الرد على شبهة الماء الدافق

يقول الله تعالى فى كتابه العزيز: [فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ .. خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ .. يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ] .. [الطارق: 6-8] ..

قال المعترض: (القول بأن الماء الدافق إنما يتكون من ظهر الرجل وعظام صدر المرأة هو خطأ علمى) إهـ ..

قلتُ: هذا إعتراض مردود ..

فإن الآية لم تذكر على وجه الإطلاق أن الماء الدافق يخرج (من الصلب والترائب) ..

وإنما قال (من بين الصلب والترائب) ..

وهذا فرق لا يخفى على كل حصيف ..

وتفسيرات الأقدمين ليست حجة علينا ..

بل الكل يؤخذ ويرد عليه إلا النبى صلى الله عليه وسلم .. (*)

والقرآن إنما يفهم وفقاً للسان العرب وقت نزول القرآن ..

ووفقاً لفهم السلف الصالح ..

وهذه بديهة لا تحتاج إلى إثبات ..

روى إبن كثير عن إبن عباس فى معنى الآية الكريمة: [(يَخْرُجُ مِن بَيْنِ ٱلصُّلْبِ وَٱلتَّرَآئِبِ) صلب الرجل .. وترائب المرأة] إهـ ..

والصلب: هو الظهر والعمود الفقرى .. يقول إبن فارس فى كتابه (مقاييس اللغة) عن الظهر: [والأصل فيه كلّه ظهر الإنسان .. وهو خلافُ بطنه] إهـ ..

ويقول: [وكذلك سُمِّى الظَّهر صُلْباً لقوّته] إهـ ..

ويقول إبن منظور فى (لسان العرب) عن الصلب: [الصلب: عَظْمٌ من لَدُنِ الكاهِل إِلى العَجْب] إهـ ..

ثم قال: [ويقال للظَّهْر: صُلْب وصَلَب وصالَبٌ .. الأَصْلابُ: جَمْعُ صُلْب وهو الظهر] إهـ ..

وعن إبن عباس وعكرمة: [الترائب: موضع القلادة] إهـ ..

قال الزجاج: [قال أهل اللغة أجمعون .. الترائب: موضع القلادة من الصدر] إهـ ..

ويقول إبن منظور فى (لسان العرب): [التَّرائبُ مَوْضِعُ القِلادةِ من الصَّدْر.. وقيل: التَّرائبُ عِظامُ الصدر] إهـ ..

ويقول أبو بكر الأصم من أئمة التفسير: [(ٱلصُّلْبِ) كناية عن الرجل .. (وَٱلتَّرَائِبِ) كناية عن المرأة] إهـ ..

وحكى اللحيانى عن العرب أنهم كانوا يقولون: [هؤلاء أَبناءِ صِلَبَتِهِمْ] إهـ ..

أى من ذريتهم ..

ويقول إبن عاشور فى (التحرير والتنوير): [والصلب: العمود العظمى الكائن فى وسط الظهر .. وهو ذو الفقرات .. والترائب: جمع تريبة .. ويقال: تَريب ... ووسموه بأنه موضع القلادة من المرأة .. والترائب تضاف إلى الرجل وإلى المرأة .. ولكن أكثر وقوعها فى كلامهم فى أوصاف النساء لعدم إحتياجهم إلى وصفها فى الرجال ... وهذا مخاطبة للناس بما يعرفون يومئذ بكلام مجمل .. مع التنبيه على أن خلق الإِنسان من ماء الرجل وماءِ المرأة بذكر الترائب .. (لأن الأشهر أنها لا تطلق إلا على ما بين ثديى المرأة)] إهـ ..

قلتُ: فالآية تتحدث عن خروج الماء الدافق من الرجل إلى المرأة ..

والدفق هو صب الماء بشدة أو من مرة واحدة ..

وهذا هو ما يحدث فعلياً حينما يدفق الرجل ماءه فى رحم المرأة من خلال الإحليل أثناء الجماع ..

والدفق إنما يكون من الرجل لأن معناه الصب ..

ولذلك يقول إبن القيم فى (إعلام الموقعين): [وأيضاً فإن الذى يوصف بالدفق والنضح إنما هو ماء الرجل .. ولا يقال نضحت المرأة الماء ولا دفقته] إهـ ..

وقد قال العلماء: [من أسباب الكناية فى القرآن: أن يذكر بالكناية ما يفحش ذكره فى السمع .. فيكنى عنه بما لا ينبو عنه الطبع] إهـ ..

ويقول الإمام الثعالبى عن ذلك فى كتابه (فقه اللغة): [وهو من سنن العرب] إهـ ..

والكناية لفظ يطلق ويراد به لازمه ..

وإنما كنى عن الرجل بإسم الصلب ..

وهو العمود الفقرى ..

لأنه يشتمل من الناحية العصبية على المركز التناسلى الآمر بالإنتعاظ ودفق المنى وتهيئة مستلزمات العمل الجنسى ..

