينها...فمن هو الإله الذي خلق وأوجد القوانين التي تنظم علاقة الماء مع النار بدقة؟  هل هو إله النار أم إله الماء أم إله ثالث غيرهم؟  إذا كان إله النار فكيف سيمد سلطاته علی الماء ليقنن له علاقة مع النار وهو ليس إله الماء؟  وإذا كان إله الماء فكيف سيمد سلطانه علی النار ليقنن لها علاقه مع الماء وهو ليس إله النار؟  وإذا كان ثالث غيرهما فكيف سيمد سلطانه عليهما ليقنن لهما؟  إن فرض عليها ذلك فلا يصلحا بعدها أن يكونا إلهين لأنه سيكون أقوی منهما وهم أضعف منه والإله لا يمسه ضعف كما أوضحنا...وإن إستمد سلطانه عليهما من رضاهما فلا يصلح هو أن يكون إلهاً لأنه سيستمد قوته من أخرين وبذا سيكون ناقصاً والإله الخالق من صفاته المنطقية أنه كامل لا نقص فيه... إذن فكل هذه الإفتراضية مرفوضة ومستحيلة وغير قابلة التصور أو التصديق...ولكن ما هو مقبول ومنطقي للعقل والمنطق أن الذي خلق النار هو نفسه الذي خلق الماء وهو نفسه الذي خلق كل شئ...وبالتالي هو نفسه الذي وضع القوانين التي تنظم علاقات مخلوقاته جميعها بعضها ببعض...إله واحد وخالق واحد ليس معه ثاني وليس له شريك في الخلق أبداً...هذا هو الإستنتاج المقبول والسليم والأقرب للعقل وللتصور وللمنطق الإنساني...

 

٣)       ثم التشابه الواضح في كثير من القوانين الثابتة الخاصة بالمخلوقات وفي القوانين الثابتة التي تنظم علاقة المخلوقات بعضها ببعض يدل دلالة قاطعة علی أن مصمم هذه القوانين واحد وليس اكثر ولو كانوا أكثر لاختلفت القوانين وتباينت تماماً...فقوانين الخلية الحية بشكل عام ثابتة سواء كان في النبات أو الحيوان أو الإنسان...والقوانين التي تحكم الشمس وحرائقها وتوهجها وعناصرها وحركتها وإشعاعتها تكاد تشبه أو تماثل القوانين التي تحكم بقية النجوم في الكون , والقوانين التي تحكم الأرض وجريانها لا تختلف عن التي تحكم بقية النجوم في الكون , والقوانين التي تحكم الأرض وجريانها لا تخلتف عن التي تحكم عطارد أو المشتری أو زحل , والعناصر الأرضية الموجودة علی الأرض هی تقريباً نفس العناصر الموجودة في الشمس والقمر والكواكب والأجساد الحية...لا إختلاف يذكر...والقوانين التي تربط الشمس بالأرض هی نفسها التي تربط الشمس بالزهرة والتي تربط أي نجم بأي كوكب...وهذا التشابه في القوانين هو الذي مكن الإنسان من التنبؤ والتوقع بقوانين للأشياء أو تربط الأشياء حتی قبل إكتشاف هذه القوانين وإثباتها بالفعل وذلك بإستخدام القياس علی التشابه بين القوانين في الكون....ولولا هذا التشابه لما تمكن الإنسان من إفتراض النظريات والتنبؤ ثم محاولة إثباتها بعد ذلك...وهذا حدث ويحدث مراراً في كل فرع من فروع العلوم الحديثة...ومن خلال ذلك يكشف العلماء المزيد من الأسرار...فإلكتشاف مركب واحد في الجسم يؤدي بالقياس والإستنتاج القائم علی تشابه القوانين إلی إكتشاف مائة مركب أخر في نفس الجسم أو أجسام أخری تؤدي  مهام مختلفة ولكنها متشابهة من حيث التفسير والقانون...أفلا يدل هذا التشابه في القوانين الخاصة الثابتة للمخلوقات والأكوان وعلاقتها ببعضها علی أن خالقها ومبدعها ومنظمها هو إله خالق واحد فقط لا إله معه ولا شريك له وأن إرادته وحكمته وقوانينه وسنته هی السائدة علی الجميع...إن هذا عقلي ومنطقي وواضح لكل ذي تفكير سليم.