كما أن الجهاز التناسلى تعصبه ضفائر عصبية عديدة ناشئة من الصلب ..

وكنى عن المرأة بالترائب ..

وهى موضع القلادة ..

لأن أكثر وقوعها فى كلام العرب فى أوصاف النساء ..

ولذلك يقول الألوسى حول هذا المعنى: [هو كقولك: يخرج من بين زيد وعمرو خير كثير .. على معنى أنهما سببان فيه] .. [روح المعانى] ..

أى سببان فى خروجه عند الجماع ..

وفى الأثر عن على رضى الله عنه كما رواه إبن أبى شيبة فى مصنفه: [إذا كُسر الصلب ومنع الجماع ففيه الدية] إهـ ..

وذلك لأن الصلب هو المسئول عن دفق المنى ..

http://www.mydrjacobson.com/chiro.html

كما أن النخاع العظمى هو المسئول عن إنتاج الدماء ..

والتى تقوم بدورها فى تغذية الخصية التى تنتج المنى ..

تقول الموسوعة الحرة: [نِقْى العظم أو نخاع العظم هو نسيج لين موجود داخل العظام .. يتم تصنيع جميع خلايا الدم فى النقى] إهـ ..

ويتركز إنتاج الدم فى العمود الفقرى ومناطق أخرى ..

من ناحية أخرى يقول القطان فى تفسيره: [وقد بينت الدراسات الحديثة أن نواةَ الجهاز التناسلى والجهاز البولى فى الجَنين تظهر بين الخلايا الغضروفية المكوِّنةِ لعظام العَمودِ الفَقرى وبين الخلايا المكونةِ لعظام الصدر] إهـ ..

ويقول الدكتور / على البار: [فالحيوانات المنوية لدى الرجل أو البويضة لدى المرأة إنما تستقى مواد تكوينها من بين الصلب والترائب] إهـ ..

وقد ثبت أن مكان تكون الأصول الخلوية للجهاز التناسلى الذى تنتج منه الذرية فى ظهر الرجل ..

وفى ذلك يقول الله تعالى: [وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ] .. [الأعراف: 172] ..

يقول الدكتور / محمد دودح فى مقاله (نشأة الذرية معجزة علمية): [وتستمد الأصول الخلوية للغدة التناسلية فى كل جانب من مصدريين أساسيين: أولاً .. الخلايا التناسلية الأولية .. وتنشأ فى جدار كيس المح قرب الطرف الخلفى للجنين ثم تهاجر خلال المنطقة الظهرية نحو الحدبة التناسلية وهى التى تتطور لاحقاً إلى خلايا منتجة لخلايا الإنجاب .. ثانياً .. بقية العناصر وتستمد من الطبقة الجنينية الوسطى .. وتجتمع الأصول الخلوية فى الظهر فى الحدبة التناسلية لتخرج وتنفصل فى كل جانب مع الغدة التناسلية بين موضع بداية تكون العمود الفقرى وبداية تكون الضلوع .. ثم يتميز الجنس وتهاجر الخصية نحو كيس الصفن والمبيض نحو بوق قناة الرحم .. ولذا تظل الأوعية الدموية واللمفاوية والأعصاب سواء للخصية أو المبيض فى الشخص البالغ مرتبطة بالمنشأ فى منطقة الكلية] إهـ ..

والحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات ..

ــــــــــــــــــــــــــ

(*) القول بأن معنى قوله تعالى: (يخرج من بين الصلب والترائب) أى (يخرج من الصلب والترائب) فى غاية الفساد .. لأنه يلزم منه تفسير قوله تعالى: (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِى بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ) .. (النحل: 66) .. أن اللبن السائغ يخرج من الدم والفرث .. والفرث هو فضلات الأمعاء .. ومعلوم أن هذا الفرث يكون روثاً بعد خروجه .. وبعد هضم العلف يتحول إلى فرث عديم القيمة .. واللبن السائغ لا يتولد من الفرث بإتفاق العقلاء .. ولذلك يقول إبن عاشور فى (التحرير والتنوير): (والفرث: الفضلات التى تركها الهضم المَعِدى فتنحدر إلى الأمعاء فتصير فَرثاً) إهـ ..

والصحيح أنه يخرج من بينهما أى دون أن يختلط بهما .. ولذلك يقول إبن كثير فى تفسيره: (فيسرى كل إلى موطنه إذا نضج الغذاء فى معدته .. فيصرف منه دم إلى العروق .. ولبن إلى الضرع .. وبول إلى المثانة .. وروث إلى المخرج .. وكل منها لا يشوب الآخر) إهـ ..



فثبت بطلان هذا الوجه ..

الجزء الثاني (مهم)
الرد على شبهة ماء المرأة و ماء الرجل ومن بين الصلب و الترائب

http://antishobhat.blogspot.com/2012/10/blog-post_4030.html