 

٤)       وهذا التداخل الشديد والتشابك والترابط بين كافة المخلوقات بعضها البعض حتی أنها تكاد كلها أن تكون قائمة علی بعضها...فلا حياة بدون طاقة ولا طاقة بدون حرارة ولا حرارة بدون تفاعلات ولا تفاعلات بدون عناصر ومركبات....ولا حياة بغير غذاء ولا غذاء بغير حيوان ولا حيوان بغير نبات ولا نبات بغير ضوء وشمس وماء ولا ضوء بغير شمس ونجوم ولا ماء بغيرسحب وجبال وأمطار ورياح وأنهار وبحار ومحيطات وبغير باطن أرض قادر علی تخزين الماء ولا أكسجين بغير نبات وهواء...ولا مجرات بغير كواكب ولا كواكب بغير نجوم ولا نجوم بغير توهج وحرائق ونيران ولا زراعة بغير أودية صالحة ومياه عذبة ولا مياه عذبة بدون مياه مالحة وكل ذلك تصب فائدته في الإنسان , ولا مخترعات أو تطور أو أجهزة بدون الإنسان...وهكذا كله حلقة واحدة ودائرة متشابكة يؤدي بعضها إلی بعض وبالتالي فهی معتمدة علی بعض وتربطها علاقات كثيرة ومتشابكة ومعقدة ولكنها مقننة ومنظمة بقواعد ثابتة...أفلا يدل هذا التشابك والترابط والتداخل الشديد والإعتماد علی أن خالق كل هذا واحد فقط وإلا فلما كل هذا التداخل والترابط والتشابك إذا كان كل إله خلق شيئاً من المخلوقات ولا علاقة له بالخلق الأخر. هل إذا فتحت جهاز تلفزيون من الداخل ورأيت الألاف من الدوائر والخلايا الكهربائية والتوصيلات التي قد يختلف شكلها وتركيبها ومكونتها وقوانينها ولكنها مرتبطة مع بعضها ومتداخلة تداخلا ً كاملا ً ومعتمدة علی بعضها البعض وتعمل في النهاية بتناسق سليم وهناك قوانين تربطها ببعضها وتنظم عملها هل يداخلك شك في هذه اللحظة أن صانع هذا التلفزيون هو صانع واحد أو مصنع واحد أو مهندس واحد أو مصمم واحد...إن هذا منطقي وواضح بلا أدنی خلاف أو جدال...فالتداخل والتشابك والترابط بين الخلق والمخلوقات والأكوان إذن يدل دلالة منطقية عقلية بحتة علی أن الخالق العظيم هو واحد لا ثاني معه وإله لا شريك له أبداً في خلقه وصنعه وقوانينه.

 

٥)        والتشابه العظيم الرائع المقصود بين أكبر وأعظم شئ في الخلق وهو الكون الكبير بفضائه اللانهائي ومجموعاته الشمسية ومجراته ونجومه وكواكبه...وأجسامه وشهبه وبين أصغر شئ في حياتنا الأرضية ألا وهو الذرة بنواتها وأجسامها وفضائها وإلكترونياتها وإشعاعتها...هذا التشابه الإعجازي في التركيب والتنظيم والحركة وحتی في القوانين...ألا يدل علی أن الخالق واحد...وإذا كان الذي خلق أعظم وأكبر شئ ونظام في الخلق هو نفسه الذي خلق أصغر وأدق نظام في الخلق ألا يستنتج العقل والفكر السليم والمنطق المقبول أن كل ما بين الأثنين العظيم الكبير اللانهائي والصغير الدقيق المتناهی من خلق وخلائق ومخلوقات وموجودات هو بالطبع وبالعقل من صنع نفس الإله الخالق القدير الواحد...وألا يدل التفكر في هذا التوافق والتشابه المقصود والذي يستحيل أن يأتي عن طريق الصدفة وحدها...ألا يدل التفكر في هذا علی أنه مقصود من الخالق للدلاله علی نفسه وقدرته أولا ً وعلی وحدانيته المطلقة ثانياً...وإلا فعلی ما يدل أيها العقل المفكر والمنطق السليم والتدبر الحكيم...إنه يدل علی إله واحد لا إله معه وخالق واحد لا شريك له.

 

 

 

          ومن البنود السابقة ١ إلی ٥  ، نستطيع بعد التفكر والتدبر والتدقيق والتمحيص وبإستخدام العقل الإنساني المجرد والمنطق السليم ، نستطيع أن نستخلص ونتوصل إلی الحقيقة الثابتة التالية التي لا يرقی إليها أي شك ولا تحتمل التخمين أو الظن:

 

 

الإستنتاج الثاني: 

 

الإله الخالق هو بلا أي شك إله واحد فقط...لا إله معه...ولا شريك له...خلق كل شئ وحده وبقدرته وحكمته وتدبيره فقط...وهذه حقيقة واقعة ثابتة يستحيل إنكارها أو إثبات عكسها عقلياً ومنطقيأً وواقعياً.

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